الدعوة للإلحاد بين الخلل في التربية والقصور في التعليم

“ها هو الحصاد المر لانحدار القِيَم والمبادئ والأخلاق، يطِلُّ برأسه القبيح في صورة تدعو للحسرة، على شبابٍ غُيبت عقولهم، فافتتنوا في دينهم، حتى ظهر لنا أحد الذين أعلنوا عن إلحادهم بشكل علني”

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

فها هو الحصاد المر لانحدار القِيَم والمبادئ والأخلاق، يطِلُّ برأسه القبيح في صورة تدعو للحسرة، على شبابٍ غُيبت عقولهم، فافتتنوا في دينهم، حتى ظهر لنا أحد الذين أعلنوا عن إلحادهم بشكل علني، من خلال صفحته على الفيس بوك، وهو “ملحد مصري”، وله العديد من الفيديوهات المتداولة على موقع “اليوتيوب” تشرح في أجزاء منها “لماذا ألحد؟”، ولأول مرة أعلن الملحدون عن أول مجلة إلحادية شهرية إلكترونية “أنا أفكر” بالجهود الذاتية، ويتم تحميل أعدادها إلكترونيًّا، مؤكدين أنها الخطوة الأولى للتخلص من الخوف المجتمعي، ويرأس تحريرها شخص يدعى “أيمن غوجل” ويعلن على صفحته بالفيس بوك أنه صاحب الفكرة، ويهدف منها “الحياة السعيدة للملحدين” ويؤكد عبر المجلة – التي صدر منها خمسة أعداد – أنَّ الملحد إنسان يولد بالفطرة، ويعلن أنه جارٍ التفكيرُ في إصدار أعداد مطبوعة لنشر الفكر الإلحادي!

 

حمقى هم بلا شك، وخرقى هم ولا ريب!

{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5]، فهؤلاء هم نتاج الثقوب الخطيرة التي أصابت ثوب التربية، وهؤلاء هم الحصاد المر لنظام تعليمي تنقصه الجودة، وهاهم يعلنون (حرب الفكر) فماذا نحن فاعلون؟!

 

إسلامنا في خطر، وهُويتنا في خطر، والكيِّس الفطن من كان على حذر، فاللهَ اللهَ يا من أنتم خير أمة، والدِّينَ الدينَ يا من فيكم الخير إلى يوم الدين، لنقيَ أبناءنا شر هذا الفكر المريض، بتحصينهم وتثقيفهم، فلم يعُدْ مجديًا صم الآذان، مهما كانت الحقيقة صادمة، فالخطر محدق، والأمر جِدُّ خطير!

 

وهذه قصة للإمام الفحل أبو حنيفة، أحد الأئمة الأربعة مع بعض الملحدين، أوردها الشناوي في كتاب “الأئمة الأربعة”، تُبَيِّن أنَّ أهل الإلحاد مِنْ أضعف الخلق حُجةً، وأنَّ أهل الحق منصورون إلى قيام الساعة، فإليكموها:

كان الإمام أبو حنيفة نائمًا ورأى في منامه رؤيا عجيبة، فقد رأى خنزيرًا ينحت في شجرة وكاد يُسْقِطها إلى أن أتى فرعٌ صغير من هذه الشجرة فضرب الخنزير، فتحول الخنزير إلى عبدٍصالح جلس يعبد الله تحت الشجرة، فلما استيقظ الإمام أبو حنيفة ذهب مسرعًا إلى شيخه ومعلمه الشيخ (حماد بن سلمان)؛ حتى يفسر له ما رآه في منامه – وكان الإمام أبو حنيفة في ذلك الوقت لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره – فعندما وصل الإمام أبو حنيفة إلى شيخه وجده يعلوه الهم والحزن، فنسي أبو حنيفة ما كان من أمر رؤياه، وسأل شيخه: ماذا حدث يا شيخي، فإني أراك مهمومًا؟ فقال الشيخ حماد: يا أبا حنيفة، لقد أرسل إليَّ الخليفة يريدني أن أجادل مجموعة من الملحدين الذين لا يؤمنون بالله، ويقولون: إنه ليس للطبيعة خالق، وإنه -والله – لأمرٌ جَلَلٌ؛ فنحن لا نعرف قدر الذات الإلهية حتى نجادل فيها، فقال أبو حنيفة لشيخه: يا شيخي، دعني أذهب أنا مكانك لمجادلتهم، فإنْ حاججتهم فما بالُ الشيخ الكبير؟ وإن حاجوني فما أنا إلا تلميذٌ صغير، فقال له شيخه: اذهب على بركة الله يا أبا حنيفة، فذهب الإمام أبو حنيفة إلى قصر الخليفة، فوجد قومًا من الناس جلوسًا عند الخليفة، فقال الإمام أبو حنيفة: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، فلم يردَّ عليه السلام إلا الخليفة، وقليل من جلسائه، فقال الخليفة: أين شيخك حمادُ بن سلمان؟ لقد أرسلْتُ في طلبه، فلماذا لم يحضُرْ؟ فقال أبو حنيفة: “لقد أرسلني شيخي لأُمَثِّلَه”، فجلس الإمام أبو حنيفة عند القوم يطلب منهم أن يسألوه أسئلتهم ليرد عليها، فقال رجل – وهو رأس الملحدين -: يا أبا حنيفة، لماذا لم يحضر شيخك، أليس لديه من العلم الكثير ليحاججنا؟ فقال أبو حنيفة: إنَّ شيخي هو شجرة تثمر علمًا، ولكنكم لستم أهلاً لأن تجلسوا مع شيخي حماد بن سلمان، فقال الخليفة: هيا لنبدأ الحوار، وبدأت المجادلة بسؤال من الملحدين.

 

الملحدون يسألون: يا أبا حنيفة، هل رأيت ربك؟

أبو حنيفة يرد: سبحانه ربي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار!

 

الملحدون يقولون: نحن لا نؤمن بمثل هذا الكلام، نحن نؤمن بالطبيعة، فَأْتِ لنا بمثال من الطبيعة.

أبو حنيفة يقول: إذًا هذا مثال: إذا كنتم جلوسًا عند رجل حضرتْهُ سكرات الموت، فعندما يموت الرجل ماذا يخرج منه؟

 

قالوا: تخرج روحه.

قال الإمام: تخرج روحه أمامكم فهل ترونها؟

 

قالوا: لا.

قال الإمام: هكذا الروح فقد خلقها الله ولا ترونها، فكيف ترون الخالق؟!

وهكذا طغت عليهم الحجة، ولكنهم أرادوا أن يتداركوا الموقف، فسألوه سؤالاً آخر.

قال الملحدون: يا أبا حنيفة، في أي اتجاه يتجه ربك؟

قال الإمام:  {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115].

قال الملحدون: نحن لا نؤمن بالقرآن، ائتنا بمثال من الطبيعة.

قال الإمام: إذا كنتم في غرفة مظلمة، وأضأتم مصباحًا، ففي أي اتجاه يكون النور؟

قالوا: يكون النور في كل الاتجاهات.

فقال أبو حنيفة: هكذا ربي يكون، فهو نور على نور.

وأخذوا يسألون الإمام أبا حنيفة، ويرد عليهم بالحجج، إلى أن وصلوا إلى سؤالهم الأخير.

 

قال الملحدون: يا أبا حنيفة، تقولون في دينكم: إنَّ الجانَّ قد خُلق من النار، فكيف يعذبه الله في النار؟ أي كيف يعذِّب النارَ بالنارِ؟!
قال الإمام أبو حنيفة: إنَّ هذا السؤال يحتاج إلى وسيلة إيضاح من الطبيعة، فانحنى الإمام أبو حنيفة، والتقط قالبًا من الأرض، وضرب به رأس رجل من الملحدين.

 

قال الخليفة: ماذا تفعل يا أبا حنيفة؟!

 

قال الإمام: إنَّ هذا مجرد مثال للإيضاح؛ فإنَّ هذا القالب قد خُلِقَ من طين، فانظر كيف عُذِّبَ الطين بالطين، كذلك يعذب الله النارَ بالنار.

فأُعجب الجميع من فصاحة الإمام وعلْمِهِ، وتوجه رأس الملحدين إلى الإمام أبي حنيفة قائلاً: يا أبا حنيفة، دُلني على شيخك؛ لأكون تلميذًا تحت قدميه.

 

وهكذا عَلِمَ أبو حنيفة تأويل رؤياه التي رآها في منامه؛ فالخنزير هو رأس الملحدين، والشجرة هي شجرة العلم، وهي (شيخه حماد بن سلمان)، أما الفرع الصغير، فهو أبو حنيفة الذى حاجج الملحدين، وجعلهم تلاميذ عند شيخه حماد بن سلمان.

 

وقال الشيخ عبدالرحمن حسن حبنَّكة الميداني في مقدمة كتاب “كواشف زُيُوف”: “قال الله – عزَّ وجلَّ – في أواسط العهد المدني في سورة الصف: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 8، 9].

 

وقال الله – عزَّ وجلَّ – في أواخر العهد المدني في سورة التوبة: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 32، 33].

 

النص الأول يشير إلى إعداد الكافرين الوسائلَ التمهيدية؛ ابتغاء إطفاء نور الله بأفواههم، والنص الثاني يشير إلى إرادة الكافرين إطفاء نور الله بأفواههم بعد أن استكملوا إعداد الوسائل بحسب تصورهم؛ لذلك كان النصُّ الأول مشتملاً على قوله تعالى: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} بهدوء المتمكن الواثق من قوة نفسه، وعجز عدوه، وكان النص الثاني مشتملاً على قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} بتعبيرٍ فيه حركة الناهض بكل قوته لقمع عدوه، وإحباط وسائله، وإدحاض باطِلِهِ”.

 

وأخيرًا – وليس بآخر – “كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرةً تقطع دابرهم، لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وَفى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور، وطمأنينة النفوس، ولا أفاد كلامه العلم واليقين”؛ قاله شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل 1/357.

 

اللَّهم أعزَّ الإسلام، وانصر المسلمين، وأعلِ بفضلك كلمتَيِ الحق والدين، وصلِّ يا رب، وسلِّم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

__________________________________________________________

الكاتب: د. خاطر الشافعي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *