الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 1 من سورة الضحى
تفسير سورة والضحى
مقدمة وتمهيد
1- سورة «الضحى» من السور المكية الخالصة، بل هي من أوائل السور المكية، فقد كان نزولها بعد سورة «الفجر» وقبل سورة «الانشراح» ، وتعتبر بالنسبة لترتيب النزول السورة الحادية عشرة من بين السور المكية، أما ترتيبها في المصحف فهي السورة الثالثة والتسعون، وعدد آياتها إحدى عشرة آية.
2- والقارئ لها، يرى بوضوح أنها نزلت في فترة تأخر نزول الوحى فيها على النبي صلى الله عليه وسلم وأن المشركين قد أشاعوا الشائعات الكاذبة حول سبب تأخر الوحى، فنزلت هذه السورة الكريمة، لتخرس ألسنتهم. ولتبشر النبي صلى الله عليه وسلم برضا ربه- تعالى- عنه، ولتسوق جانبا من نعم خالقه عليه، ولترشده- بل وترشد أمته في شخصه- بالمداومة على مكارم الأخلاق، التي من مظاهرها: العطف على اليتيم، والإحسان إلى السائل، وعدم كتمان نعم الله- تعالى-.
قد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه السورة الكريمة روايات منها : ما أخرجه الإِمام البخارى ومسلم وغيرهما عن جندب بن سفيان قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين ، فأتت امرأة - وفى رواية أنها أم جميل امرأة أبى لهب - فقالت : يا محمد ، ما أرى شيطانك إلا قد تركك . فأنزل الله - تعالى - : ( والضحى . والليل إِذَا سجى . مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى ) .
وأخرج ابن أبى شيبة والطبرانى وابن مردويه ، من حديث خولة ، وكانت تخدم النبى صلى الله عليه وسلم " أن جروا دخل تحت سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات ، فمكث النبى صلى الله عليه وسلم أياما لا ينزل عليه الوحى ، فقال صلى الله عليه وسلم يا خولة ماذا حدث فى بيتى ، إن جبريل لا يأتينى ، قالت خوله : فقلت يا نبى الله ما أتى علينا يوم خير منّا اليوم . فأخذ برده فلبسه ، وخرج ، فقلت فى نفسى لو هيأت البيت وكنسته ، فأهويت بالمكنسة تحت السرير ، فإذا بشئ ثقيل ، لم أزل به حتى بدا لى الجرو ميتا ، فأخذته بيدى ، فألقيته خلف الدار ، فجاء صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته - وكان إذا نزل عليه الوحى أخذته الرعدة - فقال يا خولة دثرينى ، فأنزل الله - تعالى - هذه السورة . . "
وذكر بعضهم : إن جبريل - عليه السلام - أبطأ فى نزوله على النبى صلى الله عليه وسلم ، فقال المشركون : قد قلاه ربه وودعه . فأنزل الله - تعالى - هذه الآيات . .
والضحى : هو وقت ارتفاع الشمس بعد إشراقها ، وهو وقت النشاط والحركة ، والإِقبال على السعى والعمل . . ولذا خص بالقسم به ، وقيل : المراد بالضحى هنا : النهار كله ، بدليل أنه جعل فى مقابلة الليل كله .
والأول أولى : لأن الضحى يطلق على وقت انتشار ضياء الشمس حين ترتفع ، وتلقى بأشعتها على الكون ، ويبرز الناس لأعمالهم المتنوعة .