سميت هذه السورة «سورة البقرة» في المروي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما جرى في كلام السلف.
{بسم الله الرحمن الرحيم }
** سميت هذه السورة «سورة البقرة» في المروي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما جرى في كلام السلف.
** في الترمذي -بسند ضعيف- عن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامٌ، وَإِنَّ سَنَامَ القُرْآنِ سُورَةُ البَقَرَةِ، وَفِيهَا آيَةٌ هِيَ سَيِّدَةُ آيِ القُرْآنِ، هِيَ آيَةُ الكُرْسِيِّ)» ، وسنام كل شيء أعلاه، وهذا ليس علما لها، ولكنه وصف تشريف.
** قال خَالِد بْنِ مَعْدَانَ إنها «فسطاط القرآن» والفسطاط ما يحيط بالمكان، لإحاطتها بأحكام كثيرة.
قال أهل اللغة: “الفُسْطاط: المدينة التي فيها مُجْتَمَع الناس. أو الْمِصْرُ الْجَامِعُ، وكل مدينة فُسْطاط.
وقال الزمخشري وغيره: هو الْخَيْمَةُ الْعَظِيمَةُ.. ضَرْب من الأبنْيِةَ في السَّفر دون السُّرادِق، ويسمى أيضا الخُباء، وهو أحد بيوت العرب، ويكون من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، ويكون على عمودين أو ثلاثة، وبه سُمِّيت المدينة. ويقال لمِصْر الفُسْطاط، لأنه قد جمع الدواوين وحوى أمير المؤمنين، وفصل بين المغرب وديار العرب، واتسع بقعته وكثر ناسه وتنفر أقليمه”.
فهذه السورة مترامية أطرافها، وأساليبها ذات أفنان. قد جمعت من وشائج أغراض السور ما كان مصداقا لتلقيبها فسطاط القرآن. ومعظم أغراضها ينقسم إلى قسمين: قسم يثبت سمو هذا الدين على ما سبقه وعلو هديه وأصول تطهيره النفوس، وقسم يبين شرائع هذا الدين لأتباعه وإصلاح مجتمعهم.
قال ابن العربي: سمعت بعض أشياخي يقول: فيها ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر. وبعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثا وهم ذوو عدد وقدم عليهم أحدثهم سنا لحفظه سورة البقرة، وقال له: «(اذهب فأنت أميرهم) » [أخرجه الترمذي عن أبي هريرة وحسنه، ولكنه مرسل].
[وخَالِد بْنِ مَعْدَانَ صاحب خبر «فسطاط القرآن»: تابعي، ثقة، ممن اشتهروا بالعبادة. أصله من اليمن، وإقامته في حمص بالشام، وكان يتولى شرطة يزيد بن معاوية. قال ابن عساكر في ترجمته: “كان إذا أمر الناس بالغزو يجعل فسطاطه أول فسطاط يضرب. وكان كثير التسبيح فلما مات بقيت أصبعه تتحرك كأنه يسبح” لقي سبعين رجلا من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان من خيار عباد الله، قدم العباس بن الوليد واليا على حمص، فحضر يوم الجمعة الصلاة وخالد بن معدان في الصف، فلما رآه إذا على العباس ثوب حرير، فقام إليه خالد وشق الصفوف حتى أتاه فقال يا بن أخي إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى الرجال عن لبس هذا، فقال يا عم هلا قلت أخفى من هذا، قال: والله لا سكنت بلدا أنت فيه، فخرج منها وسكن طرطوس، فكتب العباس إلى أبيه يخبره بذلك، فكتب الوليد إليه: يا بني ألحقه بعطائه أينما كان، فإنا لا نأمن أن يدعو علينا بدعوة فنهلك، فأقام بطرطوس متعبدا مرابطا إلى أن مات]
** نزلت سورة البقرة بالمدينة بالاتفاق وهي أول ما نزل في المدينة وحكى ابن حجر في شرح البخاري الاتفاق عليه، وقيل نزلت سورة المطففين قبلها بناء على أن سورة المطففين مدنية، ولا شك أن سورة البقرة فيها فرض الصيام، والصيام فرض في السنة الأولى من الهجرة، فرض فيها صوم عاشوراء ثم فرض صيام رمضان في السنة الثانية لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صام سبع رمضانات أولها رمضان من العام الثاني من الهجرة. فتكون سورة البقرة نزلت في السنة الأولى من الهجرة في أواخرها أو في الثانية.
وفي سنن النسائي عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-: “وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ” تعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان بناء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عائشة في شوال من السنة الأولى للهجرة. وقيل في أول السنة الثانية، وقد روى عنها أنها مكثت عنده تسع سنين فتوفي وهي بنت ثمان عشرة سنة وبنى بها وهي بنت تسع سنين.
إلا أن اشتمال سورة البقرة على أحكام الحج والعمرة وعلى أحكام القتال من المشركين في الشهر الحرام والبلد الحرام ينبئ بأنها استمر نزولها إلى سنة خمس وسنة ست، وقد يكون ممتدا إلى ما بعد سنة ثمان كما يقتضيه قوله: {{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}} [البقرة:197]
** وقال بعض أهل العلم: وقد عدت سورة البقرة السابعة والثمانين في ترتيب نزول السور نزلت بعد سورة المطففين وقبل آل عمران.
** قال ابن عثيمين: نزلت سورة البقرة بعد الهجرة؛ ولذلك فهي مدنية؛ فإن كل ما نزل بعد الهجرة فهو مدني؛ وما نزل قبلها فهو مكي؛ هذا هو الصحيح؛ لأن العبرة بالزمن لا بالمكان.
وغالب السور المدنية يكون فيها تفصيل أكثر من السور المكية؛ ويكون التفصيل فيها في فروع الإسلام دون أصوله؛ وتكون غالباً أقل شدة في الزجر والوعظ والوعيد؛ لأنها تخاطب قوماً كانوا مؤمنين موحدين قائمين بأصول الدين، ولم يبق إلا أن تُبَيَّن لهم فروع الدين ليعملوا بها؛ وتكون غالباً أطول آيات من السور المكية.
** وسورة البقرة أطول سورة في القرآن، وهي سورة مدنية نزلت على مدى عشر سنوات قضاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة، ففيها أول ما نزل من الأحكام في المدينة بعد الهجرة بشأن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، قال تعالى: {{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا..}} [البقرة: 144].
وفيها آخر آية نزلت من القرآن وهي قول الله تعالى: {{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}} [البقرة:281]، والآية التي ختم الله بها آخر أحكام القرآن نزولاً وهي آيات تحريم الربا: {{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ.. وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}} [البقرة:275-281].
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: «“لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ الأَوَاخِرُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَلاَهُنَّ في الْمَسْجِدِ، فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ في الْخَمْرِ”» [متفق عليه].
وفيها أطول آية في القرآن وهي آية الدين: { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ..}} [البقرة:282].
عن يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ -رضي الله عنه- قَالَ: «“إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِىٌّ فَقَالَ: أَي الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ: وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ؟ قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَرِينِي مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّى أُوَلِّفُ القرآن عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ، إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيءٍ لاَ تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا لاَ نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ لاَ تَزْنُوا لَقَالُوا لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَإِنّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلاَّ وَأَنَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ”» [رواه البخاري].
وفيها أعظم آية في القرآن ألا وهي آية الكرسي: {{اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ..}} [البقرة:255].
** وإذ كانت أول سورة نزلت بعد الهجرة فقد عني بها الأنصار وأكبوا على حفظها، يدل لذلك ما جاء في السيرة أنه لما انكشف المسلمون يوم حنين قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للعباس: “اصرخ يا معشر الأنصار يا أهل السَّمُرة -يعني شجرة البيعة في الحديبية- يا أهل سورة البقرة” فقال الأنصار: لبيك لبيك يا رسول الله أبشر.
وعن سُفْيَانَ قَالَ: « “سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ أَحْفَظْهُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عَبَّاسٌ وَأَبُو سُفْيَانَ مَعَهُ، أي مع النَّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَخَطَبَهُمْ، وَقَالَ: (الآنَ حَمِىَ الْوَطِيسُ)، وَقَالَ: (نَادِ يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ)”» [رواه أحمد].
قال ابن كثير: “كان المسلمون يتنادون في معاركهم يوم حنين ويوم اليمامة يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ”.
** وفي الموطأ قال مالك إنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها، وفي صحيح البخاري: كان نصراني أسلم فقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم ارتد إلى آخر القصة.
** قال القرطبي: وهذه السورة فضلها عظيم وثوابها جسيم. ويقال لها: «فسطاط القرآن»، قاله خَالِد بْنِ مَعْدَانَ. وذلك لعظمها وبهائها، وكثرة أحكامها ومواعظها. وتعلمها عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بفقهها وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة، وابنه عبد الله في ثماني سنين.
** وروى مسلم عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ) قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ»
** وروي مسلم أيضا عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «(لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ)» .
** وروى الدارمي -بسند ضعيف- عن عبد الله [أي ابن مسعود] قال: «“ما من بيت يقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضراط”» .
وقال -أي عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود-: «“إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة، وإن لكل شيء لباباً وإن لباب القرآن المفصل”» . قال أبو محمد الدارمي: اللباب: الخالص. [إسناده حسن]
** وروى الدارمي في مسنده عن الشعبي قال: قال عبد الله [أي ابن مسعود]: «“مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ، لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْبَيْتَ شَيْطَانٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى يُصْبِحَ: أَرْبَعًا مِنْ أَوَّلِهَا، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَآيَتَينِ بَعْدَهَا، وَثَلَاثٌ خَوَاتِيمُهَا، أَوَّلُهَا» : {{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَّشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}} [البقرة:284]”.. [رجاله ثقات غير أنه منقطع الشعبي لم يسمع من ابن مسعود]
وعن الشعبي عنه: لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه، ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق.
وقال المغيرة بن سبيع -وكان من أصحاب عبد الله-: لم ينس القرآن.
وقال إسحاق بن عيسى: لم ينس ما قد حفظ.
** وفي صحيح أبي حاتم البستي عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا، وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ لَيْلًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَمَنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)» .[ضعفه شعيب الأرناؤوط وقال الألباني: صحيح – «دون ثلاثة ليال … »] قال أبو حاتم: قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( «لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام) » أرَادَ بِهِ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ دُونَ غَيْرِهِمْ.
** وفي كتاب «الاستيعاب» لابن عبد البر: وكان لبيد بن ربيعة من شعراء الجاهلية، أدرك الإسلام فحسن إسلامه وترك قول الشعر في الإسلام، سأله عمر في خلافته عن شعره واستنشده، فقرأ سورة البقرة، فقال: إنما سألتك عن شعرك، فقال: ما كنت لأقول بيتا من الشعر بعد إذ علمني الله البقرة وآل عمران، فأعجب عمر قوله، وكان عطاؤه ألفين فزاده خمسمائة.
وقد قال كثير من أهل الأخبار: إن لبيدا لم يقل شعرا منذ أسلم. وقال بعضهم: لم يقل في الإسلام إلا قوله:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي… حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
قال ابن عبد البر: وقد قيل إن هذا البيت لقردة بن نفاثة السلولي، وهو أصح عندي.
وقال غيره: بل البيت الذي قال في الإسلام:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه… والمرء يصلحه القرين الصالح
** وإذ قد كان نزول هذه السورة في أول عهد بإقامة الجامعة الإسلامية واستقلال أهل الإسلام بمدينتهم كان من أول أغراض هذه السورة تصفية الجامعة الإسلامية من أن تختلط بعناصر مفسدة لما أقام الله لها من الصلاح سعيا لتكوين المدينة الفاضلة النقية من شوائب الدجل والدخل.
قال صاحب نظم الدرر: “وتصنيف الناس آخر الفاتحة ثلاثة أصناف: مهتدين، ومعاندين، وضالين، مثل تصنيفهم أول البقرة ثلاثة: متقين، وكافرين مصارحين وهم المعاندون، وضالين وهم المنافقون، وإجمالهم في الفاتحة وتفصيلهم هنا من بديع الأساليب، وهو دأب القرآن العظيم الإجمال ثم التفصيل”
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
Source link