منذ حوالي ساعة
إذا علمت أن أقرب غائب تنتظره هو الموت، حرَصت على أن تستغل كل ساعة من عمرك في طاعة الله
{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188]؛ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل – يا محمد – لسائليك عن الساعة: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [الأعراف: 187]، قل لهم: {لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} [الأعراف: 188]، يقول: لا أقدر على اجتلاب نفع إلى نفسي، ولا دفع ضر يحُلُّ بها عنها إلا ما شاء الله أن أملكه من ذلك، بأن يقوِّيني عليه ويعينني، {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأعراف: 188]، يقول: لو كنت أعلم ما هو كائن مما لم يكُنْ بعدُ {لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الأعراف: 188]، يقول: لأعددت الكثير من الخير.
وقال بعضهم: معنى ذلك: لاستكثرت من العمل الصالح.
كيف نستكثر من الأعمال الصالحة؟ وما الأسباب المعينة على ذلك؟
1- الاستعانة بالله جل وعلا؛ قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه بعد أن أخذ بيده: «يا مُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعَنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ»؛ (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، فمن أعانه الله فهو الْمُعان، ومن خذله الله فهو المخذول، فاطلب من الله أن يعينك على العمل الصالح الذي يرضيه.
2- صحبة الأخيار؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الناس ناسًا مفاتيحَ للخير، مغاليقَ للشر»؛ (قال الألباني: حديث حسن بمجموع طرقه).
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكِيرِ؛ فحامل المسك إما أن يُحذيَك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ونافخ الكير إما أن يُحرِق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة مُنْتِنَة»؛ (حديث صحيح)، فالجَلِيسُ الصَّالحُ هو مَنْ يَدُلُّ جَليسَهُ على اللهِ تعالَى وما يُقَرِّبُ إليه؛ مِن قَولٍ، أو عَمَل، وفي الحديثِ: الحَثُّ والتَّرغيبُ على مُجالَسةِ أهلِ الطاعةِ والصَّلاحِ، ومُجانَبةِ أهلِ الفَسادِ وأصحابِ الخُلقِ السَّيِّئِ.
3- الاقتصاد والاعتدال في الأعمال والطاعات، والتدرُّج فيها، فلا تُشدِّد على نفسك ولا تسرف، فلا إفراط ولا تفريط؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن الدين يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غَلَبَهُ، فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغُدْوة والرَّوحة وشيءٍ من الدُّلْجَة»؛ (رواه البخاري).
4- التعرف على مُثُل عليا، استمروا على العمل الصالح، وقدموا أروع النماذج لهذه المداومة حتى وصلوا إلى أن يُبَشَّروا بالجنة وهم في الدنيا، أمثال أبي بكر الصديق، وبلال بن رباح.
5- التذكير بالموت، فإذا علمت أن أقرب غائب تنتظره هو الموت، حرَصت على أن تستغل كل ساعة من عمرك في طاعة الله، لَقِيَ الفضيل بن عياض رجلًا فسأله الفضيل عن عمره: كم عمرك؟ قال: ستون سنة، قال الفضيل: إذًا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله توشك أن تصل، فقال له الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل: يا أخي، هل عرفت معناها؟ قال: نعم، عرفت أني لله عبدٌ، وأني إلى الله راجع، فقال الفضيل: يا أخي، فمن عرف أنه لله عبدٌ، وأنه إلى الله راجع، عرَف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسؤول، ومن عرف أنه مسؤول فلْيُعِدَّ للسؤال جوابًا، فبكى الرجل وقال: يا فضيل، وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال: ما هي يرحمك الله؟ قال: أن تتقي الله فيما بقِيَ، يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي.
اللهمَّ أسْعِدْنا في الدنيا بطاعتك، وفي الآخرة بجنتك.
اللهمَّ أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
________________________________________________
الكاتب: نورة سليمان عبدالله
Source link