ولقد أثبتت التجارِب الدولية أن الثرواتِ الحقيقية للشعوب لا تتأتَّى من مجرد توافر الموارد الطبيعية أو من وفرة الجوانب المادِّية، أو في شراء التكنولوجيا الجاهزة فقط، وإنما من خلال تدريبِ الأفراد، وحسن تنظيم العملية التدريبية في المجتمع…
ينبغي التوكيدُ أن الثروةَ الحقيقية الدائمة هي الثروةُ البشرية العاملة بكفاية، “ولقد أثبتت التجارِب الدولية أن الثرواتِ الحقيقية للشعوب لا تتأتَّى من مجرد توافر الموارد الطبيعية أو من وفرة الجوانب المادِّية، أو في شراء التكنولوجيا الجاهزة فقط، وإنما من خلال تدريبِ الأفراد، وحسن تنظيم العملية التدريبية في المجتمع، والارتقاء بالمفاهيم حول العمل وسلوكه والانضباط فيه”[1].
إن مِن أبرز الجوانب التي تقتضي جُهدًا مضاعفًا في تحسين بيئة العمل جانب ترسيخ أخلاقياتِ العمل وسلوكياته.
بعض قوانين العمل تتطرَّق إلى تنظيم سلوكيات العمل، إلا أن هذا الجانبَ الذهني لا تكفي فيه القوانينُ والأنظمة؛ إنه جزءٌ من الثقافة القائمة على معاييرَ سلوكية يحكمها مفهومُ الثواب والعقاب، والمراقبة الذاتية، ووجود رقيب أعلى، لا يعتمد تقنيةَ الرقابة الحديثة من أجهزة تصوير وتنصُّت؛ إذ لم تنجح هذه الأجهزةُ في تحسين بيئةِ العمل، بل إنها من خلال تجارب أثَّرت سلبًا على الإنتاجية – عندما تبيَّن للعاملات في مشغل للحياكة أنها قد سُلِّطت عليهن – إنما يُنَصُّ على سلوكيات العمل في قوانين العمل؛ للاحتكام إليها في وجه الدعاوى.
يذكر (محمد علي حوات) أن نجاحَ الاندماجِ مع معطيات العولمة إنما يرتكز على تنميةِ الموارد البشرية، وإيجاد البيئة الملائمة للاستخدام الأمثل لها؛ “فالاهتمام برأس المال البشري، وزيادة قدرته على التكيُّفِ مع التطورات التكنولوجية الجارية عالميًّا هو من أهمِّ عوامل الاستفادة من آلية العولمة، بدلًا من الخضوع لسلبياتها”[2]، ويقوم هذا على أساسٍ من الشورى/ الديمقراطية، وتحقيق العدالة بين المواطنين، والأخذ بمبدأ الثواب والعقاب.
تؤكد منى حلمي، وهي تتحدَّث عن الحبِّ والعاطفة العميقة في العمل – “أنه خيرٌ للإنسان ألا يعملَ عن القيام بأداء نشاط يُفقده إنسانيتَه، ويخرب علاقتَه بذاته وبالحياة، إن رقيَّ ونهوض المجتمعات هما مجموعُ رقي ونهوض أفرادها، ولا رقي أو نهوض لأفراد يقضون حياتهم في أعمالٍ مُجبرين عليها”[3].
هذا ما أكده قرارُ منظمة العمل الدولية، التي نشأت سنة 1340هـ/ 1919م؛ نتيجة لمؤتمر السلام في باريس الذي عُقد في السنة نفسها، جاء قرارُها بشأن تدريب الموارد البشرية وتنميتها، في دورتها الثانية والثمانين (جنيف، ربيع الأول، 1421هـ/ يونيو 2000م)، الذي ركز على أن التدريبَ حقٌّ للجميع، على اعتبار أنه – جنبًا إلى جنب مع تدابيرَ أخرى – أخذ أدواتِ التصدي للتحدي الذي يمثِّله القطاعُ غير المنظَّم، الذي لا يحظى بالحماية، ويتَّسم – في معظم الحالات – بانخفاض الدخل والإنتاجية معًا؛ مما يُفضي هذا التصدي في النهاية إلى إيجاد العمل الشريف/ المحترم اللائق (Work Decent) لكل الراغبين في العمل.
[1] انظر: منظمة العمل العربية، العولمة وآثارها الاجتماعية، مرجع سابق. [2] انظر: محمد علي حوات، العرب والعولمة: شجون الحاضر وغموض المستقبل، القاهرة: مكتبة مدبولي، 2002م، ص 210. [3] انظر: منى حلمي، الحب في عصر العولمة، مرجع سابق، ص 35.
__________________________________________________
الكاتب: أ. د. علي بن إبراهيم النملة
Source link