الوسيط للطنطاوي

تفسير الآية رقم 16 من سورة الملك

ثم حذر- سبحانه- من بطشه وعقابه فقال: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ..
والخسف: انقلاب ظاهر السطح من بعض الأرض فيصير باطنا، والباطن ظاهرا..
والمور: شدة الاضطراب والتحرك. يقال: مار الشيء مورا، إذا ارتج واضطرب، والمراد بمن في السماء: الله- عز وجل- بدون تحيز أو تشبيه أو حلول في مكان.
قال الإمام الآلوسى: قوله: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ وهو الله- عز وجل- كما ذهب إليه غير واحد، فقيل على تأويل: من في السماء أمره وقضاؤه، يعنى أنه من التجوز في الإسناد، أو أن فيه مضافا مقدرا، وأصله: من في السماء أمره، فلما حذف وأقيم المضاف إليه مقامه ارتفع واستتر، وقيل على تقدير: خالق من في السماء..
وقيل في بمعنى على، ويراد العلو بالقهر والقدرة..
وأئمة السلف لم يذهبوا إلى غيره- تعالى- والآية عندهم من المتشابه وقد قال صلى الله عليه وسلم آمنوا بمتشابهه ولم يقل أولوه. فهم مؤمنون بأنه- عز وجل- في السماء: على المعنى الذي أراده- سبحانه- مع كمال التنزيه. وحديث الجارية- التي قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم أين الله؟ فأشارت إلى السماء- من أقوى الأدلة في هذا الباب. وتأويله بما أول به الخلف، خروج عن دائرة الإنصاف عند ذوى الألباب.. .
والمعنى: أأمنتم- أيها الناس- من في السماء وهو الله- عز وجل- أن يذهب الأرض بكم، فيجعل أعلاها أسفلها.. فإذا هي تمور بكم وتضطرب، وترتج ارتجاجا شديدا تزول معه حياتكم.
فالمقصود بالآية الكريمة تهديد الذين يخالفون أمره، بهذا العذاب الشديد، وتحذيرهم من نسيان بطشه وعقابه.
والباء في قوله بِكُمُ للمصاحبة. أى: يخسفها وأنتم مصاحبون لها بذواتكم، بعد أن كانت مذللة ومسخرة لمنفعتكم..