السفير الشهيد البطل (مصعب بن عمير رضى الله عنه) – محمد سيد حسين عبد الواحد

منذ حوالي ساعة

إذا كنا يومنا هذا نتحدث عن الشهداء ومنازل الشهداء وكرامة الشهداء عند الله تعالى فحسبنا أن نتحدث عن ذلك من خلال سيرة سيد من سادات الشهداء، وبطل من أبطال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم  ..

عناصرُ الموضوع: 
=============

أولًا: أعلى منازل القوم في الآخرة منازل الذين أنعم الله عليهم. 

ثانيًا: السفير الشهيد مصعب بن عمير رضى الله عنه. 

ثالثًا: الواجب العملي. 

   المـــوضــــــــــوع: 
إذا كنا يومنا هذا نتحدث عن الشهداء ومنازل الشهداء وكرامة الشهداء عند الله تعالى فحسبنا أن نتحدث عن ذلك من خلال سيرة سيد من سادات الشهداء، وبطل من أبطال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم  .. 
إنه السفير الشهيد البطل(مصعب بن عمير) وإن شئتم فقولوا (مصعب الخير) لأن الإسلام دخل بيوتات المدينة على يديه، إمام من أئمة الهدى ومصباح من مصابيح الدجى رضي الله تعالى عنه وأرضاه.. 

قال ابن الأثير في كتابه “أُسْدُ الغابة في معرفة الصحابة”: 
كان مصعب بن عمير من فضلاء الصحابة وخيارهم ومن السابقين إلى الإسلام، أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفاً من أمه وقومه.. 

قال: وكان مصعب يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (سراً) فبَصُرَ به عثمان بن طلحة يصلي، فأعلمَ أهله وأمه فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوساً، قد جردته أمه من جميع المال والجمال والمتاع، بل ورد أنها أخرجته من بيتها فقالت له اذهب فلم أعد لك بأم، فبقى رضى الله عنه كذلك إلى أن فرَّ بدينه مهاجر إلى الحبشة فبقى بها غريبا ما شاء الله، ثم إنه عاد منها إلى مكة.. 

وبعد بيعة العقبة الأولى سنة (12 هجرية) أرسل رسول الله عميرا (سفيراً) إلى أهل المدينة وداعيا إلى الإسلام، وإماما يصلي بالمسلمين الجمعة والأوقات جميعها ويقرأ عليهم القرآن، لتأتي جميع البيوتات التي دخلت الإسلام على يدي (مصعب) في ميزان حسنات (مصعب) كما ستأتي الأمة كلها في ميزان النبي محمد صلى الله عليه وسلّم.. 

ثم إنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مع السبعين الذين قدموا عليه في العقبة الثانية فأقام بمكة قليلا ثم عاد إلى المدينة المنورة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إليها في السنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية.. 

مصعب بن عمير رضى الله عنه: ترك الدنيا بمتاعها من أجل الآخرة ونعيمها، رضي بالهجرة بعد القرار، وقنع الجوع بعد الشبع، واطمأن للفقر بعد الغنى، واستبشر بالعذاب بعد النعيم، إنه غرة فتيان قريش ( مصعب) رضى الله عنه، أوفى الشباب بهاءً ونضرة وجمالاً ( مصعب) رضى الله عنه ، زهرة الشباب ( مصعب) رضى الله عنه،  الفتى الريان المدلل، المترف المنعم (مصعب بن عمير) رضى الله عنه

أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء أن  النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى مصعب مقبلاً إليه بعد إسلامه وبعد أن جردته أمه من المال والمتاع،  نظر النبي إليه مقبلاً إليه وعليه إهاب كبش قد تنطّق به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى هذا الرجل الذي نوّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حبّ الله ورسوله إلى ما ترون..

وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: “كنا قوماً يصيبنا صلف العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته، فلما أصابنا البلاء اعتزمنا لذلك، وصبرنا له، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة، وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جَهِدَ في الإِسلام جَهْدا شديداً، حتّى لقد رأيت جلده يسقط كما يسقط جلد الحية”.

هاجر الهجرتين، وشهد بدراً، وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وفي شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة، وقعت أحداث غزوة أُحُدٍ.. 

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد عهد بلواء المسلمين إلى مصعب، فلما دارت الدائرة على المسلمين، وفرَّ من المسلمين من فرَّ، وثبت مصعب رضى الله عنه يحفظ راية المسلمين أن تسقط، ويحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من كيد قريش.. 

وكان ما خشى منه مصعب..  
أقبل (ابن قمئة الليثي) في نفر من قريش يود أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فلما رأى (مصعب) حسبه (رسول الله) لشبه كان بين رسول الله وبين مصعب.. 

فهجم الجميع عليه، فقاتل مصعب بن عمير بضراوة بالغة، وكان لواء المسلمين بيده، فضربوه على يده اليمني حتى قطعت، فأخذ اللواء بيده اليسري، وصمد في وجوه الكفار حتى قطعت يده اليسري، ثم برك على اللواء بصدره وعنقه وهو يقرأ {{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}} ولم يزل يرددها حتى قتل، وكان الذي قتله هو عدو الله ابن قميئة، وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبهه به” 

فلما تبين لهم أنه مصعب وليس رسول الله خلص ابن قميئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فضربه على عاتقه وقال خذها وأنا ابن قمئة فقال له النبي عليه الصلاة والسلام (أقماك الله) 

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ولاذت قريش بالفرار قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتكئ على رجلين فجعل ينظر إلى أصحابه الذين قتلوا في سبيل الله فإذا بينهم (مصعب) .. 

قال أبو هريرة رضي الله عنه: وحين انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد مرَّ على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأسه ودعا له ثم قرأ هذه الآية: {{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}} ثم ألقى في أسى نظرة على بُردته التي كُفّن بها وقال “لقد رأيتك بمكة، وما بها أرقَّ حُلة، ولا أحسن لَمّة منك. ثم ها أنتذا شعث الرأس في بردة” .

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن هؤلاء (شهداء) عند الله يوم القيامة فأتوهم وزروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه)

فارَق مصعب بن عمير رضي الله عنه الدنيا شهيداً، تاركاً المال والجاه والنعيم، وآثر الآخرة وما عند الله تعالى، لسان حاله {﴿قُلْ مَتَٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلْءَاخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾}

قال الخَبَّابُ رضي الله عنه هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا نُكَفِّنُهُ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ بِهَا رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ إِذْخِرًا ( حشيشة نجيلية يشبه طعمها الليمون) وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ (يَهْدِبُهَا) يَعْنِي يَجْتَنِيهَا.. 

وفي نفس السياق ورد أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ « قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ» 

{﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾﴿ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا۟ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾}

باع مصعب الدنيا بمتاعها ونعيمها، واشتري الآخرة ببقاءها وخلودها ، ودفع الثمن من نفسه وماله وإيمانه وإخلاصه، ودفاعه وحبه للنبي عليه الصلاة والسلام {﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءَانِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِ ۚ فَٱسْتَبْشِرُوا۟ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِۦ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ }

تسرح أرواح الشهداء في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فاطلع إليهم ربك اطلاعة فقال هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ 
قالوا ربنا وما نستزيد ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا ثم اطلع إليهم الثانية فقال هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ 
فلما رأوا أنهم لن يتركوا قالوا تعيد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى.. 

 نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا عيش السعداء، وكرامة الشهداء، ومرافقة الأنبياء إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير. 

الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن كرامة الشهداء عند رب الأرض والسموات..  بقى لنا أن نقول وماذا يراد منا؟ 

بعد ما سمعنا ما سمعنا يراد منا حتى نكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. يراد منا أن نعمل بطاعة الله ورسوله، فطاعة الله تعالى هى السبيل إلى مرضاة الله عز وجل، طاعة الله تعالى هى السبيل إلى صحبة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .. 

يراد منا أن نتعرف سيرة النبي صلى الله عليه وسلّم، وسيرة الأبطال من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، يراد منا أن نحب النبي صلى الله عليه وسلّم، ونحب جميع الأنبياء، ونحب أصحاب رسول الله ونحب الصديقين والشهداء والصالحين، رجاء أن يحشرنا الله معهم بحبنا لهم.. 

قال أحد الصحابة: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَادَاهُ رَجُلٌ كَانَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ أَعْرَابِيٌّ جِلْفٌ جَافٍ.. 

فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ مَهْ إِنَّكَ قَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذَا !! فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ صَوْتِهِ هَاؤُمُ.. 
فَقَالَ الأعرابيُّ( الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» 

يراد منا بعد ما سمعنا ما سمعنا أن (نوازن) بين العمل للدنيا وبين العمل للآخرة  ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً). 
يراد منا أن نحرص على العمل لآخرتنا كما نحرص على العمل لدنيانا، يراد منا أن نتقن العمل لآخرتنا كما نتقن العمل لدنيانا، يراد منا الإخلاص في العمل للآخرة كما نخلص في العمل للدنيا.. 

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يردنا إليه ردًا جميلاً، وأن يصلح أحوالنا أجمعين..  آمين. 
 ———————————————————————————–
✍جمعها، وأعدها، وراجعها بقدر المستطاع، وكتبها : خادم الدعوة
الشيخ /محمد سيد حسين عبد الواحد.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *