الوسيط للطنطاوي

تفسير الآية رقم 3 من سورة الضحى

وجواب القسم قوله- تعالى-: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى أى: ما تركك ربك- أيها الرسول الكريم- منذ أن اختارك لحمل رسالته، وما أبغضك ولا كرهك، بل أنت محل رضانا ومحبتنا ورعايتنا..
فقوله: وَدَّعَكَ من التوديع، وهو في الأصل الدعاء للمسافر، ببلوغ الدعة، وخفض العيش، ثم استعير للمفارقة بعد الاتصال، تشبيها بفراق المسافر في انقطاع الصلة، حيث شبه- سبحانه- انقطاع صلة الكلام بانقطاع صلة الإقامة.
والمقصود: نفى أن يكون الله- تعالى- قد قطع وحيه عن نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: قَلى من القلا- بكسر القاف- وهو شدة البغض، يقال: قلا فلان فلانا يقليه، إذا كرهه وأبغضه بشدة. ومنه قوله- تعالى-: إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ.
والمراد ما قطع الله- تعالى- عنك وحيه- أيها الرسول الكريم-، وما كرهك، وهذا رد بليغ على المشركين الذين زعم بعضهم أن الله- تعالى- قد ترك نبيه، وزعم آخرون أنه قد أبغضه، وحذف مفعول «قلا» للدلالة عليه في قوله- تعالى- ما وَدَّعَكَ، وهو إيجاز لفظي لظهور: المحذوف، ومثله قوله- تعالى- بعد ذلك: فَآوى، فَهَدى، فَأَغْنى..