الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 24 من سورة الذاريات
وهذه القصة التي تحكى لنا هنا ما دار بين إبراهيم- عليه السلام- وبين الملائكة الذين جاءوا لبشارته بابنه إسحاق، ولإخباره بإهلاك قوم لوط، قد وردت قبل ذلك في سورتي هود والحجر.
وقد افتتحت هنا بأسلوب الاستفهام هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ للإشعار بأهمية هذه القصة، وتفخيم شأنها، وبأنها لا علم بها إلا عن طريق الوحى ... وقيل إن هل هنا بمعنى قد.
والمعنى: هل أتاك- أيها الرسول الكريم- حديث ضيف إبراهيم المكرمين؟ إننا فيما أنزلناه عليك من قرآن كريم، نقص عليك قصتهم بالحق الذي لا يحوم حوله باطل، على سبيل التثبيت لك، والتسلية لقلبك.
والضيف في الأصل مصدر بمعنى الميل، يقال ضاف فلان فلانا إذا مال كل واحد منهما نحو الآخر، ويطلق على الواحد والجماعة. والمراد هنا: جماعة الملائكة الذين قدموا على إبراهيم- عليه السلام- وعلى رأسهم جبريل، ووصفهم بأنهم كانوا مكرمين، لإكرام الله- تعالى- لهم بطاعته وامتثال أمره. ولإكرام إبراهيم لهم، حيث قدم لهم أشهى الأطعمة وأجودها.
قال الآلوسى: قيل: كانوا اثنى عشر ملكا وقيل: كانوا ثلاثة: جبريل وإسرافيل وميكائيل. وسموا ضيفا لأنهم كانوا في صورة الضيف، ولأن إبراهيم- عليه السلام- حسبهم كذلك، فالتسمية على مقتضى الظاهر والحسبان.
وبدأ بقصة إبراهيم وإن كانت متأخرة عن قصة عاد، لأنها أقوى في غرض التسلية .