الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 190 من سورة الأعراف
لقد كانت النتيجة عدم الوفاء لله فيما عاهداه عليه، ويحكى القرآن ذلك فيقول: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما أى: فحين أعطاهما- سبحانه- الولد الصالح الذي كانا يتمنيانه، جعلا لله- تعالى- شركاء في هذا العطاء، وأخلا بالشكر في مقابلة هذه النعمة أسوأ إخلال، حيث نسبوا هذا العطاء إلى الأصنام والأوثان، أو إلى الطبيعة كما يزعم الطبعيون أو إلى غير ذلك مما يتنافى مع إفراد الله- تعالى- بالعبادة والشكر.
وقوله فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ تنزيه فيه معنى التعجب من أحوالهم. أى: تنزه- سبحانه- وتقدس عن شرك هؤلاء الأغبياء الجاحدين الذين يقابلون نعم الله بالإشراك والكفران.
والضمير في يُشْرِكُونَ يعود على أولئك الآباء الذين جعلوا لله شركاء: هذا والمحققون من العلماء يرون أن هاتين الآيتين قد سيقتا توبيخا للمشركين حيث إن الله- تعالى- أنعم عليهم بخلقهم من نفس واحدة، وجعل أزواجهم من أنفسهم ليأنسوا بهن، وأعطاهم الذرية، وأخذ عليهم العهود بشكره على هذه النعم، ولكنهم جحدوا نعمه وأشركوا معه في العبادة والشكر آلهة أخرى فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
ويرى بعض المفسرين أن المراد بهذا السياق آدم وحواء، واستدلوا على ذلك بما رواه الإمام أحمد- بسنده- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لما طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال لها سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته عبد الحارث فعاش، وكان ذلك من وحى الشيطان وأمره.
وقد أثبت ابن كثير في تفسيره ضعف هذا الحديث من عدة وجوه، ثم قال: قال الحسن:
عنى الله- تعالى- بهذه الآية ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده، وقال قتادة: كان الحسن يقول:
هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا. قال ابن كثير: وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ونحن على مذهب الحسن البصري في هذا، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته، ولهذا قال: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
وقال صاحب الانتصاف: والأسلم والأقرب أن يكون المراد- والله أعلم- جنسى الذكر والأنثى لا يقصد فيه إلى معين. وكأن المعنى خلقكم جنسا واحدا، وجعل أزواجكم منكم أيضا لتسكنوا إليهن، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر، الجنس الآخر الذي هو الأنثى جرى من هذين الجنسين كيت وكيت. وإنما نسب هذه المقالة إلى الجنس وإن كان فيهم الموحدون على حد قولهم: «بنو فلان قتلوا قتيلا» يعنى من نسبة البعض إلى الكل .
والذي نراه أن الآيتين واردتان في توبيخ المشركين على شركهم ونقضهم لعهودهم مع الله- تعالى- لأن الأحاديث والآثار التي وردت في أنهما وردتا في شأن آدم وحواء لتسميتهما ابنهما بعبد الحارث اتباعا لوسوسة الشيطان لهما- ليست صحيحة، كما أثبت ذلك علماء الحديث.
ثم أخذت السورة بعد ذلك في توبيخ المشركين، وفي إبطال شركهم بأسلوب منطقي حكيم فقالت: