خطط إبليس للسيطرة على غزة! – عامر عبد المنعم

بعد شهر من حرب الإبادة والقصف الإجرامي والمجازر عجز الجيش الإسرائيلي وداعموه من الأمريكيين والأوروبيين عن تنفيذ الخطط الموضوعة لإخلاء غزة وتهجير الفلسطينيين

 

بعد شهر من حرب الإبادة والقصف الإجرامي والمجازر عجز الجيش الإسرائيلي وداعموه من الأمريكيين والأوروبيين عن تنفيذ الخطط الموضوعة لإخلاء غزة وتهجير الفلسطينيين، وتكبد الصهاينة خسائر ضخمة في الآليات والجنود، في العملية البرية التي قوبلت بعاصفة من المقاومة العسكرية التي تصدت ببسالة وشجاعة وكسرت الهجوم البري، فكتائب القسام ومعها سرايا القدس والشعب الذي يحتضن المقاومة قدموا نموذجا للصمود الأسطوري غير المعهود في العصر الحديث.

تؤكد بطولات المقاومة الفلسطينية التي يتم تصويرها وتنقلها الفضائيات يوميا حول المعارك الجارية في محيط غزة عن معجزات، فالشباب الفلسطيني لا يخاف الموت ويصطاد الدبابات والمدرعات من المسافة صفر، بينما لا ينشر المتحدثون باسم الاحتلال أي صورة تؤكد مزاعمهم عن تحقيق أي إنجازات، ولكن تفضحهم صور الضحايا المدنيين الذين يتعرضون للقصف المتواصل بالقنابل والصواريخ والفسفور الأبيض، وسفك دماء الأطفال والنساء والأبرياء.

نجحت المقاومة في إفشال خطة إنهاء القضية الفلسطينية بإخلاء قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين إلى مصر وتسكينهم في المحافظات المصرية، وأيضا أفسدت المقاومة خطة الترحيل إلى سيناء وإقامة جيب تحت الحراسة المصرية، وتقاتل  حماس ومعها الفصائل الفلسطينية الآن لمنع الجيش الإسرائيلي من احتلال كل القطاع لتشكيل حكومة عميلة أو فصل الشمال وتدميره ثم تقليص مساحة غزة، وتكشف لقطات الفيديو التي تبثها كتائب القسام أن الهجوم الصهيوني متعثر ومتراجع.

حتى لو استخدموا القنبلة النووية

قد تحقق القوة النارية الإسرائيلية دمارا هائلا، وتخرب المدن ومبانيها وتقتل عددا من ساكنيها، لكن القوات المهاجمة لا تستطيع الصمود فترة طويلة، تمكنهم من تجريف الأرض وتفريغها من أهلها والمدافعين عنها، ولن تستطيع تحقيق الانتصار الذي تلهث خلفه القيادة الصهيونية لتحقيق الأطماع الصهيونية وتحويل هزيمة 7 أكتوبر إلى نصر، فالهزيمة تلاحقهم وتداعياتها تضرب أركان الكيان الصهيوني وتزلزله، وسيترتب عليها تحولات كبرى في المنطقة العربية.

لن يستطيع الصهاينة محو المقاومة حتى لو أحرقوا كل القطاع، بل حتى لو استخدموا القنبلة النووية كما يدعو وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، فالمحتلون يواجهون الشعب الفلسطيني الذي صهرته الحروب العدوانية المتواصلة، وزاد من صلابة قلوبهم وسواعدهم القصف الجبان الذي يقتل الأبرياء بلا رحمة، ويقود نضالهم أجيال من المقاتلين الأشداء، يزيدهم القصف الإرهابي ثباتا وجرأة وإصرارا على الانتقام.

كان واضحا أن هجوم كتائب القسام على مستوطنات الغلاف وسحق فرقة غزة في 3 ساعات بمثابة الصدمة التي ضربت الكيان الإسرائيلي، وهزت دوائر السلطة في الولايات المتحدة وأوربا، فالهجوم الفلسطيني أظهر الضعف الصهيوني وهشاشة جيش الاحتلال، مما يفتح الباب لزوال الكيان وفتح الباب لتحرير كل فلسطين، وأجهضت المقاومة كل الجهود التي بذلت خلال عقود لفرض الاحتلال كأمر واقع، وتخويف المحيط العربي وجلبه للتطبيع.

منذ اليوم الأول تحركت الدول الغربية لإنقاذ “إسرائيل”، وركزت الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية على حشد دول العالم لإدانة هجوم المقاومة في 7 أكتوبر، وشيطنة حماس واعتبارها جماعة إرهابية، لتوفير الغطاء الدولي لتدمير قطاع غزة بدعوى “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، ويعمل التحالف الغربي الإسرائيلي على هدف واحد هو عدم وقف الحرب، واستمرار الإبادة لسحق حماس والشعب الفلسطيني الذي يحتضن المقاومة وإزالة التهديد إلى الأبد!

 

الخذلان العربي

للأسف قدم بعض القادة العرب الدعم للعدوان الإسرائيلي بمن فيهم أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية، فهم يكرهون حماس لكراهيتهم كل ما هو إسلامي، ووافقوا في البداية على العدوان للتخلص من حماس، وقد أغرى هذا الخذلان العربي الإسرائيليين وحلفائهم الغربيين على التخطيط لتهجير سكان غزة إلى مصر لاستحالة عزل حماس عن حاضنتها الشعبية، وقد رفض الجيش المصري هذا المخطط، كما رفض الأردن لأنه يعلم أن ما يجري في غزة سيجري مثله للفلسطينيين في الضفة.

ادعى دينيس روس المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط أن مسؤولين عربا تحدثوا معه عن وجوب تدمير حماس في قطاع غزة، لكنهم أخبروه أن مواقفهم المعلنة كانت مختلفة تمامًا، بسبب خشيتهم من غضب شعوبهم من العدوان الإسرائيلي وتزايد حجم الدمار والخسائر ومعاناة الفلسطينيين.

من الواضح أن مواقف القادة العرب في الغرف المغلقة هي التي شجعت الإسرائيليين على اقتناص الفرصة والتخلص من الفلسطينيين نهائيا، وبالتالي وضع نهاية للقضية الفلسطينينة، وقد كشفت التصورات الإسرائيلية والأمريكية التي نشرها الإعلام عن خطط موضوعة ومدروسة كانت تنتظر لحظة التنفيذ، وظنوا أن الحرب الجارية هي الوقت المناسب لتحقيقها.

 

أوهام وليست خططا

الرغبة في إخلاء غزة هدف صهيوني قديم، وقد عٌرض على مبارك ورفضه، وأظهرت وثائق بريطانية أن الإسرائيليين فكروا في ترحيل السكان أثناء احتلالهم لسيناء لكن لم يلقوا التأييد الغربي الكافي، وقد ظهرت الفكرة في صفقة القرن بشكل غامض، لكن في الحرب الجارية بدأت الفكرة تظهر بكل وضوح وصراحة، وصدر أكثر من تصور يحظى بتأييد أمريكي وأوروبي مطلق، فكلهم اتحدوا على استمرار الحرب حتى تنفيذ ما يمكن تنفيذه تحت شعار”القضاء على حماس”.

لقد طرح مركز ميسجاف الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي خطة التوطين والتأهيل النهائي في مصر بتسكين أهل غزة في الشقق الخالية بمدينتي السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان ودفع التكلفة التي تتراوح بين 5 إلى 8 مليارات دولار، وزعم المركز الصهيوني الاستعداد الإسرائيلي لاستثمار ما يتراوح بين 20 او 30 مليار دولار لحل القضية.

وفي خطة أخرى نشرتها صحيفة كالكاليست أعدتها وزيرة المخابرات الإسرائيلية جيلا جمالائيل تتضمن إنشاء مدن خيام في سيناء وإنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان للخروج، ثم بناء مدن في شمال سيناء، ولكن مع إنشاء منطقة عازلة بين الفلسطينيين وغزة التي سيخرجون منها، وفتح باب اللجوء للفلسطينيين في كندا والدول الأوربية مثل اليونان وإسبانيا.

لكن تعتبر خطة دينيس روس التي وضعها بالمشاركة مع روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن وديفيد ماكوفسكي مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن من أهم الخطط المعلنة، التي تفسر التأييد الأمريكي الغربي لحرب الإبادة الجارية في غزة للإطاحة بحركة حماس، وقدوم الجيش الأمريكي لضمان منع تدخل أي دولة أو قوى عسكرية لصالح الفلسطينيين.

وفقا للخطة التي نشرها معهد واشنطن في 17 أكتوبر بعنوان “أهداف الحرب الإسرائيلية ومبادئ الإدارة في غزة في مرحلة ما بعد حماس” فإن الحرب لن تتوقف إلا بعد تحقيق أهدافها الثلاثة وهي:

أولا: ضمان عدم قدرة “حماس” على شن هجمات في المستقبل.

ثانيا: استعادة ثقة الإسرائيليين بقدرة حكومتهم وجيشهم على توفير الأمن لهم.

ثالثا: إعادة تأسيس قوة الردع الإسرائيلية بنظر الأصدقاء والخصوم في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

 

ويشير دينيس روس ومن معه في الخطة (الخيالية) إلى أن تنفيذ هذه الأهداف يحتاج إلى احتلال كل قطاع غزة، والقضاء على حماس وفصائل المقاومة، ثم تشكيل إدارة مؤقتة لحكم القطاع تتكون من إدارة مدنية بقيادة فلسطينيين تكنوقراط (ليسوا من السلطة في رام الله)، تحميها وحدات عسكرية من اتحاد الدول العربية الخمس التي أبرمت “اتفاقات إبراهام” وهي: مصر، الأردن، الإمارات، البحرين والمغرب، وتحالف دولي لإعادة الإعمار تقوده دولة الإمارات.

وترى خطة دينيس روس أنه ينبغي على الدول الخمس العربية المساهمة في إرسال مفارز من الشرطة أو الدرك وليس وحدات عسكرية نظامية، ويجب أن يتزعم القوة ضابط من دولة ليس لها أي صلة إقليمية بالمناطق الفلسطينية مثل المغرب، وتشير الخطة إلى دور سعودي في المشاركة في جهود الإعمار كجزء من التزام الرياض بإعادة “فتح مسار نحو صنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني”.

وللهروب من الاعتراضات الدولية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن- خاصة من الصين وروسيا- تقترح الخطة إسناد تنفيذ المهمة للجامعة العربية كجهة فاعلة وسيطة بتفويض من مجلس الأمن، وتعيين “منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط” لتجنب المطالبة بإجراءات إضافية من مجلس الأمن والابتعاد عن أي عرقلة من الصينيين والروس باستخدام الفيتو.

مثل هذه الخطط بقدر ما توضح الأطماع والنوايا السيئة بشكل سافر؛ فإنها تعكس سذاجة المخططين الغربيين الذي يعتمدون على متعاونين عرب أضعف من بيوت العنكبوت، وعدم استيعابهم للتطورات ودرجة الوعي في المنطقة العربية، وفوق ذلك فإن الوضع على الأرض يجري في الاتجاه المعاكس، فالقوة العسكرية والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وأسلحة الدمار الفتاكة فشلت في كسر الصمود البشري الاستشهادي للشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة.

****

قد يظن الاحتلال أن حرق القطاع وهدم العمران والانتشار في محيط غزة وبعض شوارعها في ظل الهجمات الجوية المتواصلة سيحقق نصرا يجلب الاطمئنان للمستوطنين الخائفين ويعيد الثقة في القوات المنهارة، لكن الوقت سيكشفهم أن الأرض تحارب ضدهم، وسيجدون أنفسهم في مصيدة أثناء المعركة من بيت لبيت ومن شارع لشارع، وستكون الفرصة للأشباح الذين سيخرجون من كل مكان للقتال وجها لوجه.

الاحتلال مهزوم ونتيجة الحرب لن تتغير، وكل ما يجري من محاولات يائسة لاحتلال غزة هو الجولة الأخيرة التي ستكون بإذن الله تأكيدا لانتصار المقاومة على أكثر الجيوش ظلما وإجراما، وستكون النهاية خذلانا لقادة أمريكا وأوربا الذين تنكروا لقيم الحضارة ولكل القوانين الإنسانية، وجاؤوا بجيوشهم وحاملات الطائرات للمشاركة في أكبر جرائم الإبادة في العصر الحديث.

المصدر : الجزيرة مباشر



Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الشدة والفرح – علي بن عبد العزيز الشبل

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» جاءت هٰذِه الكلمة دلالةً عَلَىٰ ما في قلوب المؤمنين، من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *