الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 113 من سورة الأنعام
وقوله: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. معطوف على غُرُوراً فيكون علة أخرى للإيحاء، والضمير في إِلَيْهِ يعود إلى زخرف القول.
وأصل الصغو: الميل. يقال: صغا يصغو ويصغى صغوا، وصغى يصغى صغا أى: مال، وأصغى إليه مال إليه يسمعه، وأصغى الإناء: أماله. ويقال: صغت الشمس والنجوم صغوا: مالت إلى الغروب.
والمعنى: يوحى بعضهم إلى بعضهم زخرف القول ليغروا به الضعفاء، ولتميل إلى هذا الزخرف الباطل من القول قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة لموافقته لأهوائهم وشهواتهم.
وخص عدم إيمانهم بالآخرة بالذكر- مع أنهم لا يؤمنون بأمور أخرى يجب الإيمان بها- لأن من لم يؤمن بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب يمشى دائما وراء شهواته وأهوائه ولا يتبع إلا زخرف القول وباطله.
ثم بين- سبحانه- تدرجهم السيئ في هذا العمل الأثيم فقال: وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ.
أى: وليرضوا هذا الفعل الخبيث لأنفسهم بعد أن مالت إليه قلوبهم، وليقترفوا ما هم مقترفون أى: وليكتسبوا ما هم مكتسبون من الأعمال السيئة فإن الله- تعالى- سيجازيهم عليها بما يستحقونه.
وأصل القرف والاقتراف. قشر اللحاء عن الشجر، والجلدة عن الجرح. واستعير الاقتراف للاكتساب مطلقا ولكنه في الإساءة أكثر. فيقال: قرفته بكذا إذا عبته واتهمته.
قال أبو حيان: وترتيب هذه المفاعيل في غاية الفصاحة، لأنه أولا يكون الخداع، فيكون الميل، فيكون الرضا، فيكون الاقتراف، فكل واحد مسبب عما قبله .
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصارح المشركين بأن الله وحده هو الحكم الحق، وإن كتابه هو الآية الكبرى الدالة على صدقه فيما يبلغه عنه فقال- تعالى-: