فعندما يزأر الضعيف في وجه القوي صابرًا صامدًا؛ فحينها يَعي التاريخ ويعرف الناس مَن الأسد مِن المُستأسِد الذي لا يصمد بلا حبل من الناس…
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. وبعدُ:
فعندما يزأر الضعيف في وجه القوي صابرًا صامدًا؛ فحينها يَعي التاريخ ويعرف الناس مَن الأسد مِن المُستأسِد الذي لا يصمد بلا حبل من الناس؛ على هيئة أساطيل بحرية، وحاملات طائرات، وكتائب قتالية خاصة، وأسلحة محرَّمة وأشد تحريمًا، وفيتو… وما خفي أعظم! وسوف يجزم البصراء أنه قد آنَ للمعادلة المنكوسة أن تعتدل!
كما إن الإفراط في استخدام القوة قد يكون مؤشرًا على رُعب داخلي، أو محاولة لتأخير قَدَر محتوم آتٍ لا محالة، وهذا المُفْرِط يؤمن به، أو يقرأ الدلائل الواضحة عليه، ويجزم بمجيئه خاصةً أن في خلد القوم أحاديث مُعلنَة غير هامسة عن «رجسة الخراب»، وما هذه الرجسة إلّا دولتهم الوظيفية المصنوعة التي غصبوا أرضها، وقتلوا أكثر أهلها.
وإن المؤمن الصابر على هذا الإفراط العنيف، المرابط في أكناف أرضه المقدّسة لا يتزحزح ولا يتحوَّل، الذي يُواجِه العدوان بما يستطيع من حَوْل وطَوْل، على أوضاع من الضعف، وقلة النصير، وكثرة المُخذِّل واللائم والمعادي، المجتهد في تحصيل أصناف القوة من الحجارة على الأرض إلى الصواريخ في السماء؛ لَهُو المنتصر الغالب، ولو بَعد زمن قادم لن يطول انتظاره!
فالمعارك الكبرى، والمصيرية، لا تقع أسيرةً للواقع حتى مع ضغطه ومراراته وقسوته وآلامه؛ ذلك أن الهدف الأسمى المرتجى يستحق ويستحق ما كان وما سيكون، ولا مناصَ فيها مِن سَحْق أيّ نكوص وتراجُع عن المضي سحقًا سحقًا، حتى يعلو الحق عاليًا ظاهرًا، وإنه لكائن ولا مناصَ وعدًا صدقًا مفعولًا، ولا نقول إلّا: صبرًا أولياء الله! صبرًا صبرًا.
ثُمَّ إن الصراع والتدافع سُنّة كونية لا تنقطع، وبالتالي فلا مَحيد عن تحصيل قوة تُرهب الأعادي؛ كي لا يصرعنا أحد، وندفع عن أنفسنا أيّ أذًى، ولا يُفرَض علينا شيء بنقص أو مذلة، وما سوى ذلك فمجرد أماني حالمة لن يكون لها واقع بحكم الطبائع البشرية، والمجتمعية، والمصلحية، والكونية. وتجارب التاريخ أصدق شاهد وأوضح حجة؛ فالأقوياء لا تَردعهم الجُمَل الناعمة التي يتلهَّى بها الضعفاء والغششة.
ولا غرابة، مصداقًا لذلك، حين ذهل اليهود ودولة «إسرائيل»، ومعهم الدول الكبرى؛ من عملية طوفان الأقصى أكثر من أيّ مرَّة؛ لأن هذه العملية حطَّمت إدراكهم الراسخ بأنهم الأقوى، والأكثر حصانةً من القتل والتهديد، والأَوْلَى بالابتداء، وتحديد الزمان، وتسمية العمليات، فلمَّا تلاشى هذا الإدراك انفلت عقالهم الإجرامي بتغوُّل ومُبالغة، وإن الله لهم بالمرصاد، وسيخزيهم على أيدي طائفة من عباده المرابطين المجاهدين الأشداء الصابرين.
Source link