الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 131 من سورة النساء
قال ابن جرير، قوله وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعنى بذلك- سبحانه- ولله ملك جميع ما حوته السموات السبع والأرضون السبع من الأشياء كلها. وإنما ذكر- جل ثناؤه ذلك بعقب قوله وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ تنبيها منه لخلقه على موضع الرهبة عند فراق أحدهم زوجه ليفزعوا إليه عند الجزع من الحاجة والفاقة والوحشة بفراق سكنه، وتذكيرا منه له أنه الذي له الأشياء كلها. وأن من كان له ملك جميع الأشياء فغير متعذر عليه أن يغنيه ويغنى كل ذي فاقة وحاجة ويؤنس كل ذي وحشة فالجملة الكريمة مستأنفة لبيان مظاهر قدرته ورحمته بعباده. والخطاب في قوله: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ والمراد بالذين أُوتُوا الْكِتابَ: اليهود والنصارى ومن قبلهم من الأمم. والمراد بالكتاب: جنس الكتب الإلهية.
وقوله: وَإِيَّاكُمْ معطوف على الموصول. وقوله مِنْ قَبْلِكُمْ متعلق بأوتوا أو بوصينا وقوله: أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ أن مصدرية في محل جر بتقدير حرف الجر.
والمعنى: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم من الأمم السابقة وَإِيَّاكُمْ أى:
وصينا كلا منهم ومنكم بتقوى الله. أى بمراقبته وخشيته وتنفيذ أوامره والبعد عن نواهيه.
وقوله: وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ معطوف على وصينا بتقدير قلنا. أى وصيناهم ووصيناكم بتقوى الله، وقلنا لكم ولهم: إن تكفروا فاعلموا أنه- سبحانه- هو مالك الملك والملكوت ولن يضره كفركم ومعاصيكم، كما أنه- سبحانه- لن ينفعه شكركم وتقواكم، وإنما وصاكم وإياهم بما وصى لرحمته بكم لا لحاجته إليكم. كما قال- تعالى- في آية أخرى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ.
ويرى صاحب الكشاف أن قوله- تعالى- وَإِنْ تَكْفُرُوا عطف على اتقوا، فقد قال:
وقوله: وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ عطف على اتقوا. لأن المعنى:
أمرناهم وأمرناكم بالتقوى، وقلنا لهم ولكم: إن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض. والمعنى: إن لله الخلق كله وهو خالقهم ومالكهم والمنعم عليهم بأصناف النعم كلها، فحقه أن يكون مطاعا في خلقه غير معصى. يتقون عقابه ويرجون ثوابه. ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من الأمم السابقة ووصيناكم أن اتقوا الله. يعنى: أنها وصية قديمة ما زال يوصى الله بها عباده، لستم بها مخصوصين: لأنهم بالتقوى يسعدون عنده، وبها ينالون النجاة في العاقبة. وقلنا لهم ولكم: وإن تكفروا فإن لله في سماواته وأرضه من الملائكة والثقلين من يوحده ويعبده ويتقيه .
وجواب الشرط في قوله «وإن تكفروا محذوف، والتقدير: إن تكفرا بما وصاكم به فلن يضره كفركم فإنه- سبحانه- له ما في السموات وما في الأرض ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله:
وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً أى: وكان الله وما زال غنيا عن خلقه وعن عبادتهم، مستحقا لأن يحمده الحامدون لكثرة نعمه عليهم فالجملة الكريمة تذييل مقرر لما قبله.