واليوم.. ونحن أمام هذا الطوفان المادي فإن على المربين وأهل الدعوة الذين آتاهم الله العلم النافع أن يقوموا للناس تحذيراً وتنبيهاً وتربية وتعليماً ومعالجة لأحوالهم تجاهه.
ليست مجرد حكاية قول، وإنما هي تجسيد لحالة شريحة من القوم حين تخطف أبصارَهم بوارقُ القوة المادية، وحين تأتي الموجة المالية فتغرق ما تبقى من غرس الإيمان في أرواحهم، فينسوا الآخرة، وتمتد أعناقهم لمتاع الدنيا الزائل.
هذه العبارة تتكرر كثيراً، على مدى الأزمان والأحقاب، إنها حالة تتكرر وليست حكاية بائدة، فللمال سلطان على النفس، يسوقها في دروب التيه والبعد عن الله تعالى؛ إذا لم تفطن هذه النفس لما هي مُقْدِمة عليه، وإذا لم تُراجع أمر الله تعالى فيها. وحين يفقد القومُ البوصلةَ المالية الشرعية؛ فإنهم – ولا شك – سيسلكون تلك الدروب، إما إفراطاً وإما تفريطاً.
لماذا أخفقت هذه الشريحة المؤمنة في امتحان المال والأعمال؟ وكيف صمدت شريحة أخرى أمام طوفان المادة الهادر؟ وما علاقة مال قارون بسلطان فرعون؟ ولماذا نزلت هذه الآيات في العهد المكي؟ وعدد من التساؤلات التي يثيرها الأسلوب الفريد للقرآن الكريم؛ مما تعتبر الإجابة عنها مادة ملهمة للدعاة والمربين في مسألة حياتية مهمة؛ وهي التأطير الإيماني للتعامل مع المال وطرق التكسب. وسنحاول في هذه السطور إثارة ما يمكن أن يصلح محلاً للبحث والدراسة والتأمل والاستدراك.
قصة المال القاروني:
{إنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ 76 وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْـمُفْسِدِينَ 77 قَالَ إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص: 76 – 78].
سورة القصص عرَضت بابين من أبواب الصد عن دين الله تعالى: باب السلطة الطاغية، وباب المال الطاغي؛ فالسلطة الطاغية تمثلت في فرعون وملئه، والمال الطاغي تمثل في قارون. عرضت هذين البابين من أبواب الطغيان لمناسبتهما لحال المؤمنين في العهد المكي، فإنَّ السلطة والمال كانا بيد قريش الخصم اللدود لدعوة الله تعالى. وغالباً ما يستعين صاحب السلطة الطاغية بصاحب المال الطاغي ليكوِّنا حلفاً شريراً ضد أهل الدعوة.
قارون هذا كان إسرائيلياً وليس قبطياً بنص الآية، وهو ابن عم موسى عليه السلام، فجدُّهم واحد؛ كما عليه أكثر أهل العلم[1]، إلا إنه كان على دين فرعون وملئه وكان ذا مال جزيل جداً[2]. وهذا في حدِّ ذاته فتنة لبني إسرائيل: أن يكون منهم من يحمل راية العداء لدعوة الأنبياء، ثم هو ليس رجلاً عادياً؛ بل هو صاحب وجاهة مالية أسبغت عليه شيئاً من الرفعة والسيادة المادية. ذلك أنَّه تكبر وبغى وطغى بما آتاه الله من المال الوفير الكثير، الذي يدل على كثرته وصف الله تعالى له: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76]، فإذا كانت المفاتيح قد أثقلت الرجال الأشداء فكيف بقيمة ما فيها من المال والذهب؟!
وكان قومه الإسرائيليون المؤمنون يذكرونه بالله وبحقه تعالى عليه في هذا المال من الشكر والإيمان واستعماله في طاعة الله.. لا في البغي والعداء لنبي الله، لكنه لم يأبه لهذا النداء، فقد أطغاه المال فظن أنه في مأمن من الهلاك والعذاب، واستعزَّ بذاته وعَزا ما آتاه الله تعالى إلى قدراته ومعارفه وذكائه.
وفي مشهدٍ يجلله الكبرياء والخيلاء خرج قارون على بني إسرائيل، في زينة عظيمة وتجمل باهر من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه[3]، فلما رآه بنو إسرائيل المؤمنون انقسموا فريقين: فريق يؤثر الحياة الدنيا ويبهره وهجها، وفريق آتاه الله العلم النافع؛ فدار هذا الحوار المقتضب: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْـحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 79 وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّـمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِـحًا وَلا يُلَقَّاهَا إلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 79، 80].
لقد أفصح ضعاف الإيمان عن انبهارهم بالزينة التي خرج بها قارون، بينما الذين أوتوا العلم لا تبهرهم هذه المباهج المؤقتة.
ثم أهلك الله قارون بحادثة غريبة، حيث خسف الله تعالى به وبداره الأرض، وزال ذلك الكبرياء والخيلاء، وانقطع العداء والبغي والأذى عن موسى عليه السلام وقومه الإسرائيليين. ولما عاين ضعاف الإيمان هلاكه ندموا على تلك الأمنيات وذلك الاغترار بزينة المال وحكى الله هذا الندم فقال: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِـمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَـخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 82].
طوفان المادة يجتاح القلوب المؤمنة:
من الحقائق التي يكررها القرآن الكريم «بشرية المؤمنين»، إنها تعني خضوعهم لسلطان المشاعر والعواطف والوجدان.. خضوع لا يعصمهم من غوائله إلا هداية النص الرباني أو إلجام العقل الراشد. ومما أودعه الله تعالى في النفوس حب المال والتشوف إليه والرغبة في امتلاكه والاستكثار منه والخوف عليه من الفقد والنقص: {وَإنَّهُ لِـحُبِّ الْـخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: ٨]. عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قلْبُ الشيخِ شابٌّ على حب اثنتين: طول الحياة، وحب المال»[4]. قال النووي: «معناه: أنَّ قلبَ الشيخ كاملُ الحبِّ للمال، محتكمٌ في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه»[5]. ولذلك قد يرتكب هذا الإنسان بعض المحاذير في سبيل الاستكثار أو في سبيل الاستبقاء، مثل أن يبخل ويمسك الإنسان ماله حتى لا ينقص منه شيء، والشيطان يغذِّي هذا الأمر ويزينه، كما أخبر الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]، أي أنَّ الشيطان يعد الناس أنهم إذا أنفقوا أموالهم في الصدقات والزكوات ووجوه الخير والإحسان فسيفتقروا بنقص المال لديهم، ويأمرهم بالمعاصي وترك الطاعات[6]، وبعض المفسرين يرى أن الفحشاء هنا هي البخل، وعلى أية حال فإن البخل من المعاصي التي نهى الله تعالى عنها، وكذلك سلوك الطرق المنحرفة في اكتساب المال من المعاصي التي نهى الله عز وجل عنها.
ثم لاحِظ الاقتران بين الوعد بالفقر والأمر بالفحشاء في خطة الشيطان، الأمر الذي يدعو إلى مزيدٍ من التأمل في العلاقة بين الفقر والفحشاء! والمقصود أن حب المال طبيعة بشرية تحتاج إلى ترشيد، وأن الشيطان يتخذ من تخويف ابن آدم الفقرَ جسراً يعبر منه إلى أمره بالفحشاء ونهيه عن الطاعات؛ فمن ضعف إيمانه – عاملنا الله وإياكم بعفوه – فلن يكون بمنأى عن هذا التأثير.
في قصة قارون نلمس شيئاً من التأثير السلبي الذي طال المؤمنين من بني إسرائيل، حين طاشت عقولهم وهم يتفرجون في مباهج المادة، وحين سجدت قلوبهم بين يدي السلطان المالي، فقالوا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: 79]، وذلك يعود إلى سببٍ من ذواتهم، وهو ضعف إيمانهم بالله واليوم الآخر، وتعلُّق قلوبهم بالدنيا تعلُّق الواثق منها، قال السعدي: «تعلقت إرادتهم فيها، وصارت منتهى رغبتهم، ليس لهم إرادة في سواها»[7].
إنَّ القلوب الواهية ستضعف – بلا شك – أمام بريق المادة، وسيجتاحها الطوفان المادي الهادر، قال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: «كثير من أهل الباطل إنما يتركون الحق خوفاً من زوال دنياهم، وإلا فيعرفون الحق ويعتقدونه»[8].
«وبانسحاب المسلمين من ميدان الحياة وتنازلهم عن قيادة العالم وإمامة الأمة، وبتفريطهم في الدين والدنيا، وجنايتهم على أنفسهم وعلى بني نوعهم، أخذت أوربا بناصية الأمم، وخلفتهم في قيادة العالم، وتسيير سفينة الحياة والمدنية التي اعتزل ربَّانُها. وبذلك أصبح العالم كله – بأممه وشعوبه ومدنياته – قطاراً سريعاً تسير به قاطرة الجاهلية والمادية إلى غايتها، وأصبح المسلمون – كغيرهم من الأمم – ركاباً لا يملكون من أمرهم شيئاً. وكلما تقدمت أوربا في القوة والسرعة، وكلما ازدادت وسائلها ووسائطها، ازداد هذا القطار البشري سرعة إلى الغاية الجاهلية حيث النار والدمار والاضطراب والتناحر والفوضى الاجتماعية والانحطاط الخلقي والقلق الاقتصادي والإفلاس الروحي، وها هي أوربا تستبطئ الآن أسرع قطار، وتريد أن تصل إلى غايتها بسرعة الطائرة بل بسرعة القوة الذرية»[9].
واليوم تضغط الحضارة الغربية على المسلمين بمضامينها الاقتصادية، التي تقدِّس المال وتجعله محوراً للعلاقات والأعمال والقيم. ولئن نجا كثير من شباب الإسلام في فترة ماضية من حبائلها فإنهم اليوم يوشك أنْ لا ينجوا منها إلا بتحصينهم وتربيتهم على نحوٍ يمكنهم من القدرة على التعامل معها دون الوقوع في حبائلها.
شح الوظائف وغلاء الأسعار وقوة التنافس بين سلاطين المال وابتلاع كبار التجار لصغارهم، وكذلك الحال في الشركات الكبرى مع الصغرى، وسهولة الربا وانتشاره، وطغيان الكماليات وتعميق الترفيه، وصناعة الاستهلاك.. كلها إفرازات الحضارة الغربية المادية، التي جعلت من المال طموحاً وعسيراً في آنٍ معاً.
وتعرِّف «موسوعة لالاند الفلسفية» الليبرالية الاقتصادية بأنها: مذهب اقتصادي يرى أنَّ الدولة لا ينبغي لها أنْ تتولى وظائف صناعية ولا وظائف تجارية، وأنه لا يحق لها التدخل في العلاقات الاقتصادية التي تقوم بين الأفراد والطبقات والأمم[10]. فلا حاكمية للدولة على العلاقات الاقتصادية، بل الجميع أحرار في طرائق التكسب واستجلاب المنافع. واليوم ترفع الحكومات يدها عن هذه الوظائف لتجعل الإنسان يصارع مشاق الحياة بمفرده، مما يدفعه شيئاً فشيئاً إلى الإيمان بالقيم الرأسمالية. كما سيتيح هذا الوضع نفوذَ عمالقة الاقتصاد الرأسمالي على دواخل البلدان الإسلامية وحكوماتها.
ولدى الحضارة الغربية مؤسسات وكيانات تدير هذا الضغط العالمي وتصنع مكائن الابتزاز المالي، وتنتج منها الفقر واللهاث المسعور خلف المال، وتدهك الفرد بين عجلاتها. منها مؤسسات دولية كـصندوق النقد الدولي، وهو «منظمة مالية دولية مرتبطة بهيئة الأمم المتحدة. يهدف إلى إقرار أوضاع تسمح بإلغاء القيود المعوقة للتجارة الخارجية، والتي يعمل الصندوق على تشجيعها والتوسع فيها، وغير ذلك.. ويشرف على شؤونه مجلس المحافظين ومجلس المديرين التنفيذيين، ويتألف الأخير من الأعضاء الخمسة ممن يمتلكون الأنصبة الخمسة الكبرى، ثم 12 عضواً أو 20 عضواً ينتخبهم المحافظون الممثلون للأعضاء الباقين. وكل مدير من هؤلاء المديرين يحدد قوة تصويته نصيبُ دولته في الصندوق. ومقر الصندوق: واشنطن»[11].
وكالبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وهو «مؤسسة مالية دولية. وتقوم الدول الأعضاء بالمساهمة فيه، ويتم دفع ربع المبلغ الذي تكتتب به كل دولة ذهباً، ويكون باقي المبلغ تحت تصرف البنك عند طلبه من الدول الأعضاء إذا اقتضت الضرورة. وبعد انتهاء فترة التعمير التي أعقبت الحرب العالمية اتجه نشاط البنك إلى تشجيع التنمية الاقتصادية، بتقديم قروض للدول بشروط خاصة. ومقر البنك: واشنطن»[12].
وأيضاً منظمة التجارة العالمية، وهي «منظمة عالمية مقرها في جنيف، مهمتها الرسمية ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية، وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول. تهدف إلى توفير الحماية المناسبة للسوق الدولي، وإيجاد وضع تنافسي دولي للتجارة يعتمد على الكفاءة الاقتصادية.. إلى غيرها من الأهداف. وتقوم المنظمة في تحقيق أهدافها بعدة طرق. منها: إدارة الاتفاقيات الخاصة بالتجارة، والتواجد كمنتدى للمفاوضات المتعلقة بالتجارة، وفض المنازعات المتعلقة بالتجارة، ومراجعة السياسات القومية المتعلقة بالتجارة، وغيرها من الطرق»[13].
ومنها منظمة العمل الدولية، وهي «وكالة متخصصة تابعة لهيئة الأمم المتحدة، من أغراضها المعلنة: العمل عن طريق التعاون الدولي على تحسين أحوال العمال، ورفع مستوى المعيشة، واستقرار الأحوال الاقتصادية والاجتماعية التي تستهدف نشر العدالة الاجتماعية، وهذه تشمل: مسائل تحديد الأجور، ساعات العمل، الحد الأدنى للسن، الشروط الخاصة بطوائف العمال، التعويض، التأمين الاجتماعي، الإجازات، سلامة العمال، التوفيق والتحكيم، مكاتب تشغيل العمال، والإشراف على العمل، ومنها التقدم إلى الدول الأعضاء بتوصيات تتضمن مشروعات قوانين لنظرها وإقرارها، القيام بأبحاث بهذا الشأن، تقديم المساعدات للحكومات بشأن التدريب المهني. ومقر المنظمة: جنيف»[14].
ومنها كذلك مؤسسات مستقلة غير ربحية، كالمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، وهو «منظمة دولية منوطة بتطوير العالم عن طريق تشجيع الأعمال والسياسات والنواحي العلمية وكل القادة المجتمعين، من أجل تشكيل العالمية. حيث يضم في عضويته 1000 من كبرى الشركات العالمية، وتلعب هذه الشركات في صياغة مستقبل صناعتها والمنطقة التي تعمل بها. ينفذ المنتدى اجتماعاً سنوياً بمنتجع دافوس الشتوي، شرق جبال الألب، لمناقشة معظم القضايا الملحة التي تواجه العالم، بما في ذلك: الصحة والبيئة. يحضر الاجتماع 2500 مشارك من حوالي 100 دولة، منهم كبار رجال الأعمال والشخصيات العامة كرؤساء الدول وكبار المسؤولين في المنظمات الدولية»[15].
في حقيقة الأمر لم أسهب في التعريف بهذه الكيانات، فليس هذا موضع البسط فيها، وإنما أحببت أن أعرِّف بالقدر الذي يكفي للإشارة إلى قدرة هذه الكيانات على التدخل وأحياناً التحكم في آليات وتقنيات الأعمال والعلاقات المالية في معظم دول العالم. والذين يملكون هذا التدخل والتحكم هم عمالقة الاقتصاد المالي، سواء كانوا دولاً كالولايات المتحدة الأمريكية، أو شركات كمايكروسوفت وديزني.. وبالتالي فإنَّ البلدان الضعيفة والمهزومة إنما هي راكب في عربات القطار الرأسمالي، والذي يقوده هؤلاء العماليق!
من مناطق الخطر هنا أن يأتي هذا الطوفان العالمي على قلوب أهل الإيمان فيجرفها، كما جرف قلوباً وكيانات ودولاً. أما المنطقة الأخطر هنا فهي أن يمتد هذا الطوفان ليغرق قلوب الدعاة والمربين وطلبة العلم، وأن يصل تأثير الحضارة الرأسمالية إلى قلوبهم، ولقد فقدت ميادين التربية والدعوة رجالاً أشداء، ألهاهم الصفق في الأسواق عن محاضن التربية وحلق العلم ومراكز الدعوة. ليس هذا فحسب! بل ارتبكت التصورات الشرعية في أذهان البعض فأصبح يرى ضرورة اللحاق بركاب الغرب المادي. والبعض منهم انكفأ على ذاته يبني دنياه ليؤمن مستقبله ومستقبل أولاده. وإن كان هؤلاء قليلاً؛ فإن كثيرين لم يفهموا التوفيق بين طلب الرزق ودعوة الناس إلى الله وتربيتهم على دينه.
الاستقرار المالي الخاص بالفرد هو حاجة نفسية تدفع صاحبها إلى السعي لإشباعها، وترسم له طريق الوصول إلى تحقيق هذا الاستقرار، أي إنه هدف بحاجة إلى وسائل وطرق للوصول إليه. وفي حال اجتياح الطوفان المادي فإن قلوباً ستخور أمامه، وسيبهرها بريق الذهب. والتربية الإسلامية لديها القدر الكافي من التقنيات الطيبة التي تشبع هذه الحاجة، ولديها القدر الكافي من التأطير الإيماني المحكِّم لوسائل الإشباع لها.
حرَّاس المبادئ والقيم:
ثلة من القوم هم الذين يستطيعون رؤية الطوفان المادي على حقيقته، فلا تغريهم صلصلة الدراهم والدنانير، ولا يبهرهم لمعان الذهب والفضة، فيقفون من أول مرة يحذِّرون الناس من الانجراف خلف «الزينة» وينذرونهم الغرق في طوفان «المادة».
حين انبهر الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها – لما رأوا قارون في زينته – برزت هذه الثلة: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّـمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِـحًا وَلا يُلَقَّاهَا إلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80]. إنهم أهل العلم النافع[16] وأهل العلم بما وعد الله في الآخرة[17] من الثواب الجزيل لمن أطاعه وتجرد لعبادته، والعقاب الأليم لمن عصاه وغرته دنياه عن آخرته. وهم الذين عرفوا حقائق الأشياء ونظروا إلى باطن الدنيا[18]، فأصبحت لديهم معايير إيمانية يميزون بها بين ما هو خير وما هو شر، وبين ما يعود عليهم بالخير وما يعود عليهم بالشر في عاجلهم وآجلهم. إنهم «المتصلون بالله فلهم ميزان آخر يقيم الحياة، وفي نفوسهم قيم أخرى غير قيم المال والزينة والمتاع. وهم أعلى نفساً، وأكبر قلباً من أن يتهاووا ويتصاغروا أمام قيم الأرض جميعاً. ولهم من استعلائهم بالله عاصم من التخاذل أمام جاه العباد. وهؤلاء هم {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}، العلم الصحيح الذي يقوِّمون به الحياة حق التقويم»[19].
هذه مهمة الذين أوتوا العلم والدعاة والمربين الحقيقية، أنهم يضعون مباهج الحياة في ميزانها الحقيقي أمام الناس، ثم هم يدلُّون الناس على طريقة التعامل مع هذه المباهج. وفي الحالة التربوية، فإنَّ المربين لا يكتفون بذلك، بل يسعون لمعالجة الوضع المالي والاقتصادي للمتربين، كما سعى الأنبياء عليهم السلام لمعالجة الوضع المالي والاقتصادي لأقوامهم، كما أشارت سورتا «يونس» و«هود» إلى ذلك.
واليوم.. ونحن أمام هذا الطوفان المادي فإن على المربين وأهل الدعوة الذين آتاهم الله العلم النافع أن يقوموا للناس تحذيراً وتنبيهاً وتربية وتعليماً ومعالجة لأحوالهم تجاهه.
التربية الاقتصادية:
في ظل الهيمنة الرأسمالية العالمية يحتاج شباب الإسلام إلى تربية تمكنهم من العيش في أوساطها دون أن يقعوا في حبائلها. وفي حقيقة الأمر إنَّ التربية الاقتصادية ليست بدعاً في مفردات التربية الإسلامية، لكنها أُغفلت في بعض المناهج، لأسباب منها: ترسب الفكر الصوفي في مجتمعات المسلمين وتغلغله في اللاوعي.
تختلط اليوم على شريحة من شباب الإسلام مفاهيم الزهد والورع وطلب الرزق وغيرها من المفاهيم المتعلقة بالمال، وبعضهم يفقد البوصلة في التعامل مع كل من الضروريات والحاجيات والكماليات، وبعضهم يقع فريسة للمعاملات المصرفية والسوقية الرديئة والمحظورة، وتتراكم على عواهلهم الديون والحقوق المالية، وبعضهم لا يدرك قيمة العمل والتكسب باليد، وبعضهم يخشى الفقر حين يصيح داعي الإنفاق.. إلى غير ذلك من الملحوظات التي تدل على ضعفٍ تربوي في جانبه الاقتصادي.
ولقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعتني بهذا المنحى في تربيته لأصحابه، كما جاءت بذلك الأحاديث والآثار، وأذكر هنا طرفاً من تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في جانبها الاقتصادي:
• عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني ثم قال: «يا حكيم، إنَّ هذا المال خَضِرَة حُلْوة، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارَك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع. اليد العليا خير من اليد السفلى». قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرْزأُ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيماً إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئاً، فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم، أني أَعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي[20]. زاد إسحاق: فمات حين مات وإنه لمن أكثر قريش مالاً[21].
في هذا الموقف التربوي من الفوائد الشيء الكثير، منها: أنَّ حكيماً امتنع عن أخذ العطاء مع أنه حقه، لأنه خشي أنْ يقبل من أحد شيئاً فيعتاد الأخذ، فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده، ففطمها عن ذلك. ومنها: تصحيح مفهوم أنَّ أخذ المال مع سخاوة النفس ودون استشراف وطلب لا يتعارض مع الزهد، ولا يدخل في دائرة الذم. ومنها: التنبيه إلى مفهوم رجحان البركة على كثرة المال[22].
وهذا دليل على أنَّ الموقف التربوي غرس فيه مفهوم الاستعفاف بعمق، كما أنَّ حكيماً اعتمد على التكسب بديلاً عن المسألة والطلب فاغتنى، وأن ذلك لا يتنافى مع الزهد، وفي هذا دلالة على عمق التربية الاقتصادية التي نالها.
• عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقة فلان! فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرَّة، فإذا شَرْجَة من تلك الشِّراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحوِّل الماء بمِسْحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان. للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان. لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأردُّ فيها ثلثه»[23].
هذا الحديث فيه من الفوائد: فضل الصدقة على المساكين وفضل النفقة على الأهل والعيال. وأكثر من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رسم لنا في هذا الحديث منهجاً للإنفاق، وهو التوازن في مسالك الإنفاق. هذا المنهج يضمن استمرار تدفق المال، دون الإضرار بالمستفيدين منه. فثلث الخراج يعود إلى الحديقة بغرض إصلاحها وتنميتها، ليستمر عطاؤها. وثلث يتمتع به هو وأهلُه وعيالُه، ويؤدي حق الله فيمن استرعاه عليهم. وثلث يتصدق به على الفقراء والمساكين. وبهذا التنسيق والتوازن يكون كل إنفاقه مأجوراً عليه، وهذا عين الفقه.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استطاع غرس هذا المفهوم من خلال وسيلة تربوية تعدُّ من أهم الوسائل التربوية: وهي القصة؛ وهذا يعني – بلا ريب – اعتناءه صلى الله عليه وسلم بالتربية الاقتصادية.
• عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال صلى الله عليه وسلم: «أما في بيتك شيء» ؟ قال: بلى، حِلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقَعْب نشرب فيه من الماء. قال: «ائتني بهما». قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: «من يشتري هذين» ؟. قال رجل: أنا، آخذهما بدرهم. قال: «من يزيد على درهم مرتين، أو ثلاثاً». قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: «اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به». فأتاه به، فشدَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قال له: «اذهب فاحتطب وبع، ولا أَرينك خمسة عشر يوماً». فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع»[24].
لم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف بالتوجيه والموعظة، بل أعان الرجل السائل على تجربة البيع والشراء والتكسب والمزايدة، وأمره بأن يمتهن الاحتطاب لقدرته على ذلك. وهذا موقف تربوي عميق نقل المتربي من حالة الفقر والسؤال إلى حالة الاكتفاء والاتجار.
• عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان: «ليخرج من كل رجلين رجل» ثم قال للقاعد: «أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير، كان له مثل نصف أجر الخارج»[25].
ندب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف إلى كفالةٍ من نوعٍ خاص، وهي للذين غابوا عن أهليهم في سبيل الله، وخدمة لدعوة الله.
في حقيقة الأمر لم أقصد إلى استقصاء الآثار النبوية المتعلقة بالتربية الاقتصادية، والتي يقع الكثير منها بين يدي الآن، وإنما أردت التنبيه إلى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليُغفِل هذا المنحى التربوي، وهو يبني أصحابه ليكونوا قادرين على تحمل أعباء الحياة المادية، وقادرين على صناعة الاستقرار المالي في حياتهم.
الأصول القرآنية للتربية الاقتصادية:
ليس في كتاب الله تعالى أسرار، إنما هي كنوز، والكنوز بحاجة إلى تنقيب وبحث؛ وفي القرآن الكريم توجيهات متعددة ومتنوعة تعرضت للجانب المالي:
منها ما يتحدث عن صناعة التوازن الاقتصادي الخاص بالفرد، مثل قول الله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [الإسراء: 29]، وقوله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ الْـمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
ومنها ما يشير إلى الحِفاظ على المكتسبات من التفريط والخسارة، مثل قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]. وإن كانت الآية ضربت بهذا المفهوم مثلاً لمعنى آخر، إلا أنها أقرَّت هذا المفهوم.
ومنها ما يصنع تصوراً صحيحاً للإنفاق، كقوله تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]. وكقوله سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّـمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِـحًا وَلا يُلَقَّاهَا إلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80]، أو يصحح تصوراً أو سلوكاً خاطئين، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التحريم: ١]، وكقوله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإيَّاكُمْ إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31].
ومنها ما يشير إلى الجانب الأخلاقي، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْـمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264]، وكقوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْـخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ إنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: ٢].
ومنها ما يشير إلى استثمار المال في تعزيز الجانب الاجتماعي لأهل الدعوة، كقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى 17 الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى 18 وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى 19 إلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى 20 وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 – 21]. ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك[26]. وقد كان أبو بكر رضي الله عنه يعتق العبيد والإماء الذين أسلموا، كما كان يجهد ماله ونفسه في الإنفاق على أهل الدعوة حينها.
وليس هذا مقام الاستقصاء والتقسيم وإنما أردت التنبيه إلى أن التربية الاقتصادية جزء كبير ومتنوع من مفردات التربية القرآنية؛ جاء القرآنُ بالعناية بها. وإن على أهل الدعوة والتربية أن يلتفتوا إلى هذه المفردة باعتبارها جزءاً أصيلاً من منهج القرآن الكريم في التربية، ينبغي عليهم فحص هذه المفردة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتصنيف الموضوعات والأبواب المستنبطة منها، والخروج بمادة تربوية تحقق التربية الاقتصادية في الإسلام.
وإنَّ شباب الإسلام اليوم أحوج ما يكونون إلى هذه التربية مستنبطة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى لا تزل القدم أو يتفرق القلب.
في التربية الاقتصادية موضوعات كثيرة، بحاجة إلى تدارس وفهم، كالإنفاق، والصبر على الفقر، والتدريب على التكسب، واستغناء أهل القرآن عما في أيدي الناس، والتوازن في الكسب والإنفاق، والعمل الحر والعمل بأجرة، وتحويل الأعمال والنفقات إلى عبادات، والزهد والورع، والديون، والادخار والتكافل، وتقييم الواقع المالي العالمي، ودور الدعاء في كشف الضوائق المالية.. وغيرها من الموضوعات التي يكتمل بها التصور الصحيح للمنهج الإسلامي، وتحميهم بإذن الله من الغرق في دوامة الرأسمالية وطوفان المادية، وتساعدهم بإذن الله على الاستقرار المالي الذي يدفع بهم نحو تحقيق العبودية لله تعالى.
هي دعوة مستمدة من القرآن الكريم إلى تربية شباب الإسلام على مفاهيم الاقتصاد بوجهه الإسلامي. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.
[1] تفسير الطبري 20/105.
[2] البداية والنهاية 1/266.
[3] تفسير ابن كثير 6/255.
[4] أخرجه مسلم 2/724 كتاب الزكاة، باب كراهة الحرص على الدنيا ح1046.
[5] شرح النووي 7/138.
[6] انظر تفسير الطبري 3/87.
[7] تفسير السعدي 3/1298.
[8] الدرر السنية 8/125.
[9] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص279.
[10] (2/736) نقلاً عن: معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية ص 168.
[11] بتصرف، القاموس السياسي ص734.
[12] بتصرف، القاموس السياسي ص221.
[13] بتصرف، الموسوعة الحرة على الإنترنت (ويكيبيديا).
[14] بتصرف، القاموس السياسي ص1240.
[15] بتصرف، موسوعة ويكيبيديا.
[16] تفسير ابن كثير 6/255.
[17] نقله البغوي عن مقاتل في التفسير 3/454.
[18] تفسير السعدي 3/1299.
[19] في ظلال القرآن 5/2713.
[20] أخرجه البخاري 1/456 كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة ح1472، ومسلم 2/717 كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى.. ح1035.
[21] فتح الباري 3/395.
[22] فتح الباري 3/394.
[23] أخرجه مسلم 4/2288 كتاب الزهد والرقائق، باب الصدقة في المساكين ح2984.
[24] أخرجه أبو داود 2/120 كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة ح1641. والترمذي 3/522 كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع من يزيد ح1281، واقتصر فيه على المزايدة، وقال: هذا حديث حسن.
[25] أخرجه مسلم 3/1507 كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله ح1896.
[26] تفسير ابن كثير 8/422.
______________________________________________________
الكاتب: فايز بن سعيد الزهراني
Source link