الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 20 من سورة الملك
ثم لفت أنظارهم للمرة الثانية إلى قوة بأسه، ونفاذ إرادته، وعدم وجود من يأخذ بيدهم إذا ما أنزل بهم عقابه فقال: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ.
والاستفهام للتحدى والتعجيز، وأم منقطعة بمعنى بل، فهي للإضراب الانتقالى من غرض إلى آخر، ومن حجة إلى أخرى.
ومن اسم استفهام مبتدأ، وخبره اسم الإشارة، وما بعده صفته.
والمراد بالجند: الجنود الذين يهرعون لنصرة من يحتاج إلى نصرتهم. ولفظ دُونِ أصله ظرف للمكان الأسفل.. ويطلق على الشيء المغاير، فيكون بمعنى غير كما هنا، والمقصود بالآية تحقير شأن هؤلاء الجند، والتهوين من شأنهم.
والمعنى: بل أخبرونى- أيها المشركون- بعد أن ثبتت غفلتكم وعدم تفكيركم تفكيرا ينفعكم، من هذا الحقير الذي تستعينون به في نصركم ودفع الضر عنكم، متجاوزين في ذلك إرادة الرحمن ومشيئته ونصره. أو من هذا الذي ينصركم نصرا كائنا غير نصر الرحمن، أو من ينصركم من عذاب كائن من عنده- تعالى-.
والجواب الذي لا تستطيعون جوابا سواه: هو أنه لا ناصر لكم يستطيع أن ينصركم من دون الله- تعالى-، كما قال- سبحانه- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ..
وكما قال- عز وجل-: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ.
وقوله- سبحانه-: إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ كلام معترض بين ما قبله وما بعده، لبيان حالهم القبيح وواقعهم المنكر.
والغرور: صفة في النفس تجعلها تعرض عن الحق جحودا وعنادا وجهلا. أى ليس الكافرون إلا في غرور عظيم، وفي جهل تام، عن تدبر الحق، لأنهم زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، فرأوها حسنة.