7. سورة
الأعراف
1. (
المص ) الله أعلم بمراده
بذلك
2. هذا ( كتاب أنزل إليك ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( فلا يكن في صدرك حرج ) ضيق ( منه ) أن
تبلغه مخافة أن تكذب (
لتنذر ) متعلق
بأنزل أي للإنذار ( به
وذكرى ) تذكرة ( للمؤمنين ) به
3. قل لهم ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ) أي القرآن ( ولا تتبعوا ) تتخذوا ( من دونه ) أي الله أي غيره ( أولياء ) تطيعونهم في معصيته تعالى ( قليلاً ما تذكرون ) بالياء والتاء تتعظون ، وفيه إدغام التاء في الأصل في
الذال وفي قراءة بسكونها ، وما زائدة لتأكيد القلة
4. (
وكم ) خبرية
مفعول ( من قرية ) أريد أهلها ( أهلكناها ) أردنا إهلاكها ( فجاءها بأسنا ) عذابنا ( بياتاً ) ليلاً ( أو هم قائلون ) نائمون بالظهيرة ، والقيلولة استراحة نصف النهار وإن لم
يكن معها نوم ، أي مرة جاءها ليلاً ومرة جاءها نهاراً
5. (
فما كان دعواهم )
قولهم ( إذ جاءهم
بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين )
6. (
فلنسألن الذين أرسل إليهم ) أي
الأمم عن إجابتهم الرسل وعملهم فيما بلغهم ( ولنسألن المرسلين ) عن الإبلاغ
7. (
فلنقصن عليهم بعلم )
لنخبرنهم عن علم بما فعلوه (
وما كنا غائبين ) عن
إبلاغ الرسل والأمم الخالية فيما عملوا
8. (
والوزنُ ) للأعمال أو
لصحائفها بميزان له لسان وكفتان9. (
ومن خفت موازينه )
بالسيئات ( فأولئك
الذين خسروا أنفسهم )
بتصييرها إلى النار (
بما كانوا بآياتنا يظلمون )
يجحدون
10. (
ولقد مكناكم ) يا بني آدم
( في الأرض
وجعلنا لكم فيها معايش )
بالياء أسبابا تعيشون بها جمع معيشة ( قليلا ما ) لتأكيد القلة ( تشكرون ) على ذلك
11. (
ولقد خلقناكم ) أي أباكم
آدم ( ثم
صورناكم ) أي صورناه
وأنتم في ظهره ( ثم
قلنا للملائكة اسجدوا لآدم )
سجودَ تحيةٍ بالانحناء (
فسجدوا إلا إبليس ) أبا
الجن كان بين الملائكة ( لم
يكن من الساجدين )
12. (
قال ) تعالى ( ما منعك أ ) ن ( لا
) زائدة ( تسجد إذ ) حين ( أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )
13. (
قال فاهبط منها ) أي من
الجنة ، وقيل من السماوات (
فما يكون ) ينبغي ( لك أن تتكبر فيها فاخرج ) منها ( إنك من الصاغرين ) الذليلين
14. (
قال أَنظِرني ) أَخِّرني ( إلى يوم يبعثون ) أي الناس
15. (
قال إنك من المنظرين ) وفي
آية أخرى { إلى يوم الوقت المعلوم } أي يوم النفخة الأولى
16. (
قال فبما أغويتني ) أي
بإغوائك لي ، والباء للقسم وجوابه ( لأقعدن لهم ) أي لبني آدم ( صراطك المستقيم ) أي على الطريق الموصل إليك
17. ( ثم
لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) أي من كل جهة فأمنعهم عن سلوكه ، قال ابن عباس: ولا يستطيع
أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى. ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) مؤمنين
18. (
قال اخرج منها مذؤوما )
بالهمزة معيبا أو ممقوتا (
مدحورا ) مبعدا عن
الرحمة ( لمن تبعك
منهم ) من الناس
واللام للابتداء أو موطئة للقسم وهو ( لأملأن جهنم منكم أجمعين ) أي منك بذريتك ومن الناس وفيه تغليب الحاضر على
الغائب وفي الجملة معنى جزاء من الشرطية أي من تبعك أعذبه
19. ( و ) قال ( يا آدم اسكن أنت ) تأكيد للضمير في اسكن ليعطف عليه ( وزوجك ) حواء بالمد ( الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ) بالأكل منها وهي الحنطة ( فتكونا من الظالمين )
20. (
فوسوس لهما الشيطان )
إبليس ( ليبدي ) يظهر ( لهما ما ووري ) فوعل من المواراة ( عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة
إلا ) كراهةَ ( أن تكونا مَلَكَين ) وقرئ بكسر اللام ( أو تكونا من الخالدين ) أي وذلك لازم عن الأكل منها كما في آية أخرى { هل
أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى }
21. (
وقاسمهما ) أي أقسم
لهما بالله ( إني لكما
لمن الناصحين ) في ذلك
22. (
فدلاهما ) حطَّهما عن
منزلتهما ( بغرور ) منه ( فلما ذاقا الشجرة ) أي أكلا منها ( بدت لهما سوآتهما ) أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره وسمي كل منها
سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه (
وطفقا يخصفان ) أخذا
يلزقان ( عليهما من
ورق الجنة ) ليستترا به
( وناداهما
ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) بين العداوة ، والاستفهام للتقرير
23. (
قالا ربنا ظلمنا أنفسنا )
بمعصيتنا ( وإن لم
تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )
24. (
قال اهبطوا ) أي آدم
وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما ( بعضكم ) بعض الذرية ( لبعض عدو ) من ظلم بعضهم بعضا ( ولكم في الأرض مستقر ) أي مكان استقرار ( ومتاع ) تمتع ( إلى حين ) تنقضي فيه آجالكم
25. (
قال فيها ) أي الأرض ( تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ) بالبعث بالبناء للفاعل والمفعول
26. ( يا
بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا ) أي
خلقناه لكم ( يواري ) يستر ( سوآتكم وريشا ) وهو ما يتجمل به من الثياب ( ولباس التقوى ) العمل الصالح والسمت الحسن ، بالنصب عطف على لباسا
والرفع مبتدأ خبره جملة (
ذلك خير ، ذلك من آيات الله )
دلائل قدرته ( لعلهم
يذكرون ) فيؤمنوا
فيه التفات عن الخطاب
27. ( يا
بني آدم لا يفتنَنَّكم )
يضلنكم ( الشيطان ) أي لا تتبعوه ( كما أخرج أبويكم ) بفتنته ( من الجنة ينزع ) حال ( عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه ) أي الشيطان ( يراكم هو وقبيله ) جنوده ( من حيث لا ترونهم ) للطافة أجسادهم أو عدم ألوانهم ( إنا جعلنا الشياطين أولياء ) أعوانا وقرناء ( للذين لا يؤمنون )
28. (
وإذا فعلوا فاحشة ) كالشرك
وطوافهم بالبيت عراة قائلين لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها فنهوا عنها ( قالوا وجدنا عليها آباءنا ) فاقتدينا بهم ( والله أمرنا بها ) أيضا ( قل ) لهم
( إن الله
لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ) أنه قال ، استفهام إنكار
29. ( قل
أمر ربي بالقسط )
بالعدل ( وأقيموا ) معطوف على معنى بالقسط ، أي قال أقسطوا وأقيموا أو
قبله فاقبلوا مقدرا (
وجوهكم ) لله ( عند كل مسجد ) أي أخلصوا له سجودكم ( وادعوه ) اعبدوه ( مخلصين له الدين ) من الشرك ( كما بدأكم ) خلقكم ولم تكونوا شيئا ( تعودون ) أي يعيدكم أحياء يوم القيامة
30. (
فريقا ) منكم ( هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين
أولياء من دون الله ) أي
غيره ( ويحسبون
أنهم مهتدون )
31. ( يا
بني آدم خذوا زينتكم ) ما
يستر عورتكم ( عند كل
مسجد ) عند الصلاة
والطواف ( وكلوا
واشربوا ) ما شئتم ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )
32. ( قل
) إنكارا عليهم ( من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ) من اللباس ( والطيبات ) المستلذات ( من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) بالاستحقاق وإن شاركهم فيها غيرهم ( خالصة ) خاصة بهم بالرفع والنصب حال ( يوم القيامة كذلك نفصل الآيات ) نبينها مثل ذلك التفصيل ( لقوم يعلمون ) يتدبرون فإنهم المنتفعون بها
33. ( قل
إنما حرم ربي الفواحش )
الكبائر كالزنا ( ما
ظهر منها وما بطن ) أي
جهرها وسرها ( والإثم ) المعصية ( والبغي ) على الناس ( بغير الحق ) وهو الظلم ( وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به ) بإشراكه ( سلطانا ) حجة ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) من تحريم ما لم يحرم وغيره
34. (
ولكل أمة أجل ) مدة ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ) عنه ( ساعة ولا يستقدمون ) عليه
35. ( يا
بني آدم إمَّا ) فيه
إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى ) الشرك ( وأصلح ) عمله ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
36. (
والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا )
تكبروا ( عنها ) فلم يؤمنوا بها ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
37. (
فمن ) أي لا أحد
( أظلم ممن
افترى على الله كذبا )
بنسبة الشريك والولد إليه ( أو
كذب بآياته ) القرآن ( أولئك ينالهم ) يصيبهم ( نصيبهم ) حظهم ( من الكتاب ) مما كتب لهم في اللوح المحفوظ من الرزق والأجل وغير
ذلك ( حتى إذا
جاءتهم رسلنا ) أي
الملائكة ( يتوفونهم
قالوا ) لهم تبكيتا
( أين ما
كنتم تدعون ) تعبدون ( من دون الله قالوا ضلوا ) غابوا ( عنا ) فلم
نرهم ( وشهدوا
على أنفسهم ) عند الموت
( أنهم
كانوا كافرين )
38. (
قال ) لهم تعالى
يوم القيامة ( ادخلوا في
) جملة ( أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في ) متعلق بادخلوا ( النار كلما دخلت ) النار ( أمة لعنت أختها ) التي قبلها لضلالها بها ( حتى إذا ادَّاركوا ) تلاحقوا ( فيها جميعا قالت أخراهم ) وهم الأتباع ( لأولاهم ) أي لأجلائهم وهم المتبوعون ( ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً ) مضعفاً ( من النار قال ) تعالى ( لكل )
منكم ومنهم ( ضعف ) عذاب مضعف ( ولكن لا يعلمون ) 39. (
وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل ) لأنكم تكفرون بسببنا فنحن وأنتم سواء ، قال تعالى لهم
( فذوقوا
العذاب بما كنتم تكسبون )
40. ( إن
الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا )
تكبروا ( عنها ) فلم يؤمنوا بها ( لا تفتح لهم أبواب السماء ) إذا عرج بأرواحهم إليها بعد الموت فيهبط بها إلى
سجِّين بخلاف المؤمن فتفتح له ويصعد بروحه إلى السماء السابعة كما ورد في حديث ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج ) يدخل ( الجمل في سمّ الخياط ) ثقب الإبرة وهو غير ممكن فكذا دخولهم ( وكذلك ) الجزاء ( نجزي المجرمين ) بالكفر
41. (
لهم من جهنم مهاد )
فراش ( ومن فوقهم
غواش ) أغطية من
النار جمع غاشية وتنوينه عوض من الياء المحذوفة ( وكذلك نجزي الظالمين )
42. (
والذين آمنوا وعملوا الصالحات )
مبتدأ ، وقوله ( لا
نكلف نفساً إلا وسعها )
طاقتها من العمل اعتراض بينه وبين خبره وهو ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
43. (
ونزعنا ما في صدورهم من غل ) حقد
كان بينهم في الدنيا (
تجري من تحتهم ) تحت
قصورهم ( الأنهار
وقالوا ) عند
الاستقرار في منازلهم (
الحمد لله الذي هدانا لهذا )
العمل الذي هذا جزاؤه ( وما
كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) حذف
جواب لولا لدلالة ما قبله عليه (
لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن ) مخففة أي أنه أو مفسرة في المواضع الخمسة ( تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون )
44. (
ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار )
تقريرا أو تبكيتا ( أن
قد وجدنا ما وعدنا ربنا ) من
الثواب ( حقا فهل
وجدتم ما وعد ) كم ( ربكم ) من العذاب ( حقاً ؟ قالوا نعم فأذن مؤذن ) نادى مناد ( بينهم ) بين الفريقين أسمعهم ( أن لعنة الله على الظالمين )
45. (
الذين يصدون ) الناس ( عن سبيل الله ) دينه ( ويبغونها ) أي يطلبون السبيل ( عوجاً ) معوجاً ( وهم بالآخرة كافرون )
46. (
وبينهما ) أي أصحاب
الجنة والنار (
حجاب ) حاجز ، قيل
هو سور الأعراف (
وعلى الأعراف ) وهو سور
الجنة ( رجال ) استوت حسناتهم وسيئاتهم كما في الحديث ( يعرفون كلا ) من أهل الجنة والنار ( بسيماهم ) بعلامتهم وهي بياض الوجوه للمؤمنين وسوادها للكافرين
لرؤيتهم لهم إذ موضعهم عال (
ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم ) قال تعالى ( لم يدخلوها ) أي أصحاب الأعراف الجنة ( وهم يطمعون ) في دخولها ، قال الحسن لم يطمعهم إلا لكرامة يريدها
بهم وروى الحاكم عن حذيفة قال : «
بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم »
47. (
وإذا صرفت أبصارهم ) أي
أصحاب الأعراف (
تلقاء ) جهة ( أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا ) في النار ( مع القوم الظالمين )
48. (
ونادى أصحاب الأعراف رجالا ) من
أصحاب النار ( يعرفونهم
بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم ) من
النار ( جمعكم ) المال أو كثرتكم ( وما كنتم تستكبرون ) أي واستكباركم عن الإيمان ، ويقولون لهم مشيرين إلى
ضعفاء المسلمين
49. (
أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ) قد قيل لهم ( ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) وقرئ { أُدْخِلوا } بالبناء للمفعول و { دخلوا }
فجملة النفي حال أي مقولا لهم ذلك
50. (
ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) من الطعام ( قالوا إن الله حرمهما ) منعهما ( على الكافرين )
51. (
الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم ) نتركهم في النار ( كما نسوا لقاء يومهم هذا ) بتركهم العمل له ( وما كانوا بآياتنا يجحدون ) أي وكما جحدوا
52. (
ولقد جئناهم ) أي أهل مكة
( بكتاب ) قرآن ( فصلناه ) بيناه بالأخبار والوعد والوعيد ( على علم ) حال أي عالمين بما فصل فيه ( هدى ) حال
من الهاء ( ورحمة
لقوم يؤمنون ) به
53. ( هل
ينظرون ) ما ينتظرون
( إلا
تأويله ) عاقبة ما
فيه ( يوم يأتي
تأويله ) هو يوم
القيامة ( يقول
الذين نسوه من قبل )
تركوا الإيمان به ( قد
جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو ) هل ( نرد ) إلى
الدنيا ( فنعمل غير
الذي كنا نعمل )
نوحد الله ونترك الشرك فيقال لهم لا ، قال تعالى ( قد خسروا أنفسهم ) إذ صاروا إلى الهلاك ( وضل ) ذهب
( عنهم ما
كانوا يفترون ) من دعوى
الشريك
54. ( إن
ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) من أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولو
شاء خلقهن في لمحة والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت ( ثم استوى على العرش ) هو في اللغة سرير الملك ، استواءً يليق به ( يغشي الليل النهار ) مخففاً ومشدداً أي يغطي كلا منهما بالآخر ( يطلبه ) يطلب كل منهما الآخر طلباً ( حثيثاً ) سريعاً ( والشمس والقمر والنجوم ) بالنصب عطفاً على السماوات والرفع مبتدأ خبره ( مسخرات ) مذللات ( بأمره ) بقدرته ( ألا له الخلق ) جميعا ( والأمر ) كله ( تبارك ) تعاظم ( الله رب ) مالك ( العالمين )
55. (
ادعوا ربكم تضرعا ) حال
تذللا ( وخفية ) سرا ( إنه لا يحب المعتدين ) في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت
56. (
ولا تفسدوا في الأرض )
بالشرك والمعاصي (
بعد إصلاحها ) ببعث الرسل
( وادعوه
خوفا ) من عقابه ( وطمعا ) في رحمته ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) المطيعين ، وتذكير قريب المخبر به عن رحمة لإضافتها
إلى الله
57. (
وهو الذي يرسل الرياح نُشُراً بين يدي رحمته ) أي متفرقة قدام المطر ، وفي قراءة بسكون الشين
تخفيفاً وفي أخرى بسكونها وفتح النون مصدراً وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة بدل
النون أي مبشراً ومفرد الأولى نَشُور كرسول والأخيرة بشير ( حتى إذا أقلت ) حملت الرياح ( سحابا ثقالا ) بالمطر ( سقناه ) أي السحاب وفيه التفات عن الغيبة ( لبلد ميت ) لا نبات به أي لإحيائها ( فأنزلنا به ) بالبلد ( الماء فأخرجنا به ) بالماء ( من كل الثمرات كذلك ) الإخراج ( نخرج الموتى ) من قبورهم بالإحياء ( لعلكم تذكرون ) فتؤمنوا
58. (
والبلد الطيب ) العذب
التراب ( يخرج
نباته ) حسناً ( بإذن ربه ) هذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها ( والذي خبث ) ترابه ( لا يخرج ) نباته ( إلا نكداً ) عسراً بمشقةٍ وهذا مثلُ للكافر ( كذلك ) كما بينا ما ذكر ( نصرف ) نبين ( الآيات لقوم يشكرون ) الله فيؤمنون
59. (
لقد ) جواب قسم
محذوف ( أرسلنا
نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) بالجر صفة لإله ، والرفع بدل من محله ( إني أخاف عليكم ) إن عبدتم غيره ( عذاب يوم عظيم ) هو يوم القيامة
60. (
قال الملأ ) الأشراف ( من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ) بين
61. (
قال يا قوم ليس بي ضلالة ) هي
أعم من الضلال فنفيها أبلغ من نفيه ( ولكني رسول من رب العالمين )
62. (
أبْلِغُكم ) بالتخفيف
والتشديد ( رسالات
ربي وأنصح ) أريد الخير
( لكم وأعلم
من الله ما لا تعلمون )
63. ( أ ) كذبتم ( وعجبتم أن جاءكم ذكر ) موعظة ( من ربكم على ) لسان ( رجل منكم لينذركم ) العذاب إن لم تؤمنوا ( ولتتقوا ) الله ( ولعلكم ترحمون ) بها
64. (
فكذبوه فأنجيناه والذين معه ) من
الغرق ( في الفلك ) السفينة ( وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ) بالطوفان ( إنهم كانوا قوما عمين ) عن الحق
65. ( و ) أرسلنا ( إلى عاد ) الأولى ( أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ) وحدوه ( ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) تخافونه فتؤمنون
66. (
قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة ) جهالة ( وإنا لنظنك من الكاذبين ) في رسالتك
67. (
قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين )
68. (
أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين ) مأمون على الرسالة
69. (
أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على ) لسان ( رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء ) في الأرض ( من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطةً ) قوةً وطَولاً وكان طويلهم مائة ذراع وقصيرهم ستين ( فاذكروا آلاء الله ) نعمه ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
70. (
قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ) نترك ( ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا ) به من العذاب ( إن كنت من الصادقين ) في قولك
71. (
قال قد وقع ) وجب ( عليكم من ربكم رجس ) عذاب ( وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها ) أي سميتم بها ( أنتم وآباؤكم ) أصناما تعبدونها ( ما نزل الله بها ) أي بعبادتها ( من سلطان ) حجة وبرهان ( فانتظروا ) العذاب ( إني معكم من المنتظرين ) ذلكم بتكذيبكم لي فأرسلت عليهم الريح العقيم
72. (
فأنجيناه ) أي هوداً ( والذين معه ) من المؤمنين ( برحمة منا وقطعنا دابر ) القوم ( الذين كذبوا بآياتنا ) أي استأصلناهم ( وما كانوا مؤمنين ) عطف على كذبوا
73. ( و ) أرسلنا ( إلى ثمودَ ) بترك الصرف ، مراداً به القبيلة ( أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله
غيره قد جاءتكم بينة )
معجزة ( من ربكم ) على صدقي ( هذه ناقة الله لكم آية ) حال عاملها معنى الإشارة وكانوا سألوه أن يخرجها لهم
من صخرة عينوها (
فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ) بعقر أو ضرب ( فيأخذكم عذاب أليم )
74. (
واذكروا إذ جعلكم خلفاء ) في
الأرض ( من بعد
عاد وبوأكم ) أسكنكم ( في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً ) تسكنونها في الصيف ( وتنحتون الجبال بيوتاً ) تسكنونها في الشتاء ، ونصبه على الحال المقدرة ( فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )
75. (
قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) تكبروا عن الإيمان به ( للذين استضعفوا لمن آمن منهم ) أي من قومه بدل مما قبله بإعادة الجار ( أتعلمون أن صالحاً مرسلٌ من ربه ) إليكم ( قالوا ) نعم ( إنا بما أرسل به مؤمنون )
76. (
قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون )
77. وكانت الناقة لها يوم في الماء ولهم يوم فملُّوا ذلك ( فعقروا الناقة ) عقرها قُدار [ بن سالف ] بأمرهم بأن قتلها بالسيف ( وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ) به من العذاب على قتلها ( إن كنت من المرسلين )
78. (
فأخذتهم الرجفة )
الزلزلة الشديدة من الأرض والصيحة من السماء ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
79. (
فتولى ) أعرض صالح
( عنهم وقال
يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين )
80. ( و ) اذكر ( لوطاً ) ويبدل منه ( إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ) أي أدبار الرجال ( ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) الإنس والجن
81. (
إنكم ) وفي قراءة
{ أئنكم } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال الألف بينهما على الوجهين ( لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) متجاوزون الحلال إلى الحرام
82. (
وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم ) أي لوطاً وأتباعه ( من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) من أدبار الرجال
83. (
فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) الباقين في العذاب
84. (
وأمطرنا عليهم مطراً ) هو
حجارة السجيل فأهلكتهم (
فانظر كيف كان عاقبة المجرمين )
85. ( و ) أرسلنا ( إلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم
من إله غيره قد جاءتكم بينة )
معجزة ( من ربكم ) على صدقي ( فأوفوا ) أتموا ( الكيل والميزان ولا تبخسوا ) تنقصوا ( الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض ) بالكفر والمعاصي ( بعد إصلاحها ) ببعث الرسل ( ذلكم ) المذكور ( خير لكم إن كنتم مؤمنين ) مريدي الإيمان فبادروا إليه
86. (
ولا تقعدوا بكل صراط )
طريق ( توعدون ) تخوفون الناس بأخذ ثيابهم أو المكس منهم ( وتصدون ) تصرفون ( عن سبيل الله ) دينه ( من آمن به ) بتوعدكم إياه بالقتل ( وتبغونها ) تطلبون الطريق ( عوجاً ) معوجة ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة
المفسدين ) قبلكم
بتكذيب رسلهم أي آخر أمرهم من الهلاك
87. (
وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا ) به ( فاصبروا حتى يحكم الله بيننا ) وبينكم بإنجاء المحق وإهلاك المبطل ( وهو خير الحاكمين ) أعدلهم
88. (
قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) عن الإيمان ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن
) ترجعن ( في ملتنا ) ديننا ، وغلَّبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن
شعيباً لم يكن في ملتهم قط وعلى نحوه أجاب ( قال أ ) نعود فيها ( ولو كنا كارهين ) لها استفهام إنكار
89. ( قد
افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون ) ينبغي ( لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ذلك فيخذلنا ( وسع ربنا كل شيء علما ) أي وسع علمه كل شيء ومنه حالي وحالكم ( على الله توكلنا ربنا افتح ) احكم ( بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) الحاكمين
90. (
وقال الملأ الذين كفروا من قومه ) أي
قال بعضهم لبعض (
لئن ) لام قسم ( اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون )
91. (
فأخذتهم الرجفة )
الزلزلة الشديدة (
فأصبحوا في دارهم جاثمين )
باركين على الركب ميتين
92. (
الذين كذبوا شعيبا )
مبتدأ خبره ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ) في ديارهم ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) التأكيد بإعادة الموصول وغيره للرد عليهم في قولهم
السابق
93. (
فتولى ) أعرض ( عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ) فلم تؤمنوا ( فكيف آسى ) أحزن ( على قوم كافرين ) استفهام بمعنى النفي
94. (
وما أرسلنا في قرية من نبي )
فكذبوه ( إلا أخذنا
) عاقبنا ( أهلها بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يضَّرَّعون ) يتذللون فيؤمنوا
95. ( ثم
بدلنا ) أعطيناهم ( مكان السيئة ) العذاب ( الحسنة ) الغنى والصحة ( حتى عفوا ) كثروا ( وقالوا ) كفراً للنعمة ( قد مس آباءنا الضراء والسراء ) كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله
فكونوا على ما أنتم عليه قال تعالى ( فأخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بوقت مجيئه قبله
88. (
قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) عن الإيمان ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن
) ترجعن ( في ملتنا ) ديننا ، وغلَّبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن
شعيباً لم يكن في ملتهم قط وعلى نحوه أجاب ( قال أ ) نعود فيها ( ولو كنا كارهين ) لها استفهام إنكار
89. ( قد
افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون ) ينبغي ( لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ذلك فيخذلنا ( وسع ربنا كل شيء علما ) أي وسع علمه كل شيء ومنه حالي وحالكم ( على الله توكلنا ربنا افتح ) احكم ( بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) الحاكمين
90. ( وقال
الملأ الذين كفروا من قومه ) أي
قال بعضهم لبعض (
لئن ) لام قسم ( اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون )
91. (
فأخذتهم الرجفة )
الزلزلة الشديدة (
فأصبحوا في دارهم جاثمين )
باركين على الركب ميتين
92. (
الذين كذبوا شعيبا )
مبتدأ خبره ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ) في ديارهم ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) التأكيد بإعادة الموصول وغيره للرد عليهم في قولهم
السابق
93. (
فتولى ) أعرض ( عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ) فلم تؤمنوا ( فكيف آسى ) أحزن ( على قوم كافرين ) استفهام بمعنى النفي
94. (
وما أرسلنا في قرية من نبي )
فكذبوه ( إلا أخذنا
) عاقبنا ( أهلها بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يضَّرَّعون ) يتذللون فيؤمنوا
95. ( ثم
بدلنا ) أعطيناهم ( مكان السيئة ) العذاب ( الحسنة ) الغنى والصحة ( حتى عفوا ) كثروا ( وقالوا ) كفراً للنعمة ( قد مس آباءنا الضراء والسراء ) كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله
فكونوا على ما أنتم عليه قال تعالى ( فأخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بوقت مجيئه قبله
105. (
حقيق ) جدير ( على أن ) أي بأن ( لا أقول على الله إلا الحق ) وفي قراءة بتشديد الياء فحقيق مبتدأ خبره أن وما
بعدها ( قد جئتكم
ببينة من ربكم فأرسل معي ) إلى
الشام ( بني
إسرائيل ) وكان
استعبدهم
106. (
قال ) فرعون له ( إن كنت جئت بآية ) على دعواك ( فأت بها إن كنت من الصادقين ) فيها
107. (
فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ) حية
عظيمة
108. (
ونزع يده ) أخرجها من
جيبه ( فإذا هي
بيضاء ) ذات شعاع ( للناظرين ) خلاف ما كانت عليه من الأدمة
109. (
قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ) فائق في علم السحر وفي الشعراء أنه من قول فرعون نفسه
فكأنهم قالوه معه على سبيل التشاور
110. (
يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون )
111. (
قالوا أرجه وأخاه )
أخِّر أمرهما (
وأرسل في المدائن حاشرين )
جامعين
112. (
يأتوك بكل ساحر ) وفي
قراءة { سحار } (
عليم ) يفضل موسى
في علم السحر فجمعوا
113. (
وجاء السحرة فرعون قالوا أئنَّ )
بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين ( لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين )
114. (
قال نعم وإنكم لمن المقربين )
115. (
قالوا يا موسى إما أن تلقي )
عصاك ( وإما أن
نكون نحن الملقين ) ما
معنا
116. (
قال ألقوا ) أمر للإذن
بتقديم إلقائهم توصلاً به إلى إظهار الحق ( فلما ألقوا ) حبالهم وعصيهم ( سحروا أعين الناس ) صرفوها عن حقيقة إدراكها ( واسترهبوهم ) خوفوهم حيث خيلوها حيات تسعى ( وجاؤوا بسحر عظيم )
117. (
وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ) بحذف إحدى التاءين في الأصل تبتلع ( ما يأفكون ) يقلبون بتمويههم
118. (
فوقع الحق ) ثبت وظهر ( وبطل ما كانوا يعملون ) من السحر
119. (
فغلبوا ) أي فرعون
وقومه ( هنالك
وانقلبوا صاغرين )
صاروا ذليلين
120. (
وألقي السحرة ساجدين )
121. (
قالوا آمنا برب العالمين )
122. ( رب
موسى وهارون ) لعلمهم بأن
ما شاهدوه من العصا لا يتأتى بالسحر
123. (
قال فرعون أآمنتم )
بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا ( به )
بموسى ( قبل أن
آذن ) أنا ( لكم إن هذا ) الذي صنعتموه ( لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف
تعلمون ) ما ينالكم
مني
124. (
لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلافٍ ) أي
يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى ( ثم لأصلبنكم أجمعين )
125. (
قالوا إنا إلى ربنا ) بعد
موتنا بأي وجه كان (
منقلبون ) راجعون في
الآخرة
126. (
وما تنقم ) تنكر ( منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ
علينا صبراً ) عند فعل ما
توعدنا به لئلا نرجع كفاراً (
وتوفنا مسلمين )
127. (
وقال الملأ من قوم فرعون ) له
( أتذر ) تترك ( موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ) بالدعاء إلى مخالفتك ( ويذرك وآلهتك ) وكان صنع لهم أصناماً صغاراً يعبدونها وقال أنا ربكم
وربها ولذا قال أنا ربكم الأعلى ( قال سنقتِّل ) بالتشديد ( أبناءهم ) المولودين ( ونستحيي ) نستبقي ( نساءهم ) كفعلنا بهم من قبل ( وإنا فوقهم قاهرون ) قادرون ، ففعلوا بهم ذلك فشكا بنو إسرائيل
128. (
قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ) على أذاهم ( إن الأرض لله يورثها ) يعطيها ( من يشاء من عباده والعاقبة ) المحمودة ( للمتقين ) الله
129. (
قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم
ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) فيها
130. (
ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين )
بالقحط ( ونقص من
الثمرات لعلهم يذكرون )
يتعظون فيؤمنون
131. (
فإذا جاءتهم الحسنة )
الخصب والغنى (
قالوا لنا هذه ) أي
نستحقها ولم يشكروا عليها (
وإن تصبهم سيئة ) جدب
وبلاء ( يطيروا ) يتشاءموا ( بموسى ومن معه ) من المؤمنين ( ألا إنما طائرهم ) شؤمهم ( عند الله ) يأتيهم به ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن ما يصيبهم من عنده
132. (
وقالوا ) لموسى ( مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ) فدعا عليهم
133. (
فأرسلنا عليهم الطوفان ) وهو
ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين سبعة أيام ( والجراد ) فأكل زرعهم وثمارهم كذلك ( والقمل ) السوس أو نوع من القراد ، فتتبع ما تركه الجراد ( والضفادع ) فملأت بيوتهم وطعامهم ( والدم ) في مياههم ( آيات مفصلات ) مبينات ( فاستكبروا ) عن الإيمان بها ( وكانوا قوماً مجرمين )
134. (
ولما وقع عليهم الرجز )
العذاب ( قالوا يا
موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ) من
كشف العذاب عنا إن آمنا (
لئن ) لام قسم ( كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )
135. (
فلما كشفنا ) بدعاء موسى
( عنهم
الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم
136. (
فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم ) البحر المالح ( بأنهم ) بسبب أنهم ( كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) لا يتدبرونها
137. (
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون ) بالاستعباد وهم بنو إسرائيل ( مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) بالماء والشجر صفة للأرض وهي الشام ( وتمت كلمة ربك الحسنى ) وهي قوله { ويريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض
} ( على بني
إسرائيل بما صبروا ) على
أذى عدوهم ( ودمرنا ) أهلكنا ( ما كان يصنع فرعون وقومه ) من العمارة ( وما كانوا يعرِشون ) بكسر الراء وضمها يرفعون من البنيان
138. (
وجاوزنا ) عبرنا ( ببني إسرائيل البحر فأتوا ) فمروا ( على قوم يعكفون ) بضم الكاف وكسرها ( على أصنام لهم ) يقيمون على عبادتها ( قالوا يا موسى اجعل لنا إلها ) صنما نعبده ( كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) حيث قابلتم نعمة الله عليكم بما قلتموه
139. ( إن
هؤلاء متبر ) هالك ( ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون )
140. (
قال أغير الله أبغيكم إلها )
معبوداً وأصله أبغي لكم (
وهو فضلكم على العالمين ) في
زمانكم بما ذكره في قوله
141. ( و ) اذكروا ( إذ أنجيناكم ) وفي قراءة { أنجاكم } ( من آل فرعون يسومونكم ) يكلفونكم ويذيقونكم ( سوء العذاب ) أشده وهو ( يقتلون أبناءكم ويستحيون ) يستبقون ( نساءكم وفي ذلكم ) الإنجاء والعذاب ( بلاء ) إنعام أو ابتلاء ( من ربكم عظيم ) أفلا تتعظون فتنتهوا عما قلتم
142. (
وواعدنا ) بألف
ودونها ( موسى
ثلاثين ليلةً ) نكلمه عند
انتهائها بأن يصومها وهي ذو القعدة فصامها فلما تمت أنكر خلوف فمه فاستاك فأمره
الله بعشرة أخرى ليكلمه بخلوف فمه كما قال تعالى ( وأتممناها بعشر ) من ذي الحجة ( فتم ميقات ربه ) وقت وعده بكلامه إياه ( أربعين ) حال ( ليلة ) تمييز ( وقال موسى لأخيه هارون ) عند ذهابه إلى الجبل للمناجاة ( اخلفني ) كن خليفتي ( في قومي وأصلح ) أمرهم ( ولا تتبع سبيل المفسدين ) بموافقتهم على المعاصي
143. (
ولما جاء موسى لميقاتنا ) أي
للوقت الذي وعدناه بالكلام فيه (
وكلمه ربه ) بلا واسطة
كلاماً سمعه من كل جهة (
قال رب أرني ) نفسك ( أنظر إليك قال لن تراني ) أي لا تقدر على رؤيتي ، والتعبير به دون لن أُرى يفيد
إمكان رؤيته تعالى (
ولكن انظر إلى الجبل )
الذي هو أقوى منك (
فإن استقر ) ثبت ( مكانه فسوف تراني ) أي تثبت لرؤيتي وإلا فلا طاقة لك ( فلما تجلى ربه ) أي ظهر من نوره قدر نصف أنملة الخنصر كما في حديث
صححه الحاكم ( للجبل
جعله دكا ) بالقصر
والمد أي مدكوكاً مستوياً بالأرض ( وخر موسى صعقاً ) مغشياً عليه لهول ما رأى ( فلما أفاق قال سبحانك ) تنزيهاً لك ( تبت إليك ) من سؤال ما لم أؤمر به ( وأنا أول المؤمنين ) في زماني
144. (
قال ) تعالى له ( يا موسى إني اصطفيتك ) اخترتك ( على الناس ) أهل زمانك ( برسالاتي ) بالجمع والإفراد ( وبكلامي ) أي تكليمي إياك ( فخذ ما آتيتك ) من الفضل ( وكن من الشاكرين ) لأنعمي
145. (
وكتبنا له في الألواح ) أي
ألواح التوراة وكانت من سدر الجنة أو زبرجد أو زمرد سبعة أو عشرة ( من كل شيء ) يحتاج إليه في الدين ( موعظة وتفصيلاً ) تبييناً ( لكل شيء ) بدل من الجار والمجرور قبله ( فخذها ) قبله قلنا مقدراً ( بقوة ) بجد واجتهاد ( وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين ) فرعون وأتباعه وهي مصر لتعتبروا بهم
146. (
سأصرف عن آياتي )
دلائل قدرتي من المصنوعات وغيرها ( الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) بأن أخذلهم فلا يتكبرون فيها ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل ) طريق ( الرشد ) الهدى الذي جاء من عند الله ( لا يتخذوه سبيلا ) يسلكوه ( وإن يروا سبيل الغي ) الضلال ( يتخذوه سبيلا ذلك ) الصرف ( بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) تقدم مثله
147. (
والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة ) البعث وغيره ( حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) ما عملوه في الدنيا من خير كصلة رحم وصدقة فلا ثواب
لهم لعدم شرطه ( هل
) ما ( يجزون إلا ) جزاء ( ما كانوا يعملون ) من التكذيب والمعاصي
148. ( واتخذ
قوم موسى من بعده ) أي
بعد ذهابه إلى المناجاة ( من
حُلِيِّهم ) الذي
استعاروه من قوم فرعون بعلَّة عرس فبقي عندهم ( عجلاً ) صاغه لهم منه السامري ( جسداً ) بدل من لحما ودما ( له خوار ) أي صوت يسمع انقلب كذلك بوضع التراب الذي أخذه من
حافر جبريل في فمه فإن أثره الحياة فيما يوضع فيه ، ومفعول اتخذ الثاني محذوف أي
إلها ( ألم يروا
أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا )
فكيف يتخذ إلها (
اتخذوه ) إلها ( وكانوا ظالمين ) باتخاذه
149. (
ولما سقط في أيديهم ) أي
ندموا على عبادته (
ورأوا ) علموا ( أنهم قد ضلوا ) بها وذلك بعد رجوع موسى ( قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ) بالياء والتاء فيهما ( لنكونن من الخاسرين )
150. (
ولما رجع موسى إلى قومه غضبان ) من
جهتهم ( أسفاً ) شديد الحزن ( قال ) لهم
( بئسما ) أي بئس خلافة ( خلفتمونيـ ) ـها ( من بعدي ) خلافتكم هذه حيث أشركتم ( أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح ) ألواح التوراة غضباً لربه فتكسرت ( وأخذ برأس أخيه ) أي بشعره بيمنيه ولحيته بشماله ( يجره إليه ) غضباً ( قال ) يا
( ابن أمِّ ) بكسر الميم وفتحها ، أراد أمي وذكرها أعطف لقلبه ( إن القوم استضعفوني وكادوا ) قاربوا ( يقتلونني فلا تشمت ) تفرح ( بي الأعداء ) بإهانتك إياي ( ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) بعبادة العجل في المؤاخذة
151. (
قال رب اغفر لي ) ما
صنعت بأخي ( ولأخي ) أشركه الدعاء إرضاء له ودفعا للشماتة به ( وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين )
152. قال تعالى ( إن الذين اتخذوا العجل ) إلها ( سينالهم غضب ) عذاب ( من ربهم وذلة في الحياة الدنيا ) فعذبوا بالأمر بقتل أنفسهم وضربت عليهم الذلة إلى يوم
القيامة ( وكذلك ) كما جزيناهم ( نجزي المفترين ) على الله بالإشراك وغيره
153. (
والذين عملوا السيئات ثم تابوا )
رجعوا عنها ( من بعدها
وآمنوا ) بالله ( إن ربك من بعدها ) أي التوبة ( لغفور ) لهم ( رحيم ) بهم
154. (
ولما سكت ) سكن ( عن موسى الغضب أخذ الألواح ) التي ألقاها ( وفي نسختها ) أي ما نسخ فيها أي كتب ( هدى ) من
الضلالة ( ورحمة
للذين هم لربهم يرهبون )
يخافون وأدخل اللام على المفعول لتقدمه
155. (
واختار موسى قومه سبعين ) أي
من قومه ( رجلاً
لميقاتنا ) ممن لم
يعبدوا العجل بأمره تعالى (
فلما ) أي للوقت
الذي وعدناه يإتيانهم فيه ليعتذروا من عبادة العجل فخرج بهم ( أخذتهم الرجفة قال ) الزلزلة الشديدة ، قال ابن عباس : لأنهم لم يزايلوا
قومهم حين عبدوا العجل ، قال : وهم غير الذين سألوا الرؤية وأخذتهم الصاعقة ( رب )
موسى ( لو شئت
أهلكتهم من قبل ) أي
قبل خروجي بهم ليعلن بنو إسرائيل ذلك ولا يتهموني ( وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) استفهام استعطاف أي لا تعذبنا بذنب غيرنا ( إن ) ما
( هي ) أي الفتنة التي وقع فيها السفهاء ( إلا فتنتك ) ابتلاؤك ( تضل بها من تشاء ) إضلاله ( وتهدي من تشاء ) هدايته ( أنت ولينا ) متولي أمورنا ( فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين )
156. (
واكتب ) أوجب ( لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ) حسنة ( إنا هدنا ) تبنا ( إليك قال ) تعالى ( عذابي أصيب به من أشاء ) تعذيبه ( ورحمتي وسعت ) عمَّت ( كل شيء ) في الدنيا ( فسأكتبها ) في الآخرة ( للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون )
157. (
الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) محمد صلى الله عليه وسلم ( الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ) باسمه وصفته ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ) مما حرم في شرعهم ( ويحرم عليهم الخبائث ) الميتة ونحوها ( ويضع عنهم إصرهم ) ثقلهم ( والأغلال ) الشدائد ( التي كانت عليهم ) كقتل النفس في التوبة وقطع أثر النجاسة ( فالذين آمنوا به ) منهم ( وعزَّروه ) ووقروه ( ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ) أي القرآن ( أولئك هم المفلحون )
158. ( قل
) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك
السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي
يؤمن بالله وكلماته )
القرآن ( واتبعوه
لعلكم تهتدون ) ترشدون
159. (
ومن قوم موسى أمة )
جماعة ( يهدون ) الناس ( بالحق وبه يعدِلون ) في الحكم
160. (
وقطَّعناهم ) فرقنا بني
إسرائيل ( اثنتي
عشرة ) حال ( أسباطا ) بدل منه ، أي قبائل ( أمما ) بدل من قبله ( وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ) في التيه ( أن اضرب بعصاك الحجر ) فضربه ( فانبجست ) انفجرت ( منه اثنتا عشرة عيناً ) بعدد الأسباط ( قد علم كل أناس ) سبط منهم ( مشربهم وظللنا عليهم الغمام ) في التيه من حر الشمس ( وأنزلنا عليهم المن والسلوى ) هما الترنجبين والطير السُّماني بتخفيف الميم والقصر
وقلنا لهم ( كلوا من
طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
161. ( و ) اذكر ( إذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية ) بيت المقدس ( وكلوا منها حيث شئتم وقولوا ) أمرنا ( حطة وادخلوا الباب ) أي باب القرية ( سجداً ) سجود انحناء ( نغفر ) بالنون والتاء مبنيا للمفعول ( لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين ) بالطاعة ثواباً
162. (
فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم ) فقالوا حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم ( فأرسلنا عليهم رجزاً ) عذاباً ( من السماء بما كانوا يظلمون )
163. (
واسألهم ) يا محمد
توبيخاً ( عن القرية
التي كانت حاضرة البحر )
مجاورة بحر القلزم وهي أيلة ما وقع بأهلها ( إذ يعدون ) يعتدون ( في السبت ) بصيد السمك المأمورين بتركه فيه ( إذ ) ظرف
ليعدوه ( تأتيهم
حيتانهم يوم سبتهم شرعاً )
ظاهرة على الماء (
ويوم لا يسبتون ) لا
يعظمون السبت أي سائر الأيام ( لا
تأتيهم ) ابتلاء من
الله ( كذلك
نبلوهم بما كانوا يفسقون )
ولما صادوا السمك افترقت القرية أثلاثاً ثلثٌ صادوا معهم وثلثٌ نهوهم وثلثٌ أمسكوا
عن الصيد والنهي
164. (
وإذ ) عطف على إذ
قبله ( قالت أمة
منهم ) لم تصد ولم
تنه لمن نهى ( لم تعظون
قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا ) موعظتنا ( معذرةً ) نعتذر بها ( إلى ربكم ) لئلا ننسب إلى تقصير في ترك النهي ( ولعلهم يتقون ) الصيد
165. (
فلما نسوا ) تركوا ( ما ذكروا ) وعظوا ( به ) فلم
يرجعوا ( أنجينا
الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا ) بالاعتداء ( بعذاب بئيس ) شديد ( بما كانوا يفسقون )
166. (
فلما عتوا ) تكبروا ( عن ) ترك
( ما نهوا
عنه قلنا لهم كونوا قردة )
صاغرين فكانوها ، وهذا تفصيل لما قبله ، قال ابن عباس : ما أدري ما فعل بالفرقة
الساكتة ، وقال عكرمة : لم تهلك لأنها كرهت ما فعلوه وقالت لم تعظون الخ ، وروى
الحاكم عن ابن عباس : أنه رجع إليه وأعجبه
167. (
وإذ تأذن ) أعلم ( ربك ليبعثن عليهم ) أي اليهود ( إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) بالذل وأخذ الجزية فبعث عليها سليمان وبعده بختنصر
فقتلهم وسباهم وضرب عليهم الجزية فكانوا يؤدونها إلى المجوس إلى بعث نبينا صلى
الله عليه وسلم فضربها عليهم ( إن
ربك لسريع العقاب ) لمن
عصاه ( وإنه
لغفور ) لأهل طاعته
( رحيم ) بهم
168. (
وقطعناهم ) فرقناهم ( في الأرض أمما ) فرقا ( منهم الصالحون ومنهم ) ناس ( دون ذلك ) الكفار والفاسقون ( وبلوناهم بالحسنات ) بالنعم ( والسيئات ) النقم ( لعلهم يرجعون ) عن فسقهم
169. (
فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب )
التوراة عن آبائهم (
يأخذون عرض هذا الأدنى ) أي
حطام هذا الشيء الدنيء من حلال وحرام ( ويقولون سيغفر لنا ) ما فعلناه ( وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ) الجملة حال أي يرجون المغفرة وهم عائدون إلى مافعلوه
مصرون عليه وليس في التوراة وعد المغفرة مع الإصرار ( ألم يؤخذ ) استفهام تقرير ( عليهم ميثاق الكتاب ) الإضافة بمعنى في ( أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ) عطف على يؤخذ ، قرؤوا ( ما فيه ) فلم كذبوا عليه ينسبة المغفرة إليه مع الإصرار ( والدار الآخرة خير للذين يتقون ) الحرام ( أفلا يعقلون ) بالياء والتاء ، أنها خير فيؤثرونها على الدنيا
170. (
والذين يمسِّكون )
بالتشديد والتخفيف (
بالكتاب ) منهم ( وأقاموا الصلاة ) كعبد الله بن سلام وأصحابه ( إنا لا نضيع أجر المصلحين ) الجملة خبر الذين ، وفيه وضع الظاهر موضع المضمر أي
أجرهم
171. ( و ) اذكر ( إذ نتقنا الجبل ) رفعناه من أصله ( فوقهم كأنه ظلة وظنوا ) أيقنوا ( أنه واقع بهم ) ساقط عليهم بوعد الله إياهم بوقوعه إن لم يقبلوا
أحكام التوراة وكانوا أبوها لثقلها فقبلوا وقلنا لهم ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) بجد واجتهاد ( واذكروا ما فيه ) بالعمل به ( لعلكم تتقون )
172. ( و ) اذكر ( إذ ) حين
( أخذ ربك
من بني آدم من ظهورهم ) بدل
اشتمال مما قبله بإعادة الجار (
ذريتهم ) بأن أخرج
بعضهم من صلب بعض من صلب آدم نسلاً بعد نسلٍ كنحو ما يتوالدون كالذرِّ بنعمان يوم
عرفة ونصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فيهم عقلا ( وأشهدهم على أنفسهم ) قال ( ألست بربكم قالوا بلى ) أنت ربنا ( شهدنا ) بذلك والإشهاد لـ ( أن ) لا
( يقولوا ) بالياء والتاء في الموضعين ، أي الكفار ( يوم القيامة إنا كنا عن هذا ) التوحيد ( غافلين ) لا نعرفه
173. ( أو
يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ) أي
قبلنا ( وكنا ذرية
من بعدهم ) فاقتدينا
بهم ( أفتهلكنا ) تعذبنا ( بما فعل المبطلون ) من آبائنا بتأسيس الشرك ، المعنى لا يمكنهم الاحتجاج
بذلك مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد والتذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام
ذكره في النفوس
174. (
وكذلك نفصل الآيات )
نبينها مثل ما بينا الميثاق ليتدبروها ( ولعلهم يرجعون ) عن كفرهم
175. (
واتل ) يا محمد ( عليهم ) أي اليهود ( نبأ ) خبر
( الذي آتيناه
آياتنا فانسلخ منها ) خرج
بكفره كما تخرج الحية من جلدها وهو بلعم بن باعوراء من علماء بني إسرائيل ، سئل أن
يدعو على موسى وأهدي إليه شيء فدعا فانقلب عليه واندلع لسانه على صدره ( فأتبعه الشيطان ) فأدركه فصار قرينه ( فكان من الغاوين )
176. (
ولو شئنا لرفعناه ) إلى
منازل العلماء (
بها ) بأن نوفقه
للعمل ( ولكنه
أخلد ) سكن ( إلى الأرض ) أي الدنيا ومال إليها ( واتبع هواه ) في دعائه إليها فوضعناه ( فمثله ) صفته ( كمثل الكلب إن تحمل عليه ) بالطرد والزجر ( يلهث ) يدلع لسانه ( أو ) إن
( تتركه
يلهث ) وليس غيره
من الحيوان كذلك ، وجملتا الشرط حال ، أي لاهثاً ذليلاً بكل حال ، والقصد التشبيه
في الوضع والخسة بقرينة الفاء المشعرة بترتيب ما بعدها على ما قبلها من الميل إلى
الدنيا واتباع الهوى وبقرينة قوله ( ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص ) على اليهود ( لعلهم يتفكرون ) يتدبرون فيها فيؤمنون
177. (
ساء ) بئس ( مثلاً القوم ) أي مثل القوم ( الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون ) بالتكذيب
178. ( من
يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون )
179. (
ولقد ذرأنا ) خلقنا ( لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ) الحق ( ولهم أعين لا يبصرون بها ) دلائل قدرة الله بصر اعتبار ( ولهم آذان لا يسمعون بها ) الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ ( أولئك كالأنعام ) في عدم الفقه والبصر والاستماع ( بل هم أضل ) من الأنعام لأنها تطلب منافعها وتهرب من مضارها
وهؤلاء يقدمون على النار معاندة ( أولئك هم الغافلون )
180. (
ولله الأسماء الحسنى )
التسعة والتسعون الوارد بها الحديث ، والحسنى مؤنث الأحسن ( فادعوه ) سموه ( بها وذروا ) اتركوا ( الذين يلحدون ) من ألحد ولحد ، يميلون عن الحق ( في أسمائه ) حيث اشتقوا منها أسماء لآلهتهم كاللات من الله والعزى
من العزيز ومناة من المنان (
سيجزون ) من الآخرة
جزاء ( ما كانوا
يعملون ) وهذا قبل
الأمر بالقتال
181. (
وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في حديث
182. (
والذين كذبوا بآياتنا )
القرآن من أهل مكة (
سنستدرجهم ) نأخذهم
قليلاً قليلاً ( من
حيث لا يعلمون )
183. (
وأملي لهم ) أمهلهم ( إن كيدي متين ) شديد لا يطاق
184. (
أولم يتفكروا ) فيعلموا ( ما بصاحبهم ) محمد صلى الله عليه وسلم ( من جنة ) جنون ( إن ) ما
( هو إلا
نذير مبين ) بيِّن
الإنذار
185. (
أولم ينظروا في ملكوت السماوات ) ملك
( والأرض و ) في ( ما خلق الله من شيء ) بيان لما ، فيستدلوا به على قدرة صانعه ووحدانيته ( و ) في
( أن ) أي أنه ( عسى أن يكون قد اقترب ) قرب ( أجلهم ) فيموتوا كفارا فيصيروا إلى النار فيبادروا إلى الإيمان
( فبأي حديث
بعده ) أي القرآن
( يؤمنون )
186. ( من
يضلل الله فلا هادي له ويذرهم )
بالياء والنون مع الرفع استئنافا والجزم عطفا على محل بعد الفاء ( في طغيانهم يعمهون ) يترددون تحيراً
187. (
يسألونك ) أي أهل مكة
( عن الساعة
) القيامة ( أيان ) متى ( مرساها قل ) لهم ( إنما علمها ) متى تكون ( عند ربي لا يجليها ) يظهرها ( لوقتها ) اللام بمعنى في ( إلا هو ثقلت ) عظمت ( في السماوات والأرض ) على أهلها لهولها ( لا تأتيكم إلا بغتة ) فجأة ( يسألونك كأنك حفي ) مبالغ في السؤال ( عنها ) حتى علمتها ( قل إنما علمها عند الله ) تأكيد ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أن علمها عنده تعالى
188. ( قل
لا أملك لنفسي نفعاً )
أجلبه ( ولا ضراً ) أدفعه ( إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب ) ما غاب عني ( لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ) من فقر وغيره لاحترازي عنه باجتناب المضار ( إن ) ما
( أنا إلا
نذير ) بالنار
للكافرين ( وبشير ) بالجنة ( لقوم يؤمنون )
189. ( هو
) أي الله ( الذي خلقكم من نفس واحدة ) أي آدم ( وجعل ) خلق ( منها زوجها ) حواء ( ليسكن إليها ) ويألفها ( فلما تغشاها ) جامعها ( حملت حملاً خفيفاً ) هو النطفة ( فمرت به ) ذهبت وجاءت لخفته ( فلما أثقلت ) بكبر الولد في بطنها وأشفقا أن يكون بهيمة ( دعوا الله ربهما لئن آتيتنا ) ولداً ( صالحاً ) سوياً ( لنكونن من الشاكرين ) لك عليه
190. (
فلما آتاهما ) ولداً ( صالحاً جعلا له شركاء ) وفي قراءة بكسر الشين والتنوين أي شريكا ( فيما آتاهما ) بتسميته عبد الحارث ولا ينبغي أن يكون عبداً إلا لله
، وليس بإشراك في العبودية لعصمة آدم وروى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
« لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان
لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته فكان ذلك من وحي الشيطان
وأمره » رواه الحاكم
وقال صحيح والترمذي وقال حسن غريب ( فتعالى الله عما يشركون ) أي أهل مكة به من الأصنام والجملة مسببة عطف على
خلقكم وما بينهما اعتراض
191. (
أيشركون ) به في
العبادة ( ما لا
يخلق شيئا وهم يخلقون )
192. (
ولا يستطيعون لهم ) أي
لعابديهم ( نصراً ولا
أنفسهم ينصرون )
بمنعها ممن أراد بهم سوءاً من كسر أو غيره والاستفهام للتوبيخ
193. (
وإن تدعوهم ) أي الأصنام
( إلى الهدى
لا يتبعوكم ) بالتخفيف
والتشديد ( سواء
عليكم أدعوتموهم )
إليه ( أم أنتم
صامتون ) عن دعائهم
لا يتبعوه لعدم سماعهم
194. ( إن
الذين تدعون ) تعبدون ( من دون الله عباد ) مملوكة ( أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ) دعاءكم ( إن كنتم صادقين ) في أنها آلهة
195. ثم بين غاية عجزهم وفضل عابديهم عليهم فقال ( ألهم أرجل يمشون بها أم ) بل أ ( لهم أيد ) جمع يد ( يبطشون بها أم ) بل أ ( لهم أعين يبصرون بها أم ) بل أ ( لهم آذان يسمعون بها ) استفهام إنكاري ، أي ليس لهم شيء من ذلك مما هو لكم
فكيف تعبدونهم وأنتم أتم حالاً منهم ( قل ) لهم
يا محمد ( ادعوا
شركاءكم ) إلى هلاكي
( ثم كيدون
فلا تنظرون ) تمهلون
فإني لا أبالي بكم
196. ( إن
وليي الله ) متولي
أموري ( الذي نزل
الكتاب ) القرآن ( وهو يتولى الصالحين ) بحفظه
197. (
والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ) فكيف أبالي بهم
198. (
وإن تدعوهم ) أي الأصنام
( إلى الهدى
لا يسمعوا وتراهم ) أي
الأصنام يا محمد (
ينظرون إليك ) أي
يقابلونك كالناظر ( وهم
لا يبصرون )
199. ( خذ
العفو ) اليسر من
أخلاق الناس ولا تبحث عنها (
وأمر بالعرف ) بالمعروف ( وأعرض عن الجاهلين ) فلا تقابلهم بسفههم
200. (
وإما ) فيه إدغام
نون إن الشرطية في ما المزيدة (
ينزغنك من الشيطان نزغ ) أي
إن يصرفك عما أمرت به صارف (
فاستعذ بالله ) جواب الشرط
وجواب الأمر محذوف أي يدفعه عنك ( إنه سميع ) للقول ( عليم ) بالفعل
201. ( إن
الذين اتقوا إذا مسهم )
أصابهم ( طيف ) وفي قراءة { طائف } أي شيء ألم بهم ( من الشيطان تذكروا ) عقاب الله وثوابه ( فإذا هم مبصرون ) الحق من غيره فيرجعون
202. (
وإخوانهم ) أي أخوان
الشياطين من الكفار (
يمدونهم ) أي
الشياطين ( في الغي
ثم ) هم ( لا يقصرون ) يكفون عنه بالتبصر كما تبصر المتقون
203. (
وإذا لم تأتهم ) أي
أهل مكة ( بآية ) مما اقترحوا ( قالوا لولا ) هلا ( اجتبيتها ) أنشأتها من قبل نفسك ( قل ) لهم
( إنما أتبع
ما يوحى إلي من ربي )
وليس لي أن آتي من عند نفسي بشيء ( هذا )
القرآن ( بصائر ) حجج ( من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
204. (
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) عن الكلام ( لعلكم ترحمون ) نزلت في ترك الكلام في الخطبة وعبر عنها بالقرآن
لاشتمالها عليه وقيل في قراءة القرآن مطلقاً
205. (
واذكر ربك في نفسك ) أي
سراً ( تضرعاً ) تذللاً ( وخيفةً ) خوفاً منه ( و ) فوق
السر ( دون الجهر
من القول ) أي قصداً
بينهما ( بالغدو
والآصال ) أوائل
النهار وأواخره (
ولا تكن من الغافلين ) عن
ذكر الله
206. ( إن
الذين عند ربك ) أي
الملائكة ( لا
يستكبرون ) يتكبرون ( عن عبادته ويسبحونه ) ينزهونه عما لا يليق به ( وله يسجدون ) أي يخصونه بالخضوع والعبادة فكونوا مثلهم