قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25]
{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25]
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ضرب مثلًا صراطًا مستقيمًا، على كنفي الصراط زُورانِ لهما أبوابٌ مُفتَّحةٌ، على الأبواب ستور، وداعٍ يدعو على رأس الصراط، وداعٍ يدعو فوقه: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، والأبواب التي على كنفي الصراط حدود الله، فلا يقع أحد في حدود الله حتى يكشف الستر، والذي يدعو من فوقه واعظ ربه»؛ (أخرجه الترمذي، وهو صحيح بطرقه).
قال البقاعي في مناسبة الآية لما قبلها:
ولما قرر سبحانه هذه الآيات التي حذر فيها من أنواع الآفات، بيَّن أن الدار التي رضوا بها واطمأنوا إليها، دارُ المصائب ومعدنُ المهلكات والمعاطب، وأنها ظل زائل؛ تحذيرًا منها وتنفيرًا عنها، بين تعالى أن الدار التي دعا إليها سالمة من كل نَصَبٍ وهَمٍّ ووصَبٍ، ثابته بلا زوال.
قال البغوي: (سُمِّيَت دارَ السَّلامِ؛ لِأنَّ كُلَّ مَن دَخلَها سَلِمَ مِنَ البلايا والرَّزايا، وقيلَ: سُمِّيَتْ بذَلِكَ لِأنَّ جَميعَ حالاتِها مَقرُونةٌ بالسَّلام، فقال سبحانه: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 23، 24] {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} [الواقعة: 25، 26] {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [يونس: 10]، {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58]، وقيل: المراد بالسلام التحية، سميت بدار السلام؛ لأن أهلها يحيي بعضُهم بعضًا بالسلام والملائكة تسلم عليهم.
وقيل: لأن السلام هو الله تعالى، والجنة داره، وأُضيفت إليه سبحانه تكريمًا وتشريفًا.
“والسلام” كلمة كُلٌّ يبحث عنها، فمنذ ولادة الإنسان إلى نهاية حياته وهو يبحث عن السلام: في الدين، في الأهل، في الجسد، في الوطن، في البيت، في العلاقات، في كل مكان، وفي كل شيء.
إذًا فلا عجب أن يُعِدَّ اللهُ لعباده دارًا اسمها السلام، فيها السلام الكامل الأبديُّ، ليجتهدوا في العمل لها، ويبذلوا الغالي والنفيس لأجلها.
فدار السلام هي جنته التي يسلم فيها الناس من المصائب والهموم، ويسلمون من الموت وجميع المنغِّصات والمكدِّرات.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لعباده: أيها الناس، لا تطلبوا الدنيا وزينتها، فإن مصيرها إلى فناء وزوال، كما مصير النبات الذي ضربه الله لها مثلًا، إلى هلاك وبوار، ولكن اطلبوا الآخرة الباقية، ولها فاعملوا، وما عند الله فالتمسوا بطاعته، فإن الله يدعوكم إلى داره، وهي جناته التي أعدَّها لأوليائه، تسلموا من الهموم والأحزان فيها، وتأمنوا من فناء ما فيها من النعيم والكرامة التي أعَدَّها لمن دخلها.
وقال ابن القيم: (هي أحَقُّ بهذا الاسمِ فإنَّها دارُ السَّلامةِ مِن كُلِّ بَليةٍ وآفةٍ ومَكرُوهٍ، وهي دارُ اللهِ، واسمُه سُبحانَه وتعالى السَّلامُ الَّذي سَلَّمَها وسَلَّم أهلَها).
أيها السائرون إلى الله، دونكم الجنة دار السلام فتهيئوا للدخول لها، قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21].
نسأل الله أن يوفقنا إلى الطريق الذي يوصلنا إلى دار السلام.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
______________________________________________________
الكاتب: نورة سليمان عبدالله
Source link