ملل النعمة – طريق الإسلام

“أن تنام وتصبح في نفس نعم الأمس دون أن تتبدَّل أو يسلبها الله منك، هذه من أكبر النعم التي نغفل عنها وننساها مع الأسف بسبب كثرة الانشغالات بالحياة المادية”

قالت: أشعر بالملل من حياتي، ما أبات فيه أصبح فيه، لا تجديد ولا جديد، أستيقظ مبكرًا، أصلي ثم أُعِدُّ الإفطار لأولادي، ثم أجهزهم للذهاب إلى المدرسة، أرتِّب البيت ثم أُعِدُّ الغداء قبل رجوع الأولاد من المدرسة، نتغدى ثم ننام بضع ساعات ثم نستيقظ ليقوم الأولاد بأداء واجباتهم المدرسية، ثم ننام مبكرًا، ونُكرِّر الكرة كل يومٍ، فهل لمشكلتي من حَلٍّ؟

 

قلت لها: أشعر بك حبيبتي، ومُقدِّرة لمشاعرك ومتفهمة لها، قد نمُرُّ ببعض هذه المشاعر أحيانًا وما تحتاجين إليه حبيبتي في المقام الأول هو استشعار نِعَم الله علينا وشكرها، ومحاولة التكيُّف مع حياتنا كما هي، وعدم النظر إلى مَنْ هم أعلى منا؛ بل النظر إلى مَنْ هم دوننا.

 

مجرد أن تنامي ثم تستيقظي، هذه نعمة كبيرة حُرِم منها الكثيرون ممن مات ولم يعد موجودًا الآن، أتعلمين كم شخص يُحرَم منها يوميًّا؟ أعداد كبيرة من الناس كل يوم تفقد نعمة الحياة ونعمة معيشة يوم جديد، وأنتِ بفضل الله تتنعمين بتلك الهبة، ولا بد أنك سمعتِ عمَّن مات في الزلازل الأخيرة وإعصار ليبيا، كيف كانوا نيامًا فأتاهم أجلهم بياتًا وهم نائمون، ألا يجعلك ذلك تحمدين الله على هذه النعمة وتستغلينها أفضل استغلال؟

 

أن تصلي لله وتسجدي له وتعبديه، أليست نعمة حُرِم منها ثلاثة أرباع العالم من غير المسلمين.

 

أن تستطيعي أن تسجدي على الأرض، أليست نعمة حُرِم منها الكثيرون من المرضى الذين لا يستطيعون السجود على الأرض؟

 

إعدادك الطعام وتوفُّره لديك، أليست نعمة حُرِمها المعدومون والفقراء في كثير من دول العالم الفقيرة وبعضهم يصل إلى حالات المجاعة؟

 

أولادك نعمة وهِبة عظيمة من الله، سبحانه يهبها لمن يشاء، ويجعل من يشاء عقيمًا، كم مرة رأيتِ وسمعتِ عمَّن تأخَّر عن الإنجاب أعوامًا وأعوامًا، يتمنَّى ولو طفلًا واحدًا يقر به عينه ويؤنس حياته؟

 

منذ فترة صغيرة سمعت عن وفاة أب حزنًا على وفاة أولاده الرُّضَّع الذين وُلِدوا بعد فترة طويلة من تأخُّر الإنجاب، فماذا دفعنا ليهبنا الله هذه النعمة التي تنير حياتنا، وتكون أثرًا ممتدًّا لنا بعد الموت؟

 

ترتيبك لبيتك، أن يكون عندك بيت يحفظك من برد الشتاء وحَرِّ الصيف، يحميك من نظر الناس وتطفُّلهم عليك، يعطي لك حرية وخصوصية بعيدًا عن نظر الناس، أليست نعمة عظيمة يشتاق إليها المشردون الذين يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، محروم منها اللاجئون في الخيام في بعض البلاد؟

 

أن تنعمي بصحة تمكَّنك من ترتيب بيتك وتنظيفه والعناية به في أحسن صورة تبهج العين وتريح النفس، أليست نعمة حُرِمت منها النساء المرضى اللاتي لا يستطعْنَ القيام بذلك؟! أن تنامي دون حاجة لمنوِّم أو دواء، أليست نعمة؟

 

أن تنامي وتقر عينك دون الخوف من قذف أو قنابل أو طائرات تُحلِّق فوق بيتك قد تسقط في أي وقت، نعمة حرمها من يعيش تحت وطأة الحروب والصراعات!

 

أن تنامي وتصبحي في نفس نعم الأمس دون أن تتبدَّل أو يسلبها الله منك، هذه من أكبر النعم التي نغفل عنها وننساها مع الأسف بسبب كثرة الانشغالات بالحياة المادية، وبسبب النظر إلى من هو أعلى منا في وسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك يجعلنا عرضة للبطر على نِعَم الله علينا والتضجُّر منها، ومع الأسف قد تزول النِّعَم وتتبدَّل ووقتها نعرف قيمتها ونتحسَّر على فقدانها، فالنِّعَم تزيد بالشكر لا بالسخط والضجر منها.

 

هل تذكرين قصة قوم سبأ عندما لم يشكروا نعمة الله عليهم بالجنات الوارفة وبسهولة السفر، فقالوا: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] أنزل الله بهم العذاب، وأرسل عليهم سيل العَرِم، وأذهب ما عندهم من الجنات، ومزَّقهم كل ممزق، وشرَّدهم في الأرض؟!

 

لذلك حبيبتي اذكري نِعَم الله عليك، واستمتعي بها، واسألي الله المزيد.

 

ولا يعني ذلك ألا تجددي في حياتك ويومك بشكل يجعلك مرتاحة نفسيًّا وبدنيًّا، فيفضل أن تُخصِّصي لنفسك وقتًا في اليوم تعتنين بنفسك بالاستحمام بماءٍ دافئ منعش يُجدِّد نشاطك أو تستمتعين فيه بأشياء تحبينها كممارسة هواية معينة؛ كالقراءة أو الكتابة أو الأشغال اليدوية أو الزراعة أو غيرها مما يجعلك تنفصلين عن الروتين المعتاد يوميًّا.

 

كذلك خصصي يومًا أسبوعيًّا لزيارة الأهل والأقارب أو التنزُّه في إحدى الحدائق القريبة لك، أو الذهاب لرحلة كل فترة، فإن ذلك يُجدِّد نشاطك، ويُصفِّي ذهنك من الالتزامات والمسؤوليات، ويجعلك تبدأين أسبوعك بنفس مُتجدِّدة ونفس راضية.

 

كذلك عليك بممارسة الرياضة والتعرُّض لأشعة الشمس المباشرة ولو عشر دقائق يوميًّا، فإن ذلك يساعد جسمك على إفراز هرمونات السعادة المنظِّمة للمزاج؛ كالسيروتنين والأندروفين، تلك الهرمونات التي تساعدك بدورها على استئناف مهامك اليومية بشكل أفضل.

 

كذلك لا تنسي غذاء روحك بالذكر والدعاء والعبادة والاستماع إلى القرآن في وقت هادئ في جوف الليل أو أول النهار قبل بدء مهامك اليومية؛ فإن ذلك من أكثر أسباب الراحة والطمأنينة {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

 

فاستعيني بالله حبيبتي وابذلي وسعك في تحسين نفسيتك وحياتك، وألحِّي على الله بالدعاء بصلاح الحال والبال وفَّقَك الله.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

آداب اللباس – عبد الله بن جار الله الجار الله

منذ حوالي ساعة بيَّن النبي ﷺ ما يجوز منه، وما لا يجوز، وما يُستحبُّ لُبسه، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *