الوسيط للطنطاوي

تفسير الآية رقم 2 من سورة فاطر

وقوله- تعالى-: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ... بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته وفضله على عباده.
والمراد بالفتح هنا: الإطلاق والإرسال على سبيل المجاز. بعلاقة السببية لأن فتح الشيء المغلق، سبب لإطلاق ما فيه وإرساله.
أى: ما يرسل الله- تعالى- بفضله وإحسانه للناس من رحمة متمثلة في الأمطار، وفي الأرزاق، وفي الصحة.. وفي غير ذلك، فلا أحد يقدر على منعها عنهم.
وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ أى: وما يمسك من شيء لا يريد إعطاءه لهم، فلا أحد من الخلق يستطيع إرساله لهم. بعد أن منعه الله- تعالى- عنهم.
وَهُوَ- سبحانه- الْعَزِيزُ الذي لا يغلبه غالب الْحَكِيمُ في كل أقواله وأفعاله.
وعبر- سبحانه- في جانب الرحمة بالفتح، للإشعار بأن رحمته- سبحانه- من أعظم النعم وأعلاها، حتى لكأنها بمنزلة الخزائن المليئة بالخيرات، والتي متى فتحت أصاب الناس منها ما أصابوا من نفع وبر.
ومِنْ في قوله مِنْ رَحْمَةٍ للبيان. وجاء الضمير في قوله: فَلا مُمْسِكَ لَها مؤنثا، لأنه يعود إليها وحدها.
وجاء مذكرا في قوله فَلا مُرْسِلَ لَهُ لأنه يشملها ويشمل غيرها. أى: وما يمسك من رحمة أو غيرها عن عباده فلا يستطيع أحد أن يرسل ما أمسكه- سبحانه-.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ. وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ..
وقوله- سبحانه-: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ. وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
قال ابن كثير: وثبت في صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدري. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده. اللهم ربنا لك الحمد. ملء السموات والأرض. وملء ما شئت من شيء بعد.. اللهم لا مانع لما أعطيت. ولا معطى لما منعت. ولا ينفع ذا الجد منك الجد- أى: ولا ينفع صاحب الغنى غناه وإنما الذي ينفعه عمله الصالح..