الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 2 من سورة محمد
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما أعده للمؤمنين من ثواب فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الأعمال الصَّالِحاتِ التي توافر فيها الإخلاص والاتباع لهدى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقوله: وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ من باب عطف الخاص على العام، فقد أفرده بالذكر مع أنه داخل في الإيمان والعمل الصالح، للإشارة إلى أنه شرط في صحة الإيمان، وللإشعار بسمو مكانة هذا المنزل عليه صلّى الله عليه وسلّم وبعلو قدره.
وقوله: وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ جملة معترضة، لتأكيد حقية هذا المنزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم وتقرير كماله وصدقه. أى: وهذا المنزل على الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو الحق الكائن من عند الله- تعالى- رب العالمين، لا من عند أحد سواه.
وقوله: كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ خبر الموصول، أى: والذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة، محا عنهم- سبحانه- ما عملوه من أعمال سيئة، ولم يعاقبهم عليها، فضلا منه وكرما.
فقوله: كَفَّرَ من الكفر بمعنى الستر والتغطية. يقال: كفر الزارع زرعه إذا غطاه، وستره حماية له مما يضره. والمراد به هنا: المحو والإزالة على سبيل المجاز.
وقوله: وَأَصْلَحَ بالَهُمْ معطوف على ما قبله. أى: محا عنهم بسبب إيمانهم وعملهم الصالح، ما اقترفوه من سيئات، كما قال- تعالى-: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ولم يكتف- سبحانه- بذلك، بل وأصلح أحوالهم وأمورهم وشئونهم. بأن وفقهم للتوبة الصادقة في الدنيا، وبأن منحهم الثواب الجزيل في الآخرة.
فالمراد بالبال هنا: الحال والأمر والشأن.
قال القرطبي: والبال كالمصدر، ولا يعرف منه فعل، ولا تجمعه العرب إلا في ضرورة الشعر، فيقولون فيه بالات...
وهذه الجملة الكريمة وهي قوله: وَأَصْلَحَ بالَهُمْ نعمة عظمى لا يحس بها إلا من وهبه الله- تعالى- إياها، فإن خزائن الأرض لا تنفع صاحبها إذا كان مشتت القلب، ممزق النفس، مضطرب المشاعر والأحوال. أما الذي ينفعه فهو راحة البان. وطمأنينة النفس، ورضا القلب، والشعور بالأمان والسلام.