قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»
عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»[1]، وفي رواية أخرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعدوِّهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لَأْوَاء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس»[2].
عباد الله: في هذا الحديث العظيم يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم باستمرار هذا الدين والقائمين لله بالحُجَّة، من خلال طائفة تقوم بحمل همِّ هذا الدين والدفاع عنه، وأخبر أن هذه الطائفة منصورةٌ وظاهرةٌ، لا يضرهم خِذلان العدو والصديق، ولا خذلان من ترك نصرتهم ومعاونتهم، وهم كذلك حتى يأتي أمر الله؛ أي: الريح الطيبة تكون قبل قيام الساعة تقبض أرواح المؤمنين، ونستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:
1- الحديث آية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نجد إلى يومنا هذا أن هذه الطائفة لا تزال موجودةً في الأمة لم تنقطع في زمان من الأزمنة، للقيام بأمر تجديد الدين وإقامة الحجة على الناس، وإحياء السنن وإماتة البدع، وإحياء العلوم، والنيابة عن الأمة في الدفاع عن المقدسات، كما تفعل المقاومة الباسلة اليوم على أرض فلسطين، ويشبه هذا الحديث ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بقوله: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»[3]، ولا يشترط أن يكون شخصًا واحدًا، بل قد يكونوا مجموعة أشخاص أو هيئات.
2- احرص أن تكون من هذه الطائفة؛ فإنهم منصورون معانون، واختلف العلماء في تعيين هذه الطائفة، فقيل: هم العلماء والفقهاء، وقيل: هم أصحاب الحديث، وقيل: هم المجاهدون في سبيل الله تعالى، وقيل: أنهم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس وهي أرض شامية، وقيل: إن آخرهم ببيت المقدس، والأَولَى الجمع بين هذه الأقوال كلها بأن هذه الطائفة تكون متناثرةً بين طوائف الأمة؛ فمن الممكن أن يكونوا من العلماء والمجاهدين والفقهاء، والآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، وقد يكونون مجتمعين في مكان أو متفرقين في البلدان.
3- من مواصفات الطائفة التي ستنصر الحق، إنهم يتميزون بمميزات؛ منها:
• أن يكونوا من أهل العلم والوعي؛ لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].
• أن يكونوا عبادًا لله حقيقةً ثابتين على الحق، ويملكون الشجاعة والقوة؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [الإسراء: 5].
• أن يكونوا متحدين: تجمعهم كلمة التوحيد، ولا تُفرِّقهم الأوطان والقوميات والعصبيات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «تقاتلون اليهود، حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيقول: يا عبدَالله – وفي رواية: يا مسلمُ – هذا يهودي ورائي، فاقتله»[4]، فالحجر ينادي: يا عبدَالله، يا مسلم، وليس يا عربي أو يا فلسطيني أو أُرْدني… فهم أمة واحدة.
فلنحرص – إخواني – على أن نتصف بهذه الصفات حتى نكون مع طائفة الحق، وإن لم نكن فعلى الأقل نتعاطف معهم، ونقدم لهم ما نستطيع من العون، وندعو لهم بالنصر والتمكين، فاللهم اجعلنا من الطائفة المنصورة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
4- فإن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى يوم القيامة؛ وهذا ما يُفهَم من الحديث، وتؤيده الدلائل؛ منها قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251]، والصراع مع اليهود من هذا الجنس، فهو صراع بين الحق والباطل، هو صراع عقيدة، هو صراع مستمر ما دامت الأرض مغتصبةً، وما دام المسجد الأقصى المبارك يُدنَّس.
5- العاقبة للمتقين؛ فهمنا من الحديث أن هذه الطائفة منصورةٌ وقاهرةٌ لعدوِّها، رغم ما نراه على أرض الواقع من التنكيل بالمسلمين والتدمير للبيوت، ومصائب تلحق بالمؤمنين من قتل وتشريد وجراحات، وهذه سُنَّة الله تعالى؛ الذي قال: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إلا ما أصابهم من لأواء»؛ يعني: إلا ما أصابهم من أذًى في الطريق ومصائب مقدَّرة عليهم، ولكن البلسم والعزاء لأهل الحق أن العاقبة لهم؛ قال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].
فاللهم كُنْ لإخواننا في فلسطين وليًّا ونصيرًا، وسندًا وظهيرًا، ومُعينًا ومُجيرًا.
اللهم تقبَّل شهداءهم، واشفِ مرضاهم وجرحاهم.
اللهم عليك بالصهاينة المعتدين ومن شايعهم، فإنهم لا يعجزونك.
اللهم أرِنا فيهم عجائب قدرتك فإنه لا يعجزك شيء.
اللهم احمِ الأقصى المبارك، واحمِ حَوزةَ الدين، وانصر الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين.
اللهم لا ترفع لهم رايةً، ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم عِبرةً وآية.
اللهم ارزقنا الثبات على الحق، واجعلنا من عبادك المخلصين، آمين.
(تتمة الدعاء).
[1] رواه مسلم، رقم: 1920.
[2] رواه أحمد في المسند، رقم: 22320، وقال شعيب الأرنؤوط معلقًا: حديث صحيح لغيره دون قوله: “قالوا: يا رسول الله، وأين هم …؛ إلخ”، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عمرو بن عبدالله السَّيْباني الحضرمي، فقد تفرد بالرواية عنه يحيى بن أبي عمرو السيباني، ولم يوثقه غير ابن حبان والعجلي؛ [انظر: 36/ 657].
[3] رواه أبو داود، رقم: 4291.
[4] رواه البخاري، رقم: 2925 و2926.
____________________________________________________
الكاتب: عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
Source link