الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 11 من سورة ق
وقوله: رِزْقاً لِلْعِبادِ بيان للحكمة من إنزال المطر وإنبات الزرع..
أى: أنبتنا ما أنبتنا من الجنات ومن النخل الباسقات.. ليكون ذلك رزقا نافعا للعباد..
وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً أى: وأحيينا بذلك الماء الذي أنزلناه بلدة كانت مجدبة، وأرضا كانت خالية من النبات والزروع، وتذكير مَيْتاً لكون البلدة بمعنى المكان.
وقوله: كَذلِكَ الْخُرُوجُ جملة مستأنفة لبيان أن الخروج من القبور عند البعث، مثله كمثل هذا الإحياء للأرض التي كانت جدباء ميتة، بأن أنبتت من كل زوج بهيج بعد أن كانت خالية من ذلك.
فوجه الشبه بين إحياء الأرض بالنبات بعد جدبها، وبين إحياء الإنسان بالبعث بعد موته، استواء الجميع في أنه جاء بعد عدم.
قال ابن كثير: قوله: وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ... وهي الأرض التي كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج. وذلك بعد أن كانت لا نبات فيها، فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك، كذلك يحيى الله الموتى، وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس، أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث..
كقوله- تعالى-: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ.
وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وقوله- تعالى-: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت ألوانا من الأدلة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، وعلى أن البعث حق، وأنه آت لا ريب فيه.
وبعد هذا العرض البديع لمظاهر قدرة الله- تعالى- في هذا الكون، ولمظاهر نعمه على خلقه، ساقت السورة الكريمة جانبا من أحوال المكذبين للرسل السابقين. تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من قومه، فقال- تعالى-: