منذ حوالي ساعة
على المسلم الاهتمام بالوقت والاستفادة من أيام العمر التي يقدر على العمل الصالح فيها، قبل فوات أيام القوة والشباب، حين يقبل الضعف على الإنسان ويصاب بالوهن ثم يأتي الموت بغتة فينقطع به العمل ويتوقف
جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ وهو يَعِظُه: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناءكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ»؛ (أخرجه الحاكم في المستدرك، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
وهنا يا عباد الله يُوصينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصية من أعظم الوصايا، ويحضُّنا أشدَّ الحضِّ، ويدعونا إلى اغتنام الفرص في زمن المهلة، ويخبرنا أنَّ مَن فرَّطَ في ذلك قد يأتي زمان يتمنَّاه، وقد حيل بينه وبينه.
أيها المسلمون، إن بعد كل شباب هَرَمًا، وبعد كل صحة سَقَمًا، وبعد كل غِنى فقرًا، وبعد كل فراغ شغلًا، وبعد كل حياة موتًا، فمن فرَّط في العمل أيام الشباب لم يدركه في أيام الهَرَمِ، ومَن فرَّط فيه في أوقات الصحة لم يدركه في أوقات السقم، ومَن فرَّط فيه في حالة الغِنى لم يدركه في حالة الفقر، ومَن فرَّط فيه في ساعة الفراغ لم يدركه عند مجيء الشواغل، ومَن فرَّط في العمل في زمن الحياة لم يدركه بعد حيلولة الممات، فعند ذلك يتمنَّى الرجوع، وقد فات، ويطلب الكَرَّة وهيهات، وحِيل بينه وبين ذلك، وعظمت حسراته حين لا تنفع الحسرات، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99، 100]، وقال عزَّ وجلَّ في سورة المنافقون: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10].
يا عباد الله، جاء عنِ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «نِعمَتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ»؛ (رواه البخاري)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن عُمُرِه فيمَ أفناهُ، وعن عِلْمِه فيمَ فَعَلَ، وعن مالِه مِن أينَ اكتَسَبَه، وفيمَ أنفَقَه، وعن جِسْمِه فيمَ أبْلاه»؛ لذا كان لزامًا على كل شابٍّ وفتاة أن يغتنموا هذه الخمس، وأن يعتبروا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن تذهب هذه الخمس، وقبل أن يأتي يوم يتمنَّى فيه الإنسان أن يقدم لنفسه ولأسرته ولوطنه ما يحب من خير وبِرٍّ وصدقة وتطوُّع، وما يرفع منزلته في الدنيا والآخرة فلا يستطيع.
قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بادِروا بالأعمالِ الصَّالِحة، فستكونُ فِتنٌ كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبح الرجلُ مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، أو يُمسي مؤمنًا ويُصبِح كافرًا، يَبيع دِينَه بعَرَضٍ مِن الدُّنيا»؛ (رواه مسلم).
أما بعد:
على المسلم الاهتمام بالوقت والاستفادة من أيام العمر التي يقدر على العمل الصالح فيها، قبل فوات أيام القوة والشباب، حين يقبل الضعف على الإنسان ويصاب بالوهن ثم يأتي الموت بغتة فينقطع به العمل ويتوقف، وهذا ما أوصى الله سبحانه به نبيه الكريم حين قال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، واليقين هنا هو الموت حين يعاين المرء مصيره في الدنيا وانقطاع العمل والأمل.
يا عباد الله، ومن الصوارف المشغلة للمسلم، ما جاء في (صحيح مسلم): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال ستًّا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة».
قال القرطبي في (كتاب الإفهام): سابقوا بالأعمال الصالحة، واغتنموا التمكُّن منها قبل أن يحال بينكم وبينها بداهية من هذه الدواهي المذكورة، فيفوت العمل للمانع، أو تعدم منفعته لعدم القبول، والمقصود بالموانع: المرض والكبر والفقر المنسي، والغنى المطغي، والعيال والأولاد، والهموم، والأنكاد، والفتن، والمحن إلى غير ذلك مما لا يتمكن الإنسان مع شيء منه من عمل صالح، ولا يسلم له.
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
__________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
Source link