تفسير البغوي

57 - تفسير البغوي سورة الحديد

التالي السابق

سورة الحديد

مدنية وآياتها تسع وعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 1 ) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 2 ) هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 3 )

( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ) يعني هو « الأول » قبل كل شيء بلا ابتداء، كان هو ولم يكن شيء موجودًا و « الآخر » بعد فناء كل شيء، بلا انتهاء تفنى الأشياء ويبقى هو، و « الظاهر » الغالب العالي على كل شيء و « الباطن » العالم بكل شيء، هذا معنى قول ابن عباس .

وقال يمان: « هو الأول » القديم و « الآخر » الرحيم و « الظاهر » الحليم و « الباطن » العليم.

وقال السدي: هو الأول ببره إذ عرَّفك توحيده، والآخر بجوده إذْ عرَّفك التوبة على ما جنيت، والظاهر بتوفيقه إذْ وفقك للسجود لهُ والباطن بستره إذْ عصيته فستر عليك.

وقال الجنيد: هو الأول بشرح القلوب، والآخر بغفران الذنوب، والظاهر بكشف الكروب، والباطن بعلم الغيوب. وسأل عمر - رضي الله تعالى عنه - كعبًا عن هذه الآية فقال: معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن.

( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغفار بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني زهير ابن حرب، حدثنا جرير عن سهيل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول: « اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منـزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقضِ عني الدين واغنني من الفقر » . وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 4 ) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ( 5 ) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 6 ) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ( 7 )

( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) .

( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) يخاطب كفار مكة ( وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ) مملَّكين فيه: يعني: المال الذي كان بيد غيرهم فأهلكهم وأعطاه قريشًا فكانوا في ذلك المال خلفاء عمن مضوا. ( فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) .

وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 8 ) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ( 9 ) وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 10 )

( وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ ) قرأ أبو عمرو: « أُخِذ » بضم الهمزة وكسر الخاء ( مِيثَاقَكُمْ ) برفع القاف على ما لم يسمَّ فاعله. وقرأ الآخرون بفتح الهمزة والخاء والقاف، أي: أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السلام بأن الله ربكم لا إله لكم سواه، قاله مجاهد.

وقيل: أخذ ميثاقكم بإقامة الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) يومًا، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والإعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونـزول القرآن. ( هُوَ الَّذِي يُنَـزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ ) محمد صلى الله عليه وسلم ( آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) [ يعني القرآن ] . ( لِيُخْرِجَكُمْ ) الله بالقرآن ( مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) وقيل: ليخرجكم الرسول بالدعوة من الظلمات إلى النور أي من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان ( وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) .

( وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول: أي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب من الله وأنتم ميتون تاركون أموالكم ثم بين فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله وبالجهاد فقال: ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ) يعني فتح مكة في قول أكثر المفسرين، وقال الشعبي: هو صلح الحديبية ( وَقَاتَلَ ) يقول: لا يستوي في الفضل من أنفق ماله وقاتل العدو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة مع من أنفق وقاتل بعده ( أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ) وروى محمد بن فضيل عن الكلبي أن هذه الآية نـزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فإنه أول من أسلم وأول من أنفق ماله في سبيل الله .

وقال عبد الله بن مسعود: أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر.

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب، أخبرنا محمد بن يونس، حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، حدثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق رضي الله عنهُ، وعليه عباءة قد خلَّها في صدره بخلال، فنـزل عليه جبريل فقال: مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال؟ فقال: « أنفق ماله عليَّ قبل الفتح » قال: فإن الله عز وجل يقول: اقرأ عليه السلام وقل له: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا أبا بكر إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك: أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال أبو بكر: أأسخط على ربي؟ إني عن ربي راضٍ إني عن ربي راضٍ . »

( وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) أي كلا الفريقين وعدهم الله الجنة . قال عطاء: درجات الجنة تتفاضل، فالذين أنفقوا قبل الفتح في أفضلها. وقرأ ابن عامر: " وكلٌّ " بالرفع ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) . مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ( 11 )

 

 

يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 12 ) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ( 13 )

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ * يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ يعني على الصراط ( بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ) يعني عن أيمانهم. قال بعضهم: أراد جميع جوانبهم، فعبر بالبعض عن الكل وذلك دليلهم إلى الجنة.

وقال قتادة: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء ودون ذلك حتى أن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه »

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نورا من نوره أعلى إبهامه فيطفأ مرة ويَقِدُ مرة.

وقال الضحاك ومقاتل: « يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم » كتبهم، يريد أن كتبهم التي أعطوها بأيمانهم ونورهم بين أيديهم . وتقول لهم الملائكة: ( بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا ) قرأ الأعمش وحمزة : « أَنِظرونا » بفتح الهمزة وكسر الظاء يعني أمهلونا. وقيل انتظرونا. وقرأ الآخرون بحذف الألف في الوصل وضمها في الابتداء وضم الظاء، تقول العرب: انْظُرْني وأَنْظِرْني، يعني انتظرني. ( نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ ) نستضيء من نوركم، وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نورًا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط، ويعطي المنافقين أيضا نورًا خديعةً لهم، وهو قوله عز وجل وَهُوَ خَادِعُهُمْ ( النساء - 142 ) فبيناهم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحًا وظلمة فأطفأت نور المنافقين، فذلك قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ( التحريم - 8 ) مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين. وقال الكلبي: بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين، ولا يعطون النور، فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين، انظرونا نقتبس من نوركم

( قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ ) قال ابن عباس: يقول لهم المؤمنون وقال قتادة: تقول لهم الملائكة: ارجعوا وراءكم من حيث جئتم

( فَالْتَمِسُوا نُورًا ) فاطلبوا هناك لأنفسكم نورًا فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئًا فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين، وهو قوله: ( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ ) أي سور، و « الباء » صلة يعني بين المؤمنين والمنافقين وهو حائط بين الجنة والنار ( لَه ) أي لذلك السور ( بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ) أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة ( وَظَاهِرُه ) أي خارج ذلك السور ( مِنْ قِبَلِهِ ) أي من قبل ذلك الظاهر ( الْعَذَابُ ) وهو النار.

يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( 14 )

( يُنَادُونَهُم ) روي عن عبد الله بن عمر قال: إن السور الذي ذكر الله تعالى في القرآن فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم .

وقال شريح: كان كعب يقول: في الباب الذي يسمى « باب الرحمة » في بيت المقدس: إنه الباب الذي قال الله عز وجل: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ الآية . « ينادونهم » يعني: ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور حين حجز بينهم بالسور وبقوا في الظلمة:

( أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ) في الدنيا نصلي ونصوم؟ ( قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ) أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات وكلها فتنة ( وَتَرَبَّصْتُم ) بالإيمان والتوبة. قال مقاتل: وتربصتم الموت وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منهُ ( وَارْتَبْتُمْ ) شككتم في نبوته وفيما أوعدكم به ( وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِي ) الأباطيل وما كنتم تتمنون من نـزول الدوائر بالمؤمنين ( حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ ) يعني الموت ( وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) يعني الشيطان، قال قتادة: ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار .

فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 15 ) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ( 16 )

( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ ) قرأ أبو جعفر، وابن عامر، ويعقوب: « تؤخذ » بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء ( فِدْيَةٌ ) بدل وعوض بأن تُفْدوا أنفسكم من العذاب ( وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يعني المشركين ( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) صاحبكم وأولى بكم، لما أسلفتم من الذنوب ( وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) قوله عز وجل: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) قال الكلبي ومقاتل: نـزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنـزلت: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ( يوسف - 3 ) فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصا من غيره، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء اللهُ، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنـزل: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ( الزمر - 23 ) فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنـزلت هذه الآية. فعلى هذا التأويل، قوله « ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله » يعني في العلانية وباللسان.

وقال آخرون نـزلت في المؤمنين قال عبد الله بن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: « ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله » إلا أربع سنين .

وقال ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نـزول القرآن، فقال: « ألم يأن » ألم يَحِنْ للذين آمنوا أن تخشع: تَرِقَّ وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله ( وَمَا نـزلَ ) قرأ نافع وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي وقرأ الآخرون بتشديدها ( مِنَ الْحَقِّ ) وهو القرآن ( وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ ) وهم اليهود والنصارى ( فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ ) الزمان بينهم وبين أنبيائهم ( فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) قال ابن عباس: مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله والمعنى أن الله عز وجل ينهي المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر.

روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قرَّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤا القرآن فقال لهم: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم .

( وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 17 ) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ( 18 )

( اعلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يُحيِي الأرضَ بَعدَ مَوتِهَا قَد بَيَّنَا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ * إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ ) قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من « التصديق » أي: المؤمنين والمؤمنات، وقرأ الآخرون بتشديدهما أي المتصدقين والمتصدقات أدغمت التاء في الصاد ( وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ) بالصدقة والنفقة في سبيل الله عز وجل ( يُضَاعَفُ لَهُمُ ) ذلك القرض ( وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) ثواب حسن وهو الجنة.

 

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ( 19 )

( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) والصدِّيق: الكثيرالصدق، قال مجاهد: كل من آمن بالله ورسوله فهو صديق وتلا هذه الآية.

قال الضحاك: هم ثمانية نفر من هذه الأمة، سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام: أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته. ( وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) اختلفوا في نظم هذه الآية، منهم من قال: هي متصلة بما قبلها، و « الواو » واو النسق، وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين. قال الضحاك: هم الذين سميناهم. قال مجاهد: كل مؤمن صديق شهيد، وتلا هذه الآية .

وقال قوم: تم الكلام عند قوله: « هم الصديقون » ثم ابتدأ فقال: والشهداء عند ربهم، و « الواو » واو الاستئناف، وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة. ثم اختلفوا فيهم فقال قوم: هم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم يوم القيامة، يروى ذلك عن ابن عباس هو قول مقاتل بن حيان. وقال مقاتل بن سليمان: هم الذين استشهدوا في سبيل الله .

( لَهُمْ أَجْرُهُمْ ) بما عملوا من العمل الصالح ( وَنُورُهُم ) على الصراط ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ( 20 )

قوله عز وجل: ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) أي: أن الحياة الدنيا، و « ما » صلة، أي: إن الحياة في هذه الدار ( لَعِب ) باطل لا حاصل له ( وَلَهْوٌ ) فرح ثم ينقضي ( وَزِينَة ) منظر تتزينون به ( وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ) يَفْخر به بعضكم على بعض ( وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ ) أي: مباهاة بكثرة الأموال والأولاد، ثم ضرب لها مثلا فقال: ( كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ ) أي: الزراع ( نَبَاتُه ) ما نبت من ذلك الغيث ( ثُمَّ يَهِيجُ ) ييبس ( فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ) بعد خضرته ونضرته ( ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ) يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى ( وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) قال مقاتل: لأعداء الله ( وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ) لأوليائه وأهل طاعته.

( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) قال سعيد بن جبير: متاع الغرور لمن يشتغل فيها بطلب الآخرة، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه

سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( 21 ) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( 22 ) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ( 23 ) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ( 24 )

( سَابِقُوا ) سارعوا ( إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ) لو وُصل بعضها ببعض ( أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) فبين أن أحدًا لا يدخل الجنة إلا بفضل الله. قوله عز وجل: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ ) يعني: قحط المطر وقلة النبات ونقص الثمار ( وَلا فِي أَنْفُسِكُم ) يعني: الأمراض وفقد الأولاد ( إِلا فِي كِتَابٍ ) يعني: اللوح المحفوظ ( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ) من قبل أن نخلق الأرض والأنفس. قال ابن عباس: من قبل أن نبرأ المصيبة. وقال أبو العالية: يعني النَّسَمَة ( إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) أي إثبات ذلك على كثرته هيِّن على الله عز وجل. ( لِكَيْلا تَأْسَوْا ) تحزنوا ( عَلَى مَا فَاتَكُمْ ) من الدنيا ( وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) قرأ أبو عمرو بقصر الألف، لقوله « فاتكم » فجعل الفعل لهُ وقرأ الآخرون ( آتَاكُمْ ) بمد الألف، أي: أعطاكم. قال عكرمة: ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرًا والحزن صبرًا ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) متكبر بما أوتي من الدنيا « فخور » يفخر به على الناس.

قال جعفر بن محمد الصادق: يا ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يرده إليك الفوت، ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت . ( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ) قيل: هو في محل الخفض على نعت المختال. وقيل: هو رفع بالابتداء وخبره فيما بعده. ( وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَل ) أي: يعرض عن الإيمان ( فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) قرأ أهل المدينة والشام: « فإن الله الغني » بإسقاط « هو » وكذلك هو في مصاحفهم.

 

 

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( 25 )

قوله عز وجل ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ) بالآيات والحجج ( وَأَنـزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ) يعني: العدل. وقال مقاتل بن سليمان: هو ما يوزن به أي: ووضعنا الميزان كما قال: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ( الرحمن - 7 ) ( لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) ليتعاملوا بينهم بالعدل.

( وَأَنـزلْنَا الْحَدِيد ) روي عن ابن عمر يرفعه: إن الله أنـزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد والنار والماء والملح وقال أهل المعاني معنى قوله: « أنـزلنا الحديد » [ أنشأنا وأحدثنا أي: أخرج لهم الحديد ] من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه.

وقال قطرب هذا من النـزل كما يقال: أنـزل الأمير على فلان نـزلا حسنًا فمعنى الآية: أنه جعل ذلك نـزلا لهم. ومثله قوله: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ( الزمر - 6 ) . ( فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) قوة شديدة يعني: السلاح للحرب. قال مجاهد: فيه جنة وسلاح يعني آلة الدفع وآلة الضرب ( وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) مما ينتفعون به في مصالحهم كالسكين والفأس والإبرة ونحوها إذ هو آلة لكل صنعة ( وَلِيَعْلَمَ اللَّه ) أي: أرسلنا رسلنا وأنـزلنا معهم هذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق والعدل وليعلَم الله وليرى الله ( مَنْ يَنْصُرُهُ ) أي: دينه ( وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ) أي: قام بنصرة الدين ولم ير الله ولا الآخرة، وإنما يحمد ويثاب من أطاع الله بالغيب ( إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) قوي في أمره، عزيز في ملكه.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ( 26 ) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ( 27 )

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) [ على دينه ] ( رَأْفَةً ) وهي أشد الرقة ( وَرَحْمَةً ) كانوا متوادين بعضهم لبعض، كما قال الله تعالى في وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ( الفتح - 29 ) ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ) من قبل أنفسهم، وليس هذا بعطف على ما قبله، وانتصابه بفعل مضمر كأنه قال: وابتدعوا رهبانية أي جاءوا بها من قِبَل أنفسهم ( مَا كَتَبْنَاهَا ) أي ما فرضناها ( عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّه ) يعني: ولكنهم ابتغوا رضوان الله بتلك الرهبانية، وتلك الرهبانية ما حملوا أنفسهم من المشاق في الامتناع من المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد في الجبال ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) أي لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها بل ضيعوها وكفروا بدين عيسى فتهودوا وتنصروا ودخلوا في دين ملوكهم وتركوا الترهُّب، وأقام منهم أناس على دين عيسى عليه الصلاة والسلام حتى أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم فآمنوا به، وذلك قوله تعالى: ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُم ) وهم الذين ثبتوا عليها وهم أهل الرأفة والرحمة ( وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) وهم الذين تركوا الرهبانية وكفروا بدين عيسى عليه الصلاة والسلام.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أنبأني عبد الله بن حامد، أخبرنا أحمد بن عبد الله المزني حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا الصعق بن حَزْن، عن عقيل الجعدي عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة، نجا منها ثلاث وهلك سائرهن، فرقة آزت الملوك وقاتلوهم على دين عيسى عليه الصلاة والسلام، فأخذوهم وقتلوهم، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى عليه السلام فساحوا في البلاد وترهبوا وهم الذين قال الله عز وجل فيهم: « ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم » فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون » .

وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: يا ابن أم عبد هل تدري من أين اتخذت بنو إسرائيل الرهبانية؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم، فَهُزِم أهل الإيمان ثلاث مرات، فلم يبق منهم إلا القليل، فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو له فقالوا: تعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه السلام، يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم فتفرقوا في غيران الجبال، وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر، ثم تلا هذه الآية: « وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا » الآية. « فآتينا الذين آمنوا منهم » يعني من ثبتوا عليها أجرهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: الهجرة والجهاد، والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع

وروي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن لكل أمة رهبانية، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله »

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت ملوك بعد عيسى عليه السلام بدلوا التوارة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرؤن التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله فقيل لملوكهم: لو جمعتهم هؤلاء الذين شقوا عليكم فقتلتموهم أو دخلوا فيما نحن فيه، فجمعهم ملوكهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها فقالوا: نحن نكفيكم أنفسنا فقالت طائفة: ابنوا لنا أسطوانة، ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا ولا نرد عليكم، وقالت طائفة: دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش، فإن قدرتم علينا بأرض فاقتلونا وقالت طائفة: ابنوا لنا دورا في الفيافي نحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نَرِد عليكم ولا نمر بكم، ففعلوا بهم ذلك فمضى أولئك على منهاج عيسى عليه الصلاة والسلام، وخلف قوم من بعدهم ممن قد غيَّر الكتاب، فجعل الرجل يقول: نكون في مكان فلان فنتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورًا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم، فذلك قوله عز وجل: « ورهبانية ابتدعوها » أي ابتدعها هؤلاء الصالحون ( فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ) يعني الآخرين الذين جاؤا من بعدهم ( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُم ) يعني الذين ابتدعوها ابتغاء رضوان الله « وكثير منهم فاسقون » هم الذين جاءوا من بعدهم، قال: فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا قليل انحط رجل من صومعته وجاء سياح من سياحته وصاحب دير من ديره وآمنوا به

فقال الله عز وجل:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 28 ) لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( 29 )

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ) الخطاب لأهل الكتابين من اليهود والنصارى، يقول: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله في محمد صلى الله عليه وسلم ( وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) محمد صلى الله عليه وسلم ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ ) نصيبين ( مِنْ رَحْمَتِهِ ) يعني يؤتكم أجرين لإيمانكم بعيسى عليه الصلاة والسلام، والإنجيل وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.

وقال قوم: انقطع الكلام عند قوله وَرَحْمَةً ثم ابتدأ: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا وذلك أنهم تركوا الحق فأكلوا الخنـزير وشربوا الخمر وتركوا الوضوء والغسل من الجنابة والختان، فما رعوها يعني: الطاعة والملة حَقَّ رِعَايَتِهَا كناية عن غير مذكور فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وهم أهل الرأفة والرحمة وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ وهم الذين ابتدعواالرهبانية، وإليه ذهب مجاهد.

معنى قوله: إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ [ على هذا التأويل: ما أمرناهم وما كتبنا عليهم إلا ابتغاء رضوان الله، وما أمرناهم بالترهب ] .

قوله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) بموسى وعيسى ( اتَّقُوا اللَّهَ ) وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم « يؤتكم كفلين من رحمته » .

وروينا عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعبد أحسن عبادة الله ونصح سيده »

( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ) قال ابن عباس ومقاتل: يعني على الصراط، كما قال: نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ( التحريم - 8 ) ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النور هو القرآن. وقال مجاهد: هو الهدى والبيان، أي يجعل لكم سبيلا واضحًا في الدين تهتدون به ( وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) وقيل: لما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله عز وجل: أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ ( القصص - 54 ) قالوا للمسلمين: أما من آمن منا بكتابكم فله أجره مرتين لإيمانه بكتابكم وبكتابنا وأما من لم يؤمن منا فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا؟ فأنـزل الله تعالى: « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته » فجعل لهم الأجرين إذا آمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وزادهم النور والمغفرة ثم قال: ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) ( لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) قال قتادة: حسد الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب المؤمنين منهم فأنـزل الله تعالى « لئلا يعلم أهل الكتاب » .

قال مجاهد: قالت اليهود يوشك أن يخرج [ منا ] . نبي يقطع الأيدي والأرجل، فلما خرج من العرب كفروا به، فأنـزل الله تعالى « لئلا يعلم أهل الكتاب » أي ليعلم و « لا » صلة ( أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) أي ليعلم الذين لم يؤمنوا أنهم لا أجر لهم ولا نصيب لهم في فضل الله ( وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث عن نافع، عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ألا لكم الأجر مرتين، فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال الله تعالى: هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ » قالوا: لا قال: « فإنه فضلي أعطيه من شئت » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا إلى الليل على أجر معلوم فعملوا إلى نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملناه باطل، فقال لهم: لا تفعلوا أكملوا بقي عملكم، وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا واستأجر قوما آخرين بعدهم، فقال: أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال: أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير فأبوا فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس فاستكملوا أجر الفريقين كليهما فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور »

 

 

أعلى