الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 126 من سورة الأعراف
ثم قالوا له على سبيل الاستهزاء والتوبيخ وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا أى: وما تكره منا وتعيب إلا الإيمان بالله، مع أن ما تكرهه منا وتعيبه علينا هو أعظم محاسننا، لأنه خير الأعمال، وأعظم المناقب، فلا نعدل عنه طلبا لمرضاتك.
يقال: نقم عليه أمره، ونقمت منه نقما- من باب ضرب- عبته وكرهته أشد الكراهة.
قال الجمل: وقوله إِلَّا أَنْ آمَنَّا يجوز أن يكون في محل نصب مفعول به، أى: ما تعيب علينا إلا إيماننا. ويجوز أن يكون مفعولا من أجله. أى: ما تنال منا وتعذبنا لشيء من الأشياء إلا لإيماننا. وعلى كل من القولين فهو استثناء مفرغ» .
ثم ختموا مناقشتهم لفرعون بالانصراف عنه والالتجاء إلى الله- تعالى- فقالوا: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ أى: يا ربنا أفض علينا صبرا واسعا لنثبت على دينك، وتوفنا إليك حالة كوننا مسلمين لك مذعنين لأمرك ونهيك، مستسلمين لقضائك.
وبذلك يكون السحرة قد ضربوا للناس في كل زمان ومكان أروع الأمثال في التضحية من أجل العقيدة، وفي الوقوف أمام الطغيان بثبات وعزة، وفي الصبر على المكاره والآلام، وفي المسارعة إلى الدخول في الطريق الحق بعد أن تبين لهم، وفي التعالي عن كل مغريات الحياة.
قال قتادة: كانوا في أول النهار كفارا سحرة. وفي آخره شهداء بررة، فرضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم.
وبعد هذا الحديث الذي ساقته السورة عما دار بين موسى وفرعون، وبين موسى والسحرة، والذي انتهى بإيمان السحرة برب العالمين بعد ذلك بدأت السورة تحكى لنا ما قاله الملأ من قوم فرعون بعد هزيمتهم المنكرة، وما قاله موسى- عليه السلام- لقومه بعد أن بلغهم وعيد فرعون وتهديده لهم، وما رد به قومه عليه مما يدل على سفاهتهم فقالت: