الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 28 من سورة الإنسان
ثم بين- سبحانه- مظاهر فضله عليهم، ومع ذلك أشركوا معه في العبادة غيره فقال:
نَحْنُ خَلَقْناهُمْ، وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ، وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا.
أى: نحن وحدنا الذين خلقناهم وأوجدناهم من العدم.
ونحن وحدنا الذين شَدَدْنا أَسْرَهُمْ أى: قوينا وأحكمنا وأتقنا خلقهم، بأن منحناهم السمع والأبصار والأفئدة والعقول.. وربطنا بين مفاصلهم وأجزاء أجسادهم ربطا عجيبا معجزا.
يقال: أسر الله- تعالى- فلانا، أى: خلقه- وبابه ضرب- وفرس شديد الأسر، أى: شديد الخلق، والأسر: القوة، مشتق من الإسار- بكسر الهمزة- وهو الحبل الذي تشد به الأحمال، يقال: أسر فلان الحمل أسرا، إذا أحكم ربطه، ومنه الأسير لأنه يربط بالإسار، أى: القيد.
والمقصود بالأسر هنا: الإحكام والإتقان، والامتنان عليهم بأن الله- تعالى- خلقهم في أحسن وأتقن خلق.
وقوله- سبحانه- وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا تأكيد لشمول قدرته- تعالى- أى: ونحن وحدنا الذين خلقناهم، ونحن وحدنا الذين ربطنا مفاصلهم وأعضاءهم ربطا متقنا بديعا.
ومع ذلك، فإننا إذا شئنا إهلاكهم أهلكناهم، وجئنا بأمثالهم وأشباههم في شدة الخلق، وبدلناهم تبديلا معجزا، لا يقدر عليه أحد سوانا.
وقوله: تَبْدِيلًا منصوب على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله وهو بدلناهم.
ومن الآيات الشبيهة لهذه الآية في معناها قوله- تعالى-: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً .
وقوله- سبحانه-: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ. وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ .