الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 42 من سورة القمر
بل كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها أى: بل كذبوا بجميع المعجزات التي أيدنا موسى- عليه السلام- بها، والتي كانت تدل أعظم دلالة على صدقه فيما يدعوهم إليه.
وأكد- سبحانه- هذه المعجزات بقوله، كلها للإشعار بكثرتها، وبأنهم قد أنكروها جميعا دون أن يستثنوا منها شيئا.
وقوله: فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ بيان لشدة العذاب الذي نزل بهم إذ الأخذ مستعار، للانتقام الشديد، وانتصاب أَخْذَ ... على المفعولية المطلقة، وإضافته إلى «عزيز مقتدر» من إضافة المصدر إلى فاعله.
والعزيز: الذي لا يغلبه غالب، والمقتدر: الذي لا يعجزه شيء يريده.
أى: فأخذناهم أخذا لم يبق منهم أحدا، بل أهلكناهم جميعا، لأن هذا الأخذ صادر عن الله- عز وجل- الذي لا يغلبه غالب، ولا يعجزه شيء.
ووصف- سبحانه- ذاته هنا بصفة العزة والاقتدار، للرد على دعاوى فرعون وطغيانه وتبجحه، فقد وصل به الحال أن زعم أنه الرب الأعلى.. فأخذه- سبحانه- أخذ عزيز مقتدر، يحق الحق ويبطل الباطل.
وبعد هذا الحديث المتنوع عن أخبار الطغاة الغابرين، التفتت السورة الكريمة بالخطاب إلى كفار مكة، لتحذرهم من سوء عاقبة الاقتداء بالكافرين، ولتدعوهم إلى التفكر والاعتبار، فقال- تعالى-: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ.
والاستفهام للنفي والإنكار، والمراد بالخيرية، الخيرية الدنيوية، كالقوة والغنى والجاه، والسلطان، والخطاب لأهل مكة.
والبراءة من الشيء: التخلص من تبعاته وشروره، والمراد بها التخلص من العذاب الذي أعده الله- تعالى- للكافرين، والسلامة منه.
والزبر: جمع زبور، وهو الكتاب الذي يكتب فيه.