الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 10 من سورة الليل
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى أى: فسنهيئه للخصلة التي توصله إلى العسر والمشقة والشدة، بأن نجعله بسبب سوء اختياره، يؤثر الغي على الرشد، والباطل على الحق، والبخل على السخاء، فتكون عاقبته فرطا، ونهايته الخسران والبوار.
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يراها، وقد وصفت المؤمنين الصادقين بثلاث صفات هي جماع كل خير، وأساس جميع الفضائل: وصفهم بالسخاء، وبالخوف من الله- تعالى-، وبالتصديق بكل ما يجب التصديق به، ورتب على ذلك توفيقهم للخصلة الحسنى.. التي تنتهي بهم إلى الفوز والسعادة.
ووصف- أيضا- أهل الفسوق والفجور بثلاث صفات، هي أساس البلاء، ومنبع الفساد، ألا وهي: البخل، والغرور، والتكذيب بكل ما يجب الإيمان به.. ورتب- سبحانه- على ذلك تهيئتهم للخصلة العسرى، التي توصلهم إلى سوء المصير، وشديد العقاب..
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات، جملة من الأحاديث الشريفة، فقال ما ملخصه: قوله: وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى أى: بالجزاء في الدار الآخرة فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى أى: لطريق الشر، كما قال- تعالى-: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ والآيات في هذا المعنى كثيرة، ودالة على أن الله يجازى من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشر بالخذلان، وكل ذلك بقدر مقدر، والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة.
منها: ما أخرجه البخاري عن على بن أبى طالب- رضى الله عنه- قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة، فقال: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار» فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ فقال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ... إلى قوله: لِلْعُسْرى .