6. سورة الأنعام [ مكية إلا الآيات 20 و 23 و 91 و 93 و 114 و 141 و 151
و 152 و 153 فمدنية وآياتها 165 نزلت بعد الحجر ]
1. (
الحمد ) وهو الوصف
بالجميل ثابت (
لله ) وهل المراد
الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما احتمالات أفيدها الثالث قاله الشيخ
في سورة الكهف (
الذي خلق السماوات والأرض )
خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين ( وجعل ) خلق ( الظلمات والنور ) أي كل ظلمة ونور وجمعها دونه لكثرة أسبابها وهذا من
دلائل وحدانيته ( ثم
الذين كفروا ) مع قيام
هذا الدليل ( بربهم
يعدلون ) يسوون غيره
في العبادة
2. ( هو
الذي خلقكم من طين )
بخلق أبيكم آدم منه ( ثم
قضى أجلا ) لكم تموتون
عند انتهائه ( وأجل مسمى
) مضروب ( عنده ) لبعثكم ( ثم أنتم ) أيها الكفار ( تمترون ) تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم ومن قدر
على الابتداء فهو على الإعادة أقدر
3. (
وهو الله ) مستحق
العبادة ( في
السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ) ما تسرون وما تجهرون به بينكم ( ويعلم ما تكسبون ) تعملون من خير وشر
4. (
وما تأتيهم ) أي أهل مكة
( من ) صلة ( آية من آيات ربهم ) من القرآن ( إلا كانوا عنها معرضين )
5. (
فقد كذبوا بالحق )
بالقرآن ( لما جاءهم
فسوف يأتيهم أنباء )
عواقب ( ما كانوا
به يستهزئون )
6. (
ألم يروا ) في أسفارهم
إلى الشام ( كم ) خبرية بمعنى كثيرا ( أهلكنا من قبلهم من قرن ) أمة من الأمم الماضية ( مكناهم ) أعطيناهم مكانا ( في الأرض ) بالقوة والسعة ( ما لم نمكن ) نعط ( لكم ) فيه
التفات عن الغيبة (
وأرسلنا السماء )
المطر ( عليهم
مدرارا ) متتابعا ( وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم ) تحت مساكنهم ( فأهلكناهم بذنوبهم ) بتكذيبهم الأنبياء ( وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين )
7. (
ولو نزلنا عليك كتابا )
مكتوبا ( في قرطاس ) رق كما اقترحوه ( فلمسوه بأيديهم ) أبلغ من عاينوه لأنه أنفى للشك ( لقال الذين كفروا إن ) ما ( هذا إلا سحر مبين ) تعنتا وعنادا
8. (
وقالوا لولا ) هلا ( أنزل عليه ) على محمد صلى الله عليه وسلم ( ملك )
يصدقه ( ولو
أنزلنا ملكا ) كما
اقترحوا فلم يؤمنوا (
لقضي الأمر ) بهلاكهم ( ثم لا ينظرون ) يمهلون لتوبة أو معذرة كعادة الله فيمن قبلهم من
إهلاكهم عند وجود مقترحهم إذا لم يؤمنوا
9. (
ولو جعلناه ) أي
المنزَّل إليهم (
ملكا لجعلناه ) أي الملك ( رجلا ) أي على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوة للبشر على
رؤية الملك لو أنزلناه وجعلناه رجلا ( وللبسنا ) شبهنا ( عليهم ما يلبسون ) على أنفسهم بأن يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم
10. (
ولقد استهزئ برسل من قبلك ) فيه
تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فحاق ) نزل ( بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك
11. ( قل
) لهم ( سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) الرسل من هلاكهم بالعذاب ليعتبروا
12. ( قل
لمن ما في السماوات والأرض قل لله ) إن لم يقولوه لا جواب غيره ( كتب على نفسه ) قضى على نفسه ( الرحمة ) فضلا منه وفيه تلطيف في دعائهم إلى الإيمان ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة ) ليجازيكم بأعمالكم ( لا ريب ) لا شك ( فيه الذين خسروا أنفسهم ) بتعريضها للعذاب مبتدأ خبره ( فهم لا يؤمنون )
13. (
وله ) تعالى ( ما سكن ) حلَّ ( في الليل والنهار ) أي كل شيء فهو ربه وخالقه ومالكه ( وهو السميع ) لما يقال ( العليم ) بما يفعل
14. ( قل
) لهم ( أغير الله أتخذ وليا ) أعبده ( فاطر السماوات والأرض ) مبدعهما ( وهو يُطْعِم ) يرزِق ( ولا يُطْعَم ) لايُرزَق ( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ) لله من هذه الأمة ( و ) قيل
لي ( لا تكونن
من المشركين ) به
15. ( قل
إني أخاف إن عصيت ربي )
بعبادة غيره ( عذاب يوم
عظيم ) هو يوم
القيامة
16. ( من
يصرف ) بالبناء
للمفعول أي العذاب وللفاعل أي الله والعائد محذوف ( عنه يومئذ فقد رحمه ) تعالى أي أراد له الخير ( وذلك الفوز المبين ) النجاة الظاهرة
17. (
وإن يمسسك الله بضر )
بلاء كمرض وفقر (
فلا كاشف ) رافع ( له إلا هو وإن يمسسك بخير ) كصحة وغنى ( فهو على كل شيء قدير ) ومنه مسك به ولا يقدر على رده عنك غيره
18. (
وهو القاهر ) القادر
الذي لا يعجزه شيء مستعليا (
فوق عباده وهو الحكيم ) في
خلقه ( الخبير ) ببواطنهم كظواهرهم
19. ونزل لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائتنا بمن
يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروك ( قل ) لهم
( أي شيء
أكبر شهادة ) تمييز محول
عن المبتدأ ( قل الله ) إن لم يقولوه لا جواب غيره هو ( شهيد بيني وبينكم ) على صدقي ( وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم ) أخوفكم يا أهل مكة ( به ومن بلغ ) عطف على ضمير أنذركم أي بلغه القرآن من الإنس والجن ( أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ) استفهام إنكار ( قل ) لهم
( لا أشهد ) بذلك ( قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون ) معه من الأصنام
20. (
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) أي
محمداً بنعته في كتابهم (
كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم ) منهم ( فهم لا يؤمنون ) به
21. (
ومن ) أي لا أحد
( أظلم ممن
افترى على الله كذبا )
بنسبة الشريك إليه ( أو
كذب بآياته ) القرآن ( إنه ) أي
الشأن ( لا يفلح
الظالمون ) بذلك
22. ( و ) اذكر ( يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا ) توبيخا ( أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) أنهم شركاء الله
23. ( ثم
لم تكن ) بالتاء
والياء ( فتنتهم ) بالنصب والرفع أي معذرتهم ( إلا أن قالوا ) أي قولهم ( والله ربنا ) بالجر نعت والنصب نداء ( ما كنا مشركين )
24. قال تعالى: ( انظر ) يا محمد ( كيف كذبوا على أنفسهم ) بنفي الشرك عنهم ( وضل ) غاب
( عنهم ما
كانوا يفترونـ ) ـه
على الله من شركاء
25. (
ومنهم من يستمع إليك ) إذا
قرأت ( وجعلنا
على قلوبهم أكنة )
أغطية لـ ( أن ) لا ( يفقهوه ) يفهموا القرآن ( وفي آذانهم وقراً ) صمماً فلا يسمعونه سماع قبول ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك
يقول الذين كفروا إن ) ما
( هذا ) القرآن ( إلا أساطير ) أكاذيب ( الأولين ) كالأضاحيك والأعاجيب جمع أسطورة بالضم
26. (
وهم ينهون ) الناس ( عنه ) عن
اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ( وينأون ) يتباعدون ( عنه ) فلا
يؤمنون به ، وقيل نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذاه ولا يؤمن به ( وإن ) ما
( يهلكون ) بالنأي عنه ( إلا أنفسهم ) لأن ضرره عليهم ( وما يشعرون ) بذلك
27. (
ولو ترى ) يا محمد ( إذ وُقِفوا ) عرضوا ( على النار فقالوا يا ) للتنبيه ( ليتنا نُرَد ) إلى الدنيا ( ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) برفع الفعلين استئنافا ونصبهما في جواب التمني ورفع
الأول ونصب الثاني وجواب لو رأيت أمرا عظيما
28. قال تعالى ( بل ) للإضراب
عن إرادة الإيمان المفهوم من التمني ( بدا ) ظهر
( لهم ما
كانوا يخفون من قبل )
يكتمون بقولهم { والله ربنا ما كنا مشركين بشهادة } جوارحهم فتمنوا ذلك ( ولو ردوا ) إلى الدنيا فرضا ( لعادوا لما نهوا عنه ) من الشرك ( وإنهم لكاذبون ) في وعدهم بالإيمان
29. (
وقالوا ) أي منكر
والبعث ( إن ) ما ( هي ) أي
الحياة ( إلا
حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين )
30. (
ولو ترى إذ وُقفوا )
عرضوا ( على ربهم ) لرأيت أمرا عظيما ( قال ) لهم
على لسان الملائكة توبيخا (
أليس هذا ) البعث
والحساب ( بالحق
قالوا بلى وربنا ) إنه
لحق ( قال
فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) به
في الدنيا
31. ( قد
خسر الذين كذبوا بلقاء الله )
بالبعث ( حتى ) غاية للتكذيب ( إذا جاءتهم الساعة ) القيامة ( بغتة ) فجأة ( قالوا يا حسرتنا ) هي شدة التألم ونداؤها مجاز أي هذا أوانك فاحضري ( على ما فرطنا ) قصرنا ( فيها ) أي الدنيا ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ) بأن تأتيهم عند البعث في أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا
فتركبهم ( ألا ساء ) بئس ( ما يزرون ) يحملونه حملهم ذلك
32. (
وما الحياة الدنيا ) أي
الاشتغال بها (
إلا لعب ولهو ) وأما
الطاعة وما يعين عليها فمن أمور الآخرة ( وللدار الآخرة ) وفي قراءة { ولدار الآخرة } أي الجنة ( خير للذين يتقون ) الشرك ( أفلا يعقلون ) بالياء والتاء ذلك فيؤمنوا
33. ( قد
) للتحقيق ( نعلم إنه ) أي الشأن ( ليحزنك الذي يقولون ) لك من التكذيب ( فإنهم لا يكذبونك ) في السر لعلمهم أنك صادق وفي قراءة بالتخفيف أي لا
ينسبونك إلى الكذب (
ولكن الظالمين )
وضعه موضع المضمر (
بآيات الله ) القرآن ( يجحدون ) يكذبون
34. (
ولقد كذبت رسل من قبلك ) فيه
تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ) بإهلاك قومهم فاصبر حتى يأتيك النصر بإهلاك قومك ( ولا مبدل لكلمات الله ) مواعيده ( ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) ما يسكن به قلبك
35. (
وإن كان كبر ) عظم ( عليك إعراضهم ) عن الإسلام لحرصك عليهم ( فإن استطعت أن تبتغي نفقا ) سربا ( في الأرض أو سلما ) مصعدا ( في السماء فتأتيهم بآية ) مما اقترحوا فافعل ، المعنى أنك لا تستطيع ذلك فاصبر
حتى يحكم الله (
ولو شاء الله ) هدايتهم ( لجمعهم على الهدى ) ولكن لم يشأ ذلك فلم يؤمنوا ( فلا تكونن من الجاهلين ) بذلك
36. (
إنما يستجيب ) دعاءك إلى
الإيمان ( الذين
يسمعون ) سماع تفهم
واعتبار ( والموتى ) أي الكفار شبههم بهم في عدم السماع ( يبعثهم الله ) في الآخرة ( ثم إليه يرجعون ) يردون فيجازيهم بأعمالهم
37. (
وقالوا ) أي كفار
مكة ( لولا ) هلا ( نزل عليه آية من ربه ) كالناقة والعصا والمائدة ( قل ) لهم
( إن الله
قادر على أن ينزِّل ) بالتشديد
والتخفيف ( آية ) مما اقترحوا ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم إن جحدوها
38. (
وما من ) زائدة ( دابة ) تمشي ( في الأرض ولا طائر يطير ) في الهواء ( بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) في تدبير خلقها ورزقها وأحوالهم ( ما فرطنا ) تركنا ( في الكتاب ) اللوح المحفوظ ( من )
زائدة ( شيء ) فلم نكتبه ( ثم إلى ربهم يحشرون ) فيقضي بينهم ويقتص للجماء من القرناء ثم يقول لهم
كونوا ترابا
39. (
والذين كذبوا بآياتنا )
القرآن ( صم ) عن سماعها سماع قبول ( وبكم ) عن النطق بالحق ( في الظلمات ) الكفر ( من يشأ الله ) إضلاله ( يضلله ومن يشأ ) هدايته ( يجعله على صراط ) طريق ( مستقيم ) دين الإسلام
40. ( قل
) يا محمد لأهل مكة ( أرأيتكم ) أخبروني ( إن أتاكم عذاب الله ) في الدنيا ( أو أتتكم الساعة ) القيامة المشتملة عليه بغتة ( أغير الله تدعون ) لا ( إن كنتم صادقين ) في أن الأصنام تنفعكم فادعوها
41. ( بل
إياه ) لا غيره ( تدعون ) في الشدائد ( فيكشف ما تدعون إليه ) أن يكشفه عنكم من الضر ونحوه ( إن شاء ) كشفه ( وتنسون ) تتركون ( ما تشركون ) معه من الأصنام فلا تدعونه
42. (
ولقد أرسلنا إلى أمم من )
زائدة ( قبلك ) رسلا فكذبوهم ( فأخذناهم بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يتضرعون ) يتذللون فيؤمنوا
43. (
فلولا ) فهلا ( إذ جاءهم بأسنا ) عذابنا ( تضرعوا ) أي لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضي له ( ولكن قست قلوبهم ) فلم تلن للإيمان ( وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) من المعاصي فأصروا عليها
44. (
فلما نسوا ) تركوا ( ما ذكروا ) وعظوا وخوفوا ( به ) من
البأساء والضراء فلم يتعظوا (
فتحنا ) بالتخفيف
والتشديد ( عليهم
أبواب كل شيء ) من النعم
استدراجا لهم (
حتى إذا فرحوا بما أوتوا ) فرح
بطر ( أخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( فإذا هم مبلسون ) آيسون من كل خير
45. (
فقطع دابر القوم الذين ظلموا ) أي
آخرهم بأن استؤصلوا (
والحمد لله رب العالمين ) على
نصر الرسل وإهلاك الكافرين
46. ( قل
) لأهل مكة ( أرأيتم ) أخبروني ( إن أخذ الله سمعكم ) أصمكم ( وأبصاركم ) أعمالكم ( وختم ) طبع ( على قلوبكم ) فلا تعرفون شيئا ( من إله غير الله يأتيكم به ) بما أخذه منكم بزعمكم ( انظر كيف نصرف ) نبين ( الآيات ) الدلالات على وحدانيتنا ( ثم هم يصدفون ) يعرضون عنها فلا يؤمنون
47. ( قل
) لهم ( أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة ) ليلا أو نهارا ( هل يهلك إلا القوم الظالمون ) الكافرون أي ما يهلك إلا هم
48. (
وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ) من
آمن بالجنة ( ومنذرين ) من كفر بالنار ( فمن آمن ) بهم ( وأصلح ) عمله ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
49. (
والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ) يخرجون عن الطاعة
50. ( قل
) لهم ( لا أقول لكم عندي خزائن الله ) التي منها يرزق ( ولا ) أني
( أعلم
الغيب ) ما غاب عني
ولم يوح إلي ( ولا أقول
لكم إني ملك ) من
الملائكة ( إن ) ما ( أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى ) الكافر ( والبصير ) المؤمن ؟ لا ( أفلا تتفكرون ) في ذلك فتؤمنون
51. (
وأنذر ) خوف ( به ) أي
القرآن ( الذين
يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ) أي غيره ( ولي )
ينصرهم ( ولا شفيع ) يشفع لهم وحملة النفي حال من ضمير يحشروا وهي محل
الخوف والمراد بهم المؤمنون العاصون ( لعلهم يتقون ) الله بإقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات
52. (
ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون ) بعبادتهم ( وجهه ) تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء وكان
المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه وأراد النبي صلى الله عليه وسلم
ذلك طمعا في إسلامهم ( ما
عليك من حسابهم من )
زائدة ( شيء ) إن كان باطنهم غير مرضي ( وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم ) جواب النفي ( فتكون من الظالمين ) إن فعلت
53. (
وكذلك فتنا ) ابتلينا ( بعضهم ببعض ) أي الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدمناه بالسبق
إلى الإيمان ( ليقولوا ) أي الشرفاء والأغنياء منكرين ( أهؤلاء ) الفقراء ( من الله عليهم من بيننا ) بالهداية أي لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه
قال تعالى: ( أليس الله
بأعلم بالشاكرين ) له
فيهديهم ، بلى
54. (
وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل ) لهم ( سلام عليكم كتب ) قضى ( ربكم على نفسه الرحمة أنه ) أي الشأن ، وفي قراءة بالفتح بدل من الرحمة ( من عمل منكم سوءاً بجهالة ) منه حيث ارتكبه ( ثم تاب ) رجع ( من بعده ) بعد عمله منه ( وأصلح ) عمله ( فإنه ) أي الله ( غفور ) له ( رحيم ) به وفي قراءة بالفتح أي فالمغفرة له
55. ( وكذلك
) كما بينا ما ذكر ( نفصل ) نبين ( الآيات ) القرآن ليظهر الحق فيعمل به ( ولتستبين ) تظهر ( سبيل ) طريق ( المجرمين ) فتُجتَنب ، وفي قراءة بالتحتانية وفي أخرى بالفوقانية
ونصب سبيل خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم
56. ( قل
إني نهيت أن أعبد الذين تدعون )
تعبدون ( من دون
الله قل لا أتبع أهواءكم ) في
عبادتها ( قد ضللت
إذا ) إن اتبعتها
( وما أنا
من المهتدين )
57. ( قل
إني على بينة ) بيان ( من ربي و ) قد ( كذبتم به ) بربي حيث أشركتم ( ما عندي ما تستعجلون به ) من العذاب ( إن ) ما
( الحكم ) في ذلك وغيره ( إلا لله يقضي ) القضاء ( الحق وهو خير الفاصلين ) الحاكمين ، وفي قراءة { يَقُصُّ } أي يقول
58. ( قل
) لهم ( لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ) بأن أعجله لكم وأستريح ولكنه عند الله ( والله أعلم بالظالمين ) متى يعاقبهم
59. (
وعنده ) تعالى ( مفاتح الغيب ) خزائنه أو الطرق الموصلة إلى علمه ( لا يعلمها إلا هو ) وهي الخمسة التي في قوله { إن الله عنده علم الساعة }
الآية كما رواه البخاري (
ويعلم ما ) يحدث ( في البر ) القفار ( والبحر ) القرى التي على الأنهار ( وما تسقط من ) زائدة ( ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا
يابس ) عطف على
ورقة ( إلا في
كتاب مبين ) هو اللوح
المحفوظ والاستئناف بدل اشتمال من الاستثناء قبله
60. (
وهو الذي يتوفاكم بالليل )
يقبض أرواحكم عند النوم (
ويعلم ما جرحتم )
كسبتم ( بالنهار
ثم يبعثكم فيه ) أي
النهار بردِّ أرواحكم (
ليقضى أجل مسمى ) هو
أجل الحياة ( ثم إليه
مرجعكم ) بالبعث ( ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ) فيجازيكم به
61. (
وهو القاهر ) مستعليا ( فوق عباده ويرسل عليكم حفظة ) ملائكة تحصي أعمالكم ( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته ) وفي قراءة { توفاه } ( رسلنا ) الملائكة الموكلون بقبض الأرواح ( وهم لا يفرِّطون ) يقصرون فيما يؤمرون به
62. ( ثم
ردوا ) أي الخلق ( إلى الله مولاهم ) مالكهم ( الحق ) الثابت العدل ليجازيهم ( ألا له الحكم ) القضاء النافذ فيهم ( وهو أسرع الحاسبين ) يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث
بذلك
63. ( قل
) يا محمد لأهل مكة ( من ينجِّيكم من ظلمات البر والبحر ) أهوالها في أسفاركم حين ( تدعونه تضرعا ) علانية ( وخفية ) سراً تقولون ( لئن ) لام
قسم ( أنجيتنا ) وفي قراءة { أنجانا } أي الله ( من هذه ) الظلمات والشدائد ( لنكونن من الشاكرين ) المؤمنين
64. ( قل
) لهم ( الله ينجيكم ) بالتخفيف والتشديد ( منها ومن كل كرب ) غم سواها ( ثم أنتم تشركون ) به
65. ( قل
هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ) من السماء كالحجارة والصيحة ( أو من تحت أرجلكم ) كالخسف ( أو يلبسكم ) يخلطكم ( شيعا ) فرقا مختلفة الأهواء ( ويذيق بعضكم بأس بعض ) بالقتال قال صلى الله عليه وسلم لما نزلت : « هذا أهون وأيسر » ولما نزل ما قبله : « أعوذ بوجهك » رواه البخاري وروى مسلم حديث « سألت ربي ألا يجعل بأس أمتي بينهم فمنعنيها » وفي حديث « لما نزلت قال أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد » (
انظر كيف نصرف )
نبين لهم ( الآيات ) الدالات على قدرتنا ( لعلهم يفقهون ) يعلمون أن ما هم عليه باطل
66. (
وكذب به ) بالقرآن ( قومك وهو الحق ) الصدق ( قل ) لهم
( لست عليكم
بوكيل ) فأجازيكم
إنما أنا منذر وأمركم إلى الله وهذا قبل الأمر بالقتال
67. ( لكل
نبأ ) خبر ( مستقر ) وقت يقع فيه ويستقر ومنه عذابكم ( وسوف تعلمون ) تهديد لهم
68. (
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ) القرآن بالاستهزاء ( فأعرض عنهم ) ولا تجالسهم ( حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( ينْسينك ) بسكون النون والتخفيف وفتحها والتشديد ( الشيطان ) فقعدت معهم ( فلا تقعد بعد الذكرى ) أي تذكرة ( مع القوم الظالمين ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر
69. وقال المسلمون إن قمنا كلما خاضوا لم نستطع أن نجلس في
المسجد وأن نطوف فنزل : (
وما على الذين يتقون )
الله ( من حسابهم
) أي الخائضين ( من )
زائدة ( شيء ) إذا جالسوهم ( ولكن ) عليهم ( ذكرى ) تذكرة لهم وموعظة ( لعلهم يتقون ) الخوض
70. (
وذر ) اترك ( الذين اتخذوا دينهم ) الذي كلفوه ( لعبا ولهوا ) باستهزائهم به ( وغرتهم الحياة الدنيا ) فلا تتعرض لهم وهذا قبل الأمر بالقتال ( وذكر ) عظ ( به )
بالقرآن الناس ( أن
) لا ( تبسل نفس ) تسلم إلى الهلاك ( بما كسبت ) عملت ( ليس لها من دون الله ) أي غيره ( ولي )
ناصر ( ولا شفيع ) يمنع عنها العذاب ( وإن تعدل كل عدل ) تفد كل فداء ( لا يؤخذ منها ) ما تفدى به ( أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم ) ماء بالغ نهاية الحرارة ( وعذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكفرون ) بكفرهم
71. ( قل
أندعو ) أنعبد ( من دون الله ما لا ينفعنا ) بعبادته ( ولا يضرنا ) بتركها وهو الأصنام ( ونرد على أعقابنا ) نرجع مشركين ( بعد إذ هدانا الله ) إلى الإسلام ( كالذي استهوته ) أضلته ( الشياطين في الأرض حيران ) متحيرا لا يدري أين يذهب حال من الهاء ( له أصحاب ) رفقة ( يدعونه إلى الهدى ) أي ليهدوه الطريق يقولون له ( ائتنا ) فلا يجيبهم فيهلك والاستفهام للإنكار وجملة التشبيه
حال من ضمير نرد ( قل
إن هدى الله ) الذي هو
الإسلام ( هو الهدى ) وما عداه ضلال ( وأمرنا لنسلم ) أي بأن نسلم ( لرب العالمين )
72. (
وأن ) أي بأن ( أقيموا الصلاة واتقوه ) تعالى ( وهو الذي إليه تحشرون ) تجمعون يوم القيامة للحساب
73. (
وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ) أي محقا ( و )
اذكر ( يوم يقول ) للشيء ( كن فيكون ) هو يوم القيامة يقول للخلق قوموا فيقوموا ( قوله الحق ) الصدق الواقع لا محالة ( وله الملك يوم ينفخ في الصور ) القرن النفخة الثانية من إسرافيل لا ملك فيه لغيره {
لمن الملك اليوم لله } (
عالم الغيب والشهادة ) ما
غاب وما شوهد (
وهو الحكيم ) في خلقه ( الخبير ) بباطن الأشياء كظاهرها
74. واذكر ( وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ) هو لقبه واسمه تارخ ( أتتخذ أصناما آلهة ) تعبدها استفهام توبيخ ( إني أراك وقومك ) باتخاذها ( في ضلال ) عن الحق ( مبين ) بين
75. (
وكذلك ) كما أريناه
إضلال أبيه وقومه (
نري إبراهيم ملكوت ) ملك
( السماوات
والأرض ) ليستدل به
على وحدانيتنا (
وليكون من الموقنين ) بها
وجملة وكذلك وما بعدها اعتراض وعطف على قال
76. (
فلما جن ) أظلم ( عليه الليل رأى كوكبا ) قيل هو الزُّهَرة ( قال )
لقومه وكانوا نجَّامين (
هذا ربي ) في زعمكم ( فلما أفل ) غاب ( قال لا أحب الآفلين ) أن أتخذهم أربابا لأن الرب لا يجوز عليه التغير
والانتقال لأنهما من شأن الحوادث فلم ينجع فيهم ذلك
77. (
فلما رأى القمر بازغا )
طالعا ( قال ) لهم ( هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي ) يثبتني على الهدى ( لأكونن من القوم الضالين ) تعريض لقومه بأنهم على ضلال فلم ينجع فيهم ذلك
78. (
فلما رأى الشمس بازغة قال هذا )
ذكره لتذكيره خبره (
ربي هذا أكبر ) من الكوكب
والقمر ( فلما أفلت
) وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا ( قال يا قوم إني بريء مما تشركون ) بالله من الأصنام والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث
فقالوا له ما تعبد ؟
79. قال ( إني وجهت وجهي ) قصدت بعبادتي ( للذي فطر ) خلق ( السماوات والأرض ) أي الله ( حنيفا ) مائلا إلى الدين القيم ( وما أنا من المشركين ) به
80. (
وحاجَّه قومه ) جادلوه في دينه
وهددوه بالأصنام أن تصيبه بسوء إن تركها ( قال أتحاجُّونِّي ) بتشديد النون وتخفيفها بحذف إحدى النونين وهي نون
الرفع عند النجاة ونون الوقاية عند القراء أتجادلونني ( في )
وحدانية ( الله وقد
هدان ) تعالى
إليها ( ولا أخاف
ما تشركونـ ) ـه ( به ) من
الأصنام أن تصيبني بسوء لعدم قدرتها على شيء ( إلا ) لكن
( أن يشاء
ربي شيئا ) من المكروه
يصيبني فيكون (
وسع ربي كل شيء علما ) أي
وسع علمه كل شيء (
أفلا تتذكرون ) هذا
فتؤمنوا
81. (
وكيف أخاف ما أشركتم )
بالله وهي لا تضر ولا تنفع (
ولا تخافون ) أنتم من
الله ( أنكم أشركتم
بالله ) في العبادة
( ما لم
ينزل به ) بعبادته ( عليكم سلطانا ) حجة وبرهانا وهو القادر على كل شيء ( فأي الفريقين أحق بالأمن ) أنحن أم أنتم ( إن كنتم تعلمون ) من الأحق به أي وهو نحن فاتبعوه
82. قال تعالى: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا ) يخلطوا ( إيمانهم بظلم ) أي شرك كما فسر بذلك في حديث الصحيحين ( أولئك لهم الأمن ) من العذاب ( وهم مهتدون )
83. (
وتلك ) مبتدأ
ويبدل منه ( حجتنا ) التي احتج بها إبراهيم على وحدانية الله من أُفول
الكوكب وما بعده والخبر (
آتيناها إبراهيم )
أرشدناه لها حجة (
على قومه نرفع درجات من نشاء )
بالإضافة والتنوين في العلم والحكمة ( إن ربك حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
84. (
ووهبنا له إسحاق ويعقوب )
ابنيه ( كلا ) منهما ( هدينا ونوحا هدينا من قبل ) أي قبل إبراهيم ( ومن ذريته ) أي نوح ( داود وسليمان ) ابنه ( وأيوب ويوسف ) بن يعقوب ( وموسى وهارون وكذلك ) كما جزيناهم ( نجزي المحسنين )
85. (
وزكريا ويحيى ) ابنه ( وعيسى ) ابن مريم يفيد أن الذرية تتناول أولاد البنت ( وإلياس ) ابن هارون أخي موسى ( كل )
منهم ( من
الصالحين )
86. (
وإسماعيل ) بن إبراهيم
( واليسع ) اللام زائدة ( ويونس ولوطا ) بن هاران أخي إبراهيم ( وكلا ) منهم ( فضلنا على العالمين ) بالنبوة
87. (
ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ) عطف
على كلاً أو نوحاً ومن للتبغيض لأن بعضهم لم يكن له ولد وبعضهم كان في ولده كافر ( واجتبيناهم ) اخترناهم ( وهديناهم إلى صراط مستقيم )
88. (
ذلك ) الدين الذي
هدوا إليه ( هدى الله
يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا ) فرضاً ( لحبط عنهم ما كانوا يعملون )
89. (
أولئك الذين آتيناهم الكتاب )
بمعنى الكتب ( والحكم ) الحكمة ( والنبوة فإن يكفر بها ) أي بهذه الثلاثة ( هؤلاء ) أي أهل مكة ( فقد وكلنا بها ) أرصدنا لها ( قوما ليسوا بها بكافرين ) هم المهاجرون والأنصار
90. (
أولئك الذين هدى ) هم
( الله
فبهداهم ) طريقهم من
التوحيد والصبر (
اقتده ) بهاء السكت
ووصلاً وفي قراءة بحذفها وصلا ( قل
) لأهل مكة ( لا أسألكم عليه ) أي القرآن ( أجرا ) تعطونيه ( إن هو ) ما القرآن ( إلا ذكرى ) عظة ( للعالمين ) الإنس والجن
91. (
وما قدروا ) أي اليهود
( الله حق
قدره ) أي ما
عظموه حق عظمته أو ما عرفوه حق معرفته ( إذ قالوا ) للنبي صلى الله عليه وسلم وقد خاصموه في القرآن ( ما أنزل الله على بشر من شيء قل ) لهم ( من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس
يجعلونه ) بالياء
والتاء في المواضع الثلاثة (
قراطيس ) أي يكتبونه
في دفاتر مقطعة (
يبدونها ) أي ما
يحبون إبداءه منها (
ويخفون كثيرا ) مما فيها
كنعت محمد صلى الله عليه وسلم (
وعلمتم ) أيها
اليهود في القرآن ( ما
لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ) من
التوراة ببيان ما التبس عليكم واختلفتم فيه ( قل الله ) أنزله إن لم يقولوه لا جواب غيره ( ثم ذرهم في خوضهم ) باطلهم ( يلعبون )
92. (
وهذا ) القرآن ( كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ) قبله من الكتب ( ولتنذر ) بالتاء والياء عطف على معنى ما قبله أي أنزلناه
للبركة والتصديق ولتنذر به ( أم
القرى ومن حولها ) أي
أهل مكة وسائر الناس (
والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون ) خوفا من عقابها
93. (
ومن ) أي لا أحد
( أظلم ممن
افترى على الله كذبا )
بادعاء النبوة ولم ينبأ ( أو
قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء )
نزلت في مسيلمة (
ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) وهم
المستهزئون قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا ( ولو ترى ) يا محمد ( إذ الظالمون ) المذكورون ( في غمرات ) سكرات ( الموت والملائكة باسطوا أيديهم ) إليهم بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفا ( أخرجوا أنفسكم ) إلينا لنقبضها ( اليوم تجزون عذاب الهون ) الهوان ( بما كنتم تقولون على الله غير الحق ) بدعوى النبوة والإيحاء كذبا ( وكنتم عن آياته تستكبرون ) تتكبرون عن الإيمان بها وجواب لو رأيت أمرا فظيعا
94. ويقال لهم إذا بعثوا ( ولقد جئتمونا فرادى ) منفردين عن الأهل والمال والولد ( كما خلقناكم أول مرة ) أي حفاةً عراةً غُرْلاً ( وتركتم ما خولناكم ) أعطيناكم من الأموال ( وراء ظهوركم ) في الدنيا بغير اختياركم ويقال لهم توبيخاً ( وما نرى معكم شفعاءكم ) الأصنام ( الذين زعمتم أنهم فيكم ) أي في استحقاق عبادتكم ( شركاء ) لله ( لقد تقطع بينكم ) وصلكم ، أي تشتت جمعكم وفي قراءة بالنصب ظرف أي وصلكم
بينكم ( وضل ) ذهب ( عنكم ما كنتم تزعمون ) في الدنيا في شفاعتها
95. ( إن
الله فالق ) شاق ( الحب ) عن النبات ( والنوى ) عن البخل ( يخرج الحي من الميت ) كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة ( ومخرج الميت ) النطفة والبيضة ( من الحي ذلكم ) الفالق المخرج ( الله فأنى تؤفكون ) فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان
96. (
فالق الإصباح ) مصدر بمعنى
الصبح أي شاق عمود الصبح وهو أول ما يبدو من نور النهار عن ظلمة الليل ( وجعل الليل سكنا ) تسكن فيه الخلق من التعب ( والشمس والقمر ) بالنصب عطفا من محل الليل ( حسبانا ) حسابا للأوقات أو الباء محذوفة وهو حال من مقدر أي
يجريان بحسبان كما في آية الرحمن ( ذلك )
المذكور ( تقدير
العزيز ) في ملكه ( العليم ) بخلقه
97. (
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) في الأسفار ( قد فصلنا ) بينا ( الآيات ) الدلالات على قدرتنا ( لقوم يعلمون ) يتدبرون
98. (
وهو الذي أنشأكم )
خلقكم ( من نفس
واحدة ) هي آدم ( فمستقِرٌّ ) منكم في الرحم ( ومستودع ) منكم في الصلب ، وفي قراءة بفتح القاف أي مكان قرار
لكم ( قد فصلنا
الآيات لقوم يفقهون ) ما
يقال لهم
99. (
وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا ) فيه التفات عن الغيبة ( به )
بالماء ( نبات كل
شيء ) ينبت ( فأخرجنا منه ) أي النبات شيئا ( خَضِرا ) بمعنى أخضر ( نخرج منه ) من الخضر ( حبا متراكبا ) يركب بعضه بعضا كسنابل الحنطة ونحوها ( ومن النخل ) خبر ويبدل منه ( من طلعها ) أول ما يخرج منها والمبتدأ ( قنوان ) عراجين ( دانية ) قريب بعضها من بعض ( و )
أخرجنا به ( جنات ) بساتين ( من أعناب والزيتون والرمان مشتبها ) ورقهما حال ( وغير متشابه ) ثمرها ( انظروا ) يا مخاطبون نظر اعتبار ( إلى ثمره ) بفتح الثاء والميم وبضمهما وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر
وخشبة وخشب ( إذا أثمر ) أول ما يبدو كيف هو ( و ) إلى
( ينعه ) نضجه إذا أدرك كيف يعود ( إن في ذلكم لآيات ) دلالات على قدرته تعالى على البعث وغيره ( لقوم يؤمنون ) خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف
الكافرين
100. (
وجعلوا لله ) مفعول ثان
( شركاء ) مفعول أول ويبدل منه ( الجن ) حيث أطاعوهم في عبادة الأوثان ( و ) قد
( خلقهم ) فكيف يكونون شركاء ( وخرقوا ) بالتخفيف والتشديد أي اختلفوا ( له بنين وبنات بغير علم ) حيث قالوا عزير ابن الله والملائكة بنات الله ( سبحانه ) تنزيها له ( وتعالى عما يصفون ) بأن له ولدا
101. هو (
بديع السماوات والأرض )
مبدعهما من غير مثال سبق (
أنى ) كيف ( يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) زوجة ( وخلق كل شيء ) من شأنه أن يخلق ( وهو بكل شيء عليم )
102. (
ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه ) وحدوه ( وهو على كل شيء وكيل ) حفيظ
103. ( لا
تدركه الأبصار ) أي
لا تراه وهذا مخصوص لرؤية المؤمنين له في الآخرة لقوله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة
إلى ربها ناظرة } وحديث الشيخين «
إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر » وقيل المراد لا تحيط به ( وهو يدرك الأبصار ) أي يراها ولا تراه ولا يجوز في غيره أن يدرك البصر
ولا يدركه أو يحيط به علما (
وهو اللطيف ) بأوليائه ( الخبير ) بهم
104. قل يا محمد لهم: ( قد جاءكم بصائر ) حجج ( من ربكم فمن أبصر ) ها فآمن ( فلنفسه ) أبصر لأن ثواب إبصاره له ( ومن عمي ) عنها فضل ( فعليها ) وبال إضلاله ( وما أنا عليكم بحفيظ ) رقيب لأعمالكم إنما أنا نذير
105. (
وكذلك ) كما بينا
ما ذكر ( نصرف ) نبين ( الآيات ) ليعتبروا ( وليقولوا ) أي الكفار في عاقبة الأمر ( دارست ) ذاكرت أهل الكتاب وفي قراءة { درست } أي كتب الماضين
وجئت بهذا منها (
ولنبينه لقوم يعلمون )
106. (
اتبع ما أوحي إليك من ربك ) أي
القرآن ( لا إله
إلا هو وأعرض عن المشركين )
107. (
ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا ) فتجازيهم بأعمالهم ( وما أنت عليهم بوكيل ) فتجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالقتال
108. (
ولا تسبوا الذين يدعونـ ) ـهم
( من دون
الله ) أي الأصنام
( فيسبوا
الله عدوا ) اعتداء
وظلما ( بغير علم ) أي جهلا منهم بالله ( كذلك ) كما زينا لهؤلاء ما هم عليه ( زينا لكل أمة عملهم ) من الخير والشر فأتوه ( ثم إلى ربهم مرجعهم ) في الآخرة ( فينبئهم بما كانوا يعملون ) فيجازيهم به
109. (
وأقسموا ) أي كفار
مكة ( بالله جهد
أيمانهم ) أي غاية
اجتهادهم فيها (
لئن جاءتهم آية ) مما
اقترحوا ( ليؤمنن
بها قل ) لهم ( إنما الآيات عند الله ) ينزلها كما يشاء وإنما أنا نذير ( وما يشعركم ) يدريكم بأيمانهم إذا جاءت أي أنتم لا تدرون ذلك ( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) لما سبق في علمي ، وفي قراءة بالتاء خطابا للكفار وفي
أخرى بفتح أنَّ بمعنى لعل أو معمولة لما قبلها
110. (
ونقلب أفئدتهم )
نحول قلوبهم عن الحق فلا يفهمونه ( وأبصارهم ) عنه فلا يبصرونه ولا يؤمنون ( كما لم يؤمنوا به ) أي بما أنزل من الآيات ( أول مرة ونذرهم ) نتركهم ( في طغيانهم ) ضلالهم ( يعمهون ) يترددون متحيرين
111. (
ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى ) كما اقترحوا ( وحشرنا ) جمعنا ( عليهم كل شيء قُبُلا ) بضمتين جمع قبيل أي فوجاً فوجاً وبكسر القاف وفتح
الباء أي معاينة فشهدوا بصدقك ( ما
كانوا ليؤمنوا ) لما
سبق علم الله (
إلا ) لكم ( أن يشاء الله ) إيمانهم فيؤمنوا ( ولكن أكثرهم يجهلون ) ذلك
112. (
وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً ) كما
جعلنا هؤلاء أعداءك ويبدل منه (
شياطين ) مردة ( الإنس والجن يوحي ) يوسوس ( بعضهم إلى بعض زخرف القول ) مموهه من الباطل ( غرورا ) أي ليغروهم ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) أي الإيحاء المذكور ( فذرهم ) دع الكفار ( وما يفترون ) من الكفر غيره مما زين لهم وهذا ما قبل الأمر بالقتال
113. (
ولتصغى ) عطف على
غرورا أي تميل (
إليه ) أي الزخرف
( أفئدة ) قلوب ( الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ) يكتسبوا ( ما هم مقترفون ) من الذنوب فيعاقبوا عليه
114. ونزل لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل
بينه وبينهم حكماً ، قل (
أفغير الله أبتغي )
أطلب ( حكما ) قاضيا بيني وبينكم ( وهو الذي أنزل إليكم الكتاب ) القرآن ( مفصلا ) مبينا فيه الحق من الباطل ( والذين آتيناهم الكتاب ) التوراة كعبد الله بن سلام وأصحابه ( يعلمون أنه منزل ) بالتخفيف والتشديد ( من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين ) الشاكين فيه والمراد بذلك التقرير للكفار أنه حق
115. (
وتمت كلمة ربك )
بالأحكام والمواعيد (
صدقا وعدلا ) تمييز ( لا مبدل لكلماته ) بنقص أو خلف ( وهو السميع ) لما يقال ( العليم ) بما يفعل
116. (
وإن تطع أكثر من في الأرض ) أي
الكفار ( يضلوك عن
سبيل الله ) دينه ( إن ) ما
( يتبعون
إلا الظن ) في
مجادلتهم لك في أمر الميتة إذ قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم ( وإن ) ما
( هم إلا
يخرصون ) يكذبون في
ذلك
117. ( إن
ربك هو أعلم ) أي عالم ( من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) فيجازي كلا منهم
118. (
فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) أي
ذبح على اسمه ( إن
كنتم بآياته مؤمنين )
119. (
وما لكم أ ) ن ( لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) من الذبائح ( وقد فُصِّل ) بالبناء للمفعول وللفاعل في الفعلين ( لكم ما حرم عليكم ) في آية { حرمت عليكم الميتة } ( إلا ما اضطررتم إليه ) منه فهو أيضا حلال لكم المعنى لا مانع لكم من أكل ما
ذكر وقد بين لكم المحرم أكله وهذا ليس منه ( وإن كثيرا ليَضلون ) بفتح الياء وضمها ( بأهوائهم ) بما تهواه أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها ( بغير علم ) يعتمدونه في ذلك ( إن ربك هو أعلم بالمعتدين ) المتجاوزين الحلال إلى الحرام
120. (
وذروا ) اتركوا ( ظاهر الإثم وباطنه ) علانيته وسره والإثم قيل الزنا ، وقيل كل معصية ( إن الذين يكسبون الإثم سيجزون ) في الآخرة ( بما كانوا يقترفون ) يكتسبون
121. (
ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) بأن مات أو ذبح على اسم غيره وإلا فما ذبحه المسلم
ولم يسم فيه عمداً أو نسيانا فهو حلال قاله ابن عباس وعليه الشافعي ( وإنه ) أي الأكل منه ( لفسق ) خروج عما يحل ( وإن الشياطين ليوحون ) يوسوسون ( إلى أوليائهم ) الكفار ( ليجادلوكم ) في تحليل الميتة ( وإن أطعتموهم ) فيه ( إنكم لمشركون )
122. ونزل في أبي جهل وغيره ( أو من كان ميتا ) بالكفر ( فأحييناه ) بالهدى ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ) يتبصر به الحق من غيره وهو الإيمان ( كمن مثله ) مثل زائدة أي كمن هو ( في الظلمات ليس بخارج منها ) وهو الكافر ؟ لا ( كذلك ) كما زين للمؤمنين الإيمان ( زين للكافرين ما كانوا يعملون ) من الكفر والمعاصي
123. (
وكذلك ) كما جعلنا
فساق مكة أكابرها (
جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ) بالصد عن الإيمان ( وما يمكرون إلا بأنفسهم ) لأن وباله عليهم ( وما يشعرون ) بذلك
124. ( وإذا
جاءتهم ) أي أهل مكة
( آية ) على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ( قالوا لن نؤمن ) به ( حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ) من الرسالة والوحي إلينا لأنا أكثر مالا وأكبر سنا
قال تعالى ( الله أعلم
حيث يجعل رسالاته )
بالجمع والإفراد ، وحيث مفعول به لفعل دل عليه أعلم أي يعلم الموضع الصالح لوضعها
فيه فيضعها وهؤلاء ليسوا أهلا لها ( سيصيب الذين أجرموا ) بقولهم ذلك ( صغار ) ذل ( عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ) أي بسبب مكرهم
125. (
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له ويقبله كما ورد في
حديث ( ومن يرد ) الله ( أن يضله يجعل صدره ضيْقا ) بالتخفيف والتشديد عن قبوله ( حرِجا ) شديد الضيق بكسر الراء صفة وفتحها مصدر وصف فيه
مبالغة ( كأنما
يصَّعد ) وفي قراءة
{ يصَّاعد } وفيهما إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي أخرى بسكونها ( في السماء ) إذا كلف الإيمان لشدته عليه ( كذلك ) الجعل ( يجعل الله الرجس ) العذاب أو الشيطان أي يسلطه ( على الذين لا يؤمنون )
126. (
وهذا ) الذي أنت
عليه يا محمد (
صراط ) مستقيم ( ربك مستقيماً ) لا عوج فيه ونصبه على الحال المؤكد للجملة والعامل
فيها معنى الإشارة ( قد
فصلنا ) بينا ( الآيات لقوم يذَّكَّرون ) فيه إدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظون وخصوا
بالذكر لأنهم المنتفعون
127. (
لهم دار السلام ) أي
السلامة وهي الجنة (
عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون )
128. ( و ) اذكر ( يوم يحشرهم ) بالنون والياء أي الله الخلق ( جميعا ) ويقال لهم ( يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ) باغوائكم ( وقال أولياؤهم ) الذين أطاعوهم ( من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض ) انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات والجن بطاعة
الإنس لهم ( وبلغنا
أجلنا الذي أجلت لنا ) وهو
يوم القيامة وهذا تحسر منهم (
قال ) تعالى لهم
على لسان الملائكة (
النار مثواكم ) مأواكم ( خالدين فيها إلا ما شاء الله ) من الأوقات التي يخرجون فيها لشرب الحميم فإنه خارجها
كما قال تعالى { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } وعن ابن عباس أنه فيمن علم الله أنهم
يؤمنون فما بمعنى من ( إن
ربك حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
129. (
وكذلك ) لما متعنا
عصاة الإنس والجن بعضهم ببعض (
نولي ) من الولاية
( بعض
الظالمين بعضاً ) أي
على بعض ( بما كانوا
يكسبون ) من المعاصي
130. ( يا
معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) أي من مجموعكم أي بعضكم الصادق بالإنس أو رسل الجن
نذرهم الذين يستمعون كلام الرسل فيبلغون قومهم ( يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا
شهدنا على أنفسنا ) أن
قد بلغنا قال تعالى (
وغرتهم الحياة الدنيا ) فلم
يؤمنوا ( وشهدوا
على أنفسهم أنهم كانوا كافرين )
131. (
ذلك ) أي إرسال
الرسل ( أن ) اللام مقدرة وهي مخففة أي لأنه ( لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) منها ( وأهلها غافلون ) ألم يرسل إليهم رسول يبين لهم
132. (
ولكل ) من
العاملين ( درجات ) جزاء ( مما عملوا ) من خير وشر ( وما ربك بغافل عما يعملون ) بالياء والتاء
133. (
وربك الغني ) عن خلقه وعبادتهم
( ذو الرحمة
إن يشأ يذهبكم ) يا
أهل مكة بالإهلاك (
ويستخلف من بعدكم ما يشاء ) من
الخلق ( كما
أنشأكم من ذرية قوم آخرين )
أذهبهم ولكنه أبقاكم رحمة لكم
134. ( إن
ما توعدون ) من الساعة
والعذاب ( لآت ) لا محالة ( وما أنتم بمعجزين ) فائتين عذابنا
135. ( قل
) لهم ( يا قوم اعملوا على مكانتكم ) حالتكم ( إني عامل ) على حالتي ( فسوف تعلمون من ) موصولة مفعول العلم ( تكون له عاقبة الدار ) أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أنحن أم أنتم ( إنه لا يفلح ) يسعد ( الظالمون ) الكافرون
136. (
وجعلوا ) أي كفار
مكة ( لله مما
ذرأ ) خلق ( من الحرث ) الزرع ( والأنعام نصيبا ) يصرفونه إلى الضيفان والمساكين ولشركائهم نصيبا
يصرفونه إلى سدنتها (
فقالوا هذا لله بزعمهم )
بالفتح والضم (
وهذا لشركائنا )
فكانوا إذا سقط في نصيب الله شيء من نصيبها التقطوه أو في نصيبها شيء من نصيبه
تركوه وقالوا إن الله غني عن هذا كما قال تعالى ( فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ) أي لجهته ( وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ) بئس ( ما يحكمون ) حكمهم هذا
137. (
وكذلك ) كما زين
لهم ما ذكر ( زَيَّنَ
لكثير من المشركين قتلَ أولادِهم ) بالوأد ( شركاؤُهم ) من الجن بالرفع ، فاعل زيَّنَ وفي قراءة ببناءه
للمفعول ورفع قتل ونصب الأولاد به وجر شركائهم باضافته وفيه الفصل بين المضاف
والمضاف إليه بالمفعول ولا يضر وإضافة القتل إلى الشركاء لأمرهم به ( ليردوهم ) يهلكوهم ( وليلبسوا ) يخلطوا ( عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون )
138. (
وقالوا هذه أنعام وحرث حجر )
حرام ( لا يطعمها
إلا من نشاء ) من خدمة
الأوثان وغيرهم (
بزعمهم ) أي لا حجة
لهم فيه ( وأنعام
حرمت ظهورها ) فلا تركب
كالسوائب والحوامي (
وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ) عند ذبحها بل يذكرون اسم أصنامهم ونسبوا ذلك إلى الله
( افتراء
عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون )
عليه
139. (
وقالوا ما في بطون هذه الأنعام )
المحرمة وهي السوائب والبحائر (
خالصة ) حلال ( لذكورنا ومحرم على أزواجنا ) أي النساء ( وإن يكن ميتة ) بالرفع والنصب مع تأنيث الفعل وتذكيره ( فهم فيه شركاء سيجزيهم ) الله ( وصفهم ) ذلك بالتحليل والتحريم أي جزاءه ( إنه حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
140. ( قد
خسر الذين قتلوا )
بالتخفيف والتشديد (
أولادهم ) بالوأد ( سفها ) جهلا ( بغير علم وحرموا ما رزقهم الله ) مما ذكر ( افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين )
141. (
وهو الذي أنشأ ) خلق
( جنات ) بساتين ( معروشات ) مبسوطات على الأرض كالبطيخ ( وغير معروشات ) بأن ارتفعت على ساق كالنخل ( و )
أنشأ ( النخل
والزرع مختلفا أكله )
ثمره وحبه في الهيئة والطعم (
والزيتون والرمان متشابهاً )
ورقُهُما ، حال (
وغير متشابه ) طعمهما ( كلوا من ثمره إذا أثمر ) قبل النضج ( وآتوا حقه ) زكاته ( يوم حصاده ) بالفتح والكسر من العشر أو نصفه ( ولا تسرفوا ) بإعطاء كله فلا يبقى لعيالكم شيء ( إنه لا يحب المسرفين ) المتجاوزين ما حد لهم
142. ( و ) أنشأ ( من الأنعام حمولة ) صالحة للحمل عليها كالإبل الكبار ( وفَرْشا ) لا تصلح له كالإبل الصغار والغنم سميت فرشا لأنها
كالفرش للأرض لدنوها منها (
كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) طرائقه من التحريم والتحليل ( إنه لكم عدو مبين ) بين العداوة
143. (
ثمانية أزواج ) أصناف بدل
من حمولة وفرشا ( من
الضأن ) زوجين ( اثنين ) ذكر وأنثى ( ومن المعز ) بالفتح والسكون ( اثنين قل ) يا محمد لمن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى ونسب
ذلك إلى الله (
آلذكرين ) من الضأن
والمعز ( حرم ) الله عليكم ( أم الأنثيين ) منهما ( أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ) ذكراً كان أو أنثى ( نبئوني بعلم ) عن كيفية تحريم ذلك ( إن كنتم صادقين ) فيه ، المعنى من أين جاء التحريم فإن كان من قبل
الذكورة فجميع الذكور حرام أو الأنوثة فجميع الإناث أو اشتمال الرحم فالزوجان فمن
أين التخصيص؟ والاستفهام للإنكار
144. (
ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه
أرحام الأنثيين أم ) بل
( كنتم
شهداء ) حضوراً ( إذ وصاكم الله بهذا ) التحريم فاعتمدتم ذلك لا بل أنتم كاذبون فيه ( فمن ) أي
لا أحد ( أظلم ممن
افترى على الله كذبا )
بذلك ( ليضل
الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
145. ( قل
لا أجد فيما أوحي إلي )
شيئاً ( محرماً
على طاعم يطعمه إلا أن يكون )
بالياء والتاء (
ميتة ) بالنصب وفي
قراءة بالرفع مع التحتانية ( أو
دما مسفوحا ) سائلا
بخلاف غيره كالكبد والطحال ( أو
لحم خنزير فإنه رجس )
حرام ( أو ) إلا أن يكون ( فسقا أهل لغير الله به ) أي ذبح على اسم غيره ( فمن اضطر ) إلى شيء مما ذكر فأكله ( غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور ) له ما أكل ( رحيم ) به ويلحق بما ذكر بالسنة كل ذي ناب من السباع ومخلب
من الطير
146. (
وعلى الذين هادوا ) أي اليهود
( حرمنا كل
ذي ظفر ) وهو ما لم
تفرق أصابعه كالإبل والنعام (
ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ) الثروب وشحم الكلي ( إلا ما حملت ظهورهما ) أي ما علق بها منه ( أو )
حملته ( الحوايا ) الأمعاء جمع حاوياء أو حاوية ( أو ما اختلط بعظم ) منه وهو شحم الأَلْيَة فإنه أحل لهم ( ذلك )
التحريم ( جزيناهم ) به ( ببغيهم ) بسبب طلعهم بما سبق في سورة النساء ( وإنا لصادقون ) في أخبارنا ومواعيدنا
147. (
فإن كذبوك ) فيما جئت
به ( فقل ) لهم ( ربكم ذو رحمة واسعة ) حيث لم يعاجلكم بالعقوبة وفيه تلطف بدعائهم إلى
الإيمان ( ولا يرد
بأسه ) عذابه إذا
جاء ( عن القوم
المجرمين )
148. (
سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ) نحن ( ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء ) فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته فهو راضٍ به! قال تعالى ( كذلك ) كما كذب هؤلاء ( كذب الذين من قبلهم ) رسلهم ( حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم ) بأن الله راض بذلك ( فتخرجوه لنا ) أي لا علم عندكم ( إن ) ما
( تتبعون ) في ذلك ( إلا الظن وإن ) ما ( أنتم إلا تخرصون ) تكذبون فيه
149. ( قل
) إن لم يكن لكم حجة ( فلله الحجة البالغة ) التامة ( فلو شاء ) هدايتكم ( لهداكم أجمعين )
150. ( قل
هلم ) أحضروا ( شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ) الذي حرمتموه ( فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا
بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون ) يشركون
151. ( قل
تعالوا أتل ) أقرأ ( ما حرم ربكم عليكم أ ) ن مفسرة ( لا تشركوا به شيئا و ) أحسنوا ( بالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم ) بالوأد ( من ) أجل
( إملاق ) فقر تخافونه ( نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ) الكبائر كالزنا ( ما ظهر منها وما بطن ) أي علانيتها وسرها ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) كالقود وحد الردة ورجم المحصن ( ذلكم ) المذكور ( وصاكم به لعلكم تعقلون ) تتدبرون
152. (
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي ) أي بالخصلة التي ( هي أحسن ) وهي ما فيه صلاحه ( حتى يبلغ أشده ) بأن يحتلم ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) بالعدل وترك البخس ( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) طاقتها في ذلك فإن أخطأ في الكيل والوزن والله يعلم
صحته نيته فلا مؤاخذة عليه ورد كما في حديث ( وإذا قلتم ) في حكم أو غيره ( فاعدلوا ) بالصدق ( ولو كان ) القول له أو عليه ( ذا قربى ) قرابة ( وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكَّرون ) بالتشديد ، تتعظون والسكون
153. (
وأنَّ ) بالفتح على
تقدير اللام والكسر استئنافا (
هذا ) الذي
وصيتكم به ( صراطي
مستقيما ) حال ( فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ) الطرق المخالفة له ( فتفرق ) فيه حذف إحدى التاءين تميل ( بكم عن سبيله ) دينه ( ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )
154. ( ثم
آتينا موسى الكتاب )
التوراة وثم لترتيب الأخبار (
تماما ) للنعمة ( على الذي أحسن ) بالقيام به ( وتفصيلا ) بيانا ( لكل شيء ) يحتاج إليه في الدين ( وهدى ورحمة لعلهم ) أي بني إسرائيل ( بلقاء ربهم ) بالبعث ( يؤمنون )
155. (
وهذا ) القرآن ( كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه ) يا أهل مكة بالعمل بما فيه ( واتقوا ) الكفر ( لعلكم ترحمون )
156. أنزلناه ( أن ) لا
( تقولوا
إنما أنزل الكتاب على طائفتين )
اليهود والنصارى ( من
قبلنا وإن ) مخففة
واسمها محذوف أي إنا (
كنا عن دراستهم )
قراءتهم ( لغافلين ) لعدم معرفتنا لها إذ ليست بلغتنا
157. ( أو
تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) لجودة أذهاننا ( فقد جاءكم بينة ) بيان ( من ربكم وهدى ورحمة ) لمن اتبعه ( فمن ) أي
لا أحد ( أظلم ممن
كذب بآيات الله وصدف )
أعرض ( عنها
سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب ) أي أشده ( بما كانوا يصدفون )
158. ( هل
ينظرون ) ما ينتظر
المكذبون ( إلا أن
تأتيهم ) بالتاء
والياء ( الملائكة ) لقبض أرواحهم ( أو يأتي ربك ) أي أمره بمعنى عذابه ( أو يأتي بعض آيات ربك ) أي علاماته الدالة على الساعة ( يوم يأتي بعض آيات ربك ) وهي طلوع الشمس من مغربها كما في حديث الصحيحين ( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) الجملة صفة النفس ( أو )
نفسا لم تكن ( كسبت في
إيمانها خيرا ) طاعة أي لا
تنفعها توبتها كما في الحديث ( قل
انتظروا ) أحد هذه
الأشياء ( إنا
منتظرون ) ذلك
159. ( إن
الذين فرقوا دينهم )
باختلافهم فيه فأخذوا بعضه وتركوا بعضه ( وكانوا شيعا ) فرقا في ذلك ، وفي قراءة { فارقوا } أي تركوا دينهم
الذي أمروا به وهم اليهود والنصارى ( لست منهم في شيء ) أي فلا تتعرض لهم ( إنما أمرهم إلى الله ) يتولاه ( ثم ينبئهم ) في الآخرة ( بما كانوا يفعلون ) فيجازيهم به ، وهذا منسوخ بآية السيف
160. ( من
جاء بالحسنة ) أي لا إله
إلا الله ( فله عشر
أمثالها ) أي جزاء
عشر حسنات ( ومن جاء
بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) أي
جزاؤه ( وهم لا
يظلمون ) ينقصون من
جزائهم شيئا
161. ( قل
إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم )
ويبدل من محله (
ديناً قِيَمَاً )
مستقيماً ( ملة
إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )
162. ( قل
إن صلاتي ونسكي )
عبادتي من حج وغيره (
ومحياي ) حياتي ( ومماتي ) موتي ( لله رب العالمين )
163. ( لا
شريك له ) في ذلك ( وبذلك ) أي التوحيد ( أمرت وأنا أول المسلمين ) من هذه الأمة
164. ( قل
أغير الله أبغي ربا )
إلها أي لا أطلب غيره (
وهو رب ) مالك ( كل شيء ولا تكسب كل نفس ) ذنبا ( إلا عليها ولا تزر ) تحمل نفس ( وازرة ) آثمة ( وزر ) نفس
( أخرى ثم
إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )
165. ( وهو
الذي جعلكم خلائف الأرض ) جمع
خليفة ، أي يخلف بعضكم بعضاً فيها ( ورفع بعضكم فوق بعض درجات ) بالمال والجاه وغير ذلك ( ليبلوكم ) ليختبركم ( في ما آتاكم ) أعطاكم ليظهر المطيع منكم والعاصي ( إن ربك سريع العقاب ) لمن عصاه ( وإنه لغفور ) للمؤمنين ( رحيم ) بهم