الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 5 من سورة الفجر
والاستفهام في قوله- تعالى-: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ للتقرير والتعظيم لما أقسم به- سبحانه- من مخلوقات. واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى تلك الأشياء التي أقسم الله- تعالى- بها.
والمراد بالحجر العقل، وسمى بذلك لأنه يحجر صاحبه ويمنعه عن ارتكاب مالا ينبغي، كما سمى عقلا، لأنه يعقل صاحبه عن ارتكاب السيئات، كما يعقل العقال البعير عن الضلال.
والمعنى: هل في ذلك الذي أقسمنا به من الفجر، والليالى العشر، والشفع والوتر..
قسم، أى: مقسم به، حقيق أن تؤكد به الأخبار عند كل ذي عقل سليم؟.
مما لا شك فيه أن كل ذي عقل سليم، يعلم تمام العلم، أن ما أقسم الله به من هذه الأشياء حقيق أن يقسم به، لكونها- أى: هذه الأشياء- أمورا جليلة، خليقة بالإقسام بها لفخامة شأنها، كما أن كل ذي عقل سليم يعلم- أيضا- أن المقسم بهذا القسم، وهو الله- عز وجل- صادق فيما أقسم عليه.
فالمقصود من وراء القسم بهذه الأشياء، تحقيق المقسم عليه. بأسلوب فيه ما فيه من التأكيد والتشويق وتحقيق المقسم عليه.
وجواب القسم محذوف دل عليه قوله- تعالى- بعد ذلك: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إلى قوله: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ.
والتقدير: وحق هذه المخلوقات لتعذبن- أيها الكافرون- كما عذب الذين من قبلكم، مثل عاد وثمود وفرعون.
قال الجمل: فإن قلت: ما فائدة قوله- تعالى-: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ.
بعد أن أقسم- سبحانه- بالأشياء المذكورة؟ قلنا: هو لزيادة التأكيد والتحقيق للمقسم عليه، كمن ذكر حجة باهرة، ثم قال: أفيما ذكرته حجة؟.
وجواب القسم محذوف، أى: لتعذبن يا كفار مكة، وقيل هو مذكور وهو قوله: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ، وقيل محذوف لدلالة المعنى عليه، أى لنجازين كل أحد بعمله.. .