الوسيط للطنطاوي

تفسير الآية رقم 67 من سورة غافر

ثم بين- سبحانه- مظاهر قدرته في خلق الإنسان في أطوار مختلفة، فقال- تعالى-:
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ أى: خلق أباكم آدم من تراب، وأنتم فرع عنه.
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ وأصل النطفة: الماء الصافي. أو القليل من الماء الذي يبقى في الدلو أو القربة، وجمعها نطف ونطاف. يقال: نطفت القربة إذا تقاطر ماؤها بقلة.
والمراد بها هنا: المنى الذي يخرج من الرجل، ويصب في رحم المرأة، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ والعلقة قطعة من الدم المتجمد.
ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا أى: ثم يخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا صغارا، بعد أن تكامل خلقكم فيها. فقوله: طِفْلًا اسم جنس يصدق على القليل والكثير.
ثم لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ بعد ذلك، بعد أن تنتقلوا من مرحلة الطفولة إلى المرحلة التي تكتمل فيها أجسامكم وعقولكم.
ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً بعد ذلك، بأن تصلوا إلى السن التي تتناقص فيها قوتكم والجملة الكريمة معطوفة على قوله لِتَبْلُغُوا، أو معمولة لمحذوف كالجمل التي تقدمتها، أى: ثم يبقيكم لتكونوا شيوخا.
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ أى: ومنكم من يدركه الموت من قبل أن يدرك سن الشيخوخة، أو سن الشباب، أو سن الطفولة.
وقوله- تعالى-: وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى معطوف على مقدر. أى: فعل ذلك بكم لكي تعيشوا، ولتبلغوا أجلا مسمى تنتهي عنده حياتكم، ثم تبعثون يوم القيامة للحساب.
والجزاء.
وقوله: وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أى: ولعلكم تعقلون عن ربكم أنه هو الذي يحييكم يوم القيامة كما أماتكم، وكما أنشأكم من تلك الأطوار المتعددة وأنتم لم تكونوا قبل ذلك شيئا مذكورا.