الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 98 من سورة النساء
ثم استثنى- سبحانه- من هذا المصير السيئ لمن ظلموا أنفسهم ثلاثة أصناف من الناس فقال: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ.
أى: أن هذا المصير السيئ والعذاب المهين هو للذين ظلموا أنفسهم بترك الهجرة إلى المسلمين مع قدرتهم عليها، لكن هناك طوائف من الناس خارجون من هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم ومن هذا المصير الأليم، وهم أولئك الرجال الذين عجزوا حقا عن الهجرة لضعفهم أو مرضهم أو شيخوختهم.. أو النساء اللائي لا يستطعن الخروج وحدهن خشية من الاعتداء عليهن أو الولدان الذين لم يبلغوا الحلم بعد، أو بلغوه بلوغا قريبا لكنهم لا يستطيعون الهجرة بمفردهم لقلة ذات يدهم أو لغير ذلك من الأعذار الصحيحة.
وقوله لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا جملة مستأنفة موضحة لمعنى الاستضعاف.
حتى لا يتوهم متوهم أن استضعاف هؤلاء كالاستضعاف الذي تذرع به أولئك الذين ظلموا أنفسهم عند ما قالوا- كما حكى القرآن عنهم- كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ. ويصح أن تكون حالا من المستضعفين.
أى: ليس مندرجا مع الذين ظلموا أنفسهم فاستحقوا المصير السيئ أولئك الضعفاء من الرجال والنساء والولدان لأنهم لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً في الخروج إذ لا قوة لهم على الخروج ولا نفقة معهم توصلهم مبتغاهم وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا أى: ولا يعرفون الطريق التي توصلهم إلى دار هجرتهم.
قال القرطبي: والحيلة: لفظ عام لأنواع أسباب التخلص. والسبيل: سبيل المدينة. فيما ذكر مجاهد والسدى وغيرهما. والصواب أنه عام في جميع السبل.
والاستثناء في قوله إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ منقطع- على الصحيح- لأن هؤلاء الذين قعدوا عن الهجرة لعجزهم، خارجون من أولئك الذين ظلموا أنفسهم بقعودهم عن الهجرة مع قدرتهم على ذلك.
وفي ذكر الولدان مبالغة في أمر الهجرة حتى لكأنها لو استطاعها غير المكلفين لقاموا بها، وإشعار بأن على أوليائهم أن يهاجروا بهم معهم متى تمكنوا من ذلك.