منذ حوالي ساعة
إننا يجب أن ننتقل من مدرَّجات المشاهدين إلى ساحة اللاعبين المؤثِّرين في مجريات الأمور حولنا، إنَّ السلبية لا تليق بالشاب المسلم الذي يفتخر بأن قدوته سيد الإيجابيين محمد صلى الله عليه وسلم.
لا يخفى على أحد سوءُ الأوضاع التي يمر بها المسلمون في شتى بقاع الأرض من عدوان خارجي باحتلال بعض أراضي المسلمين، أو بالغزو الفكري والاعتداء على مقدَّسات الإسلام ومعتقداته، أو من خلل داخلي ببُعد المسلمين عن دينهم وغياب فهمه الشامل عند معظمهم، وأخيرًا التشرذم والتفرق الساري بينهم أفرادًا وحكومات.
كل هذا وغيره يجب ألَّا يزرع اليأس والإحباط في قلوبنا؛ إنَّ سوداوية الواقع وسوء الأوضاع يجب أن يكون دافعًا للعمل ومحفِّزًا للحركة والبذل والتضحية لنُصرة الدين الحق، ورِفعة الأمَّة الشاهدة على الناس، واسترداد مكانتها المنوطة بها.
أول هذا البذل والحركة لخدمة الدين أن تتعلم الكثير؛ العلم بأحوال المسلمين وأخبارهم الحالية والعلم بأعدائهم وقوتهم ومؤامراتهم، ثم العلم بالإسلام كمنهج شامل لشتى مناحي الحياة، وليس مجرد مجموعة شعائر تعبدية تظن بها أنه قد تم لك أمرك، ملتمسًا نماذج مجد الاسلام في التاريخ، ثم العلم التخصصي في مجالك الذي تدرسه، سواء كان شرعيًّا أو حياتيًّا، وتَبرَع فيه وتقدم فيه نموذجًا صالحًا وصورة حسنة لشباب أمَّتك، ثم تحاول أن تكون ذا مهارات فنية وعملية فردية، وعندما تحوز علم الواقع وحاله وعلوم الإسلام وتاريخ أمجاده وتبرع في مجالك وتمتلك مهارات فردية، فأنت مؤهل لأن تكون رقمًا ذا قيمة في استرداد مجد الإسلام ونصرة أمته، والتعلم لا ينقضي إلَّا بإتيان الموت، أما قبل الموت، فأنت تتعلم وتتعلم.
وبعد أن تتعلم، ستتجلى لك بعض مهامك التي يمكنك من خلالها خدمة دينك، فالعلم سيوضح لك الهدف، والخلل الحادث، والسبل الصحيحة لتقويم الخلل، ثم ستأتي مهاراتك لتعينك على العمل والبذل.. لستُ أتكلم هنا عن أهداف ضخمة ومشاريع عملاقة، قد يكون أول مشاريعك تعليم بعض الأطفال الصلاة، أو نشر بعض القيم الأخلاقية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو التعاون مع بعض أصدقائك لإحداث نهضة دعوية في محل عملك أو دراستك، كلٌّ يسعى حسب ما حباه الله من مهارات؛ فهذا يجيد الكتابة، وذاك يجيد الخطابة، وهذا يرسم، وذاك جميل الصوت، والمهارات عديدة.. فانظر مهاراتك ووظِّفها توظيفًا صحيحًا.
أنا أعلم أنَّ الكلام سهل، وأنَّ التطبيق يرتطم بعقبات الواقع النفسية والمجتمعية وغيرها، ولكن من صحَّتْ همَّتُه وقوي عزمه، أعانه الله ويسَّر له ما يريد، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
إننا يجب أن ننتقل من مدرَّجات المشاهدين إلى ساحة اللاعبين المؤثِّرين في مجريات الأمور حولنا، إنَّ السلبية لا تليق بالشاب المسلم الذي يفتخر بأن قدوته سيد الإيجابيين محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذه الحركة الإيجابية في المجتمع ليست من نافلة الفعل أو فضول الطاعات؛ وإنما الدعوة إلى الله وتغيير المنكر من صميم عمل المسلم الذي يفهم دينه، ويريد استنقاذ أمَّته وإخوانه من كل خطر يحدق بهم ويذيقهم العذاب في الدنيا أو في الآخرة، ولك قدوة في النملة التي لم تكتفِ باستنقاذ نفسها من الخطر، ولكنها وقفت تنادي في قومها وتبلغهم بأن خطرًا ما سيهلكهم، فعليهم أن يحتموا بمساكنهم.
إن الإسلام لا يرتضي منك الصلاح فقط، ولكنه يريد منك أن تكون مُصلحًا، تدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وتسعى إلى الغافلين تنبههم، وإلى العصاة ترشدهم، وإلى الجاهلين تعلمهم.
ألا يرضيك أن تكون خصم الشيطان؟! هو يدعو الناس للضلال والغَواية، وأنت تدعوهم للرشاد والهداية، هو يوسوس لهم ويزين لهم المنكرات والفواحش، وأنت تذكِّرهم بربهم وتعلمهم كيف يصِلون إليه ويتَّقونه حق تقاته.
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]، فمن لم يدع إلى الله ولم يكن إيجابيًّا، فاتباعه للنبي منقوص، ومن دعا على غير بصيرة، فضرر دعوته أكبر من فائدتها، وأنا أربأ بك – يا أخي – عن الاتباع المنقوص لحبيبك وقدوتك، وعن إيقاع الضرر، فتعلَّمْ كثيرًا واستغل سهولة وسائل التعلم في عصرنا الحالي، ثم تحرك وادعُ إلى الخير، وكن إيجابيًّا وغيِّر ما حولك.
__________________________________________________
الكاتب: إسلام فتحي
Source link