الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 3 من سورة الأنفال
أما الصفتان الرابعة والخامسة من صفات هؤلاء المؤمنين فهما قوله- تعالى- الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.
والمراد بإقامة الصلاة: أداؤها في مواقيتها مستوفية لأركانها وشروطها وآدابها وخشوعها- من أقام الشيء إقامة إذا قومه وأزال عوجه لأن الشأن في صلاة المؤمنين أن تكون: إحساسا عميقا بالوقوف بين يدي الله، وانقطاعا تاما لمناجاته، وتمثلا حيا لجلاله وكبريائه، واستغراقا كاملا في دعائه.
والمراد بقوله: يُنْفِقُونَ يخرجون ويبذلون، من الإنفاق وهو إخراج المال وبذله وصرفه.
والجملة الكريمة في محل رفع صفة للموصول في الآية السابقة أو بدل منه أو بيان له.
والمعنى: أن من صفات هؤلاء المؤمنين أنهم يؤدون الصلاة في مواقيتها مستوفية لأركانها وشروطها وسننها وآدابها وخشوعها.. وأنهم يبذلون أموالهم للفقراء والمحتاجين بسماحة نفس، وسخاء يد، استجابة لتعاليم دينهم.
فأنت ترى أنه- سبحانه- قد وصف هؤلاء المؤمنين بخمس صفات: الأولى والثانية والثالثة منها ترجع إلى العبادات القلبية التي تدل على شدة خشيتهم من ربهم، وقوة تأثرهم بآيات خالقهم، واعتمادهم عليه- سبحانه- وحده لا على أحد سواه.
والصفة الرابعة ترجع إلى العبادات البدنية، وهي إقامة الصلاة بإخلاص وخشوع.
أما الصفة الخامسة فترجع إلى العبادات المالية، وهي إنفاق المال في سبيل الله ولا شك أن هذه الصفات متى تمكنت في النفس، كان صاحبها أهلا لمحبة الله ورضوانه،