هل شكلت الهدنة بين المقاومة والصهاينة نصر للمقاومة، لماذا تراجعت الحكومة الصهيونية عن موقفها أسرى مقابل أسرى؟ وكيف تدير المقاومة صراع الاستراتيجات؟
“إذا عقدنا هذه الصفقة سنكون قد خسرنا الحرب”
هذا تصريح نائب رئيس الموساد الأسبق وعضو الكنيست الصهيوني الجنرال احتياط ميخائيل ريتسون، قبل الإعلان بساعات عن هدنة، في مرحلة جديدة من الحرب الدائرة بين الجيش الصهيوني والمقاومة الفلسطينية يتخللها تبادل للأسرى بين الفريقين.
ويضيف ريتسون: إن الجنود سيكونون مثل القنافذ خلال أيام الهدنة التي تم الاتفاق عليها وسيكون عليهم حماية أنفسهم، وهذا أمر مرعب.
وهنا يثار أسئلة تتعلق بالخاسر والكاسب من هذه الحرب.
لماذا قبل الكيان الصهيوني اتفاق الهدنة الآن بعد أن كان يصر على رفضها لأسابيع مضت، حتى أن ثلاثي مجلس الحرب الصهيوني كانوا يتنافسون في التحدي العلني بأنهم لن يوقفوا الحرب إلا بتحقيق هدفهم بتدمير حماس وتحرير رهائنهم بالقوة؟
هل قبولهم الهدنة استجابة لضغوط دولية ورأي عام عالمي يستنكر الاعتداءات الوحشية وعملية إبادة البشر والحجر في غزة؟
أما المقاومة الفلسطينية فهل قبلت الهدنة المؤقتة من منطلق ضعف أم قوة؟
من المستفيد الأكبر من توقف القتال المؤقت؟
إن حماس شنَّت العملية حتى يفهم العدو أن وقت هياجه دون مساءلة قد انتهى، بينما ذكر “علي بركة” عضو المكتب السياسي لحماس، أن الهجمات كانت رداً على الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وكسر الحصار المفروض على قطاع غزة.
وقبل الإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا عرض تفاصيل الصفقة باختصار.
بحسب بيان كتائب الشهيد عز الدين القسام، فإن التهدئة تمتد لمدة 4 أيام تبدأ من صباح يوم الجمعة، يرافقها وقف جميع الأعمال العسكرية من كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية وكذلك العدو الصهيوني طوال فترة التهدئة، كما تتضمن توقف الطيران المعادي عن التحليق بشكل كامل في جنوب قطاع غزة.
بينما يتوقف الطيران المعادي عن التحليق لمدة 6 ساعات يومياً من الساعة الـ 10 صباحاً وحتى الــ 4 مساء في مدينة غزة والشمال.
وبالنسبة للأسرى وفق بيان القسام سيتم الإفراج عن 3 أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال مقابل كل أسير صهيوني واحد، وفي خلال الــ 4 أيام سيتم الإفراج عن 50 أسيراً صهيونياً من النساء والأطفال دون الــ19 عاما، بينما يتم يومياً إدخال 200 شاحنة من المواد الإغاثية والطبية لكافة مناطق قطاع غزة، بالإضافة إلى إدخال 4 شاحنات وقود وكذلك غاز الطهي لكافة مناطق قطاع غزة.
علما بأن الهدنة قابلة للتمديد أربعة أيام أخرى بنفس الشروط.
موقع الهدنة في أهداف واستراتيجيات المقاومة
لكي يتبين لنا تأثير الهدنة على مسار المقاومة في غزة بزعامة حماس ومدى استفادتها منها ينبغي علينا، استعراض أهداف المقاومة من الحرب واستراتيجيتها لتحقيق هذه الأهداف.
يقول محمد الضيف، زعيم الجناح العسكري لحماس، في رسالة مسجَّلة بعد هجوم السابع من أكتوبر مباشرة، إن حماس شنَّت العملية حتى يفهم العدو أن وقت هياجه دون مساءلة قد انتهى، بينما ذكر “علي بركة” عضو المكتب السياسي لحماس، أن الهجمات كانت رداً على الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وكسر الحصار المفروض على قطاع غزة.
ولكن خليل الحية عضو المكتب السياسي لحماس يحدد الهدف الاستراتيجي لهجوم السابع من أكتوبر بقوله: إنه كان من الضروري تغيير المعادلة بأكملها وليس مجرد المواجهة العسكرية.
يقصد الحية بتغيير المعادلة، تغيير البيئة الاستراتيجية للمنطقة والتي كان السياق الإقليمي والدولي يسير فيها، وقطع فيها شوطا كبيرا، والتي كانت ترمي إلى تصفية مقاومة غزة باعتبارها حجر عثرة في استكمال خطوات التطبيع وتوسيع المشروع الإبراهيمي، وهذا ما أكدته صحيفة لوفيغارو الفرنسية، حين قالت في تحليل لها، إن هذا الهجوم غير المسبوق يمكن أن يحبط إعادة تشكيل الشرق الأوسط المأمول، من خلال ما يحدثه الهجوم من امتدادات للصراع.
اتبعت المقاومة الفلسطينية استراتيجية الدفع والجذب، فكان الهجوم على المستوطنات لاستدراج الجيش الصهيوني إلى غزة، وجره إلى هجوم بري ومستنقع طويل وعميق حيث الأرض الأصيلة للمقاومة وحاضنتها، وتتواجد الأنفاق خط دفاع المقاومة والتي جهزتها كمقر لحرب عصابات طويلة ضد الكيان.
وكانت إحدى أهم الأوراق التي استعملتها المقاومة لتنفيذ استراتيجيتها هي ورقة الأسرى والرهائن، وباتت كتائب القسام تلوح منذ اليوم الأول من عملية طوفان الأقصى بهذه الورقة لتحقيق أهدافها في هذه الحرب.
ولذلك تركزت بيانات المقاومة الفلسطينية على تبادل الأسرى والذي يتزامن مع هدنة: سواء كان تبادلا جزئيًا وعلى مراحل أو تبادل كامل، والوصول إلى ما يعرف بتصفير السجون والمعتقلات.
مجلس الحرب الصهيوني والنزول الى الواقع
حاول الكيان الصهيوني صياغة استراتيجيات عسكرية مضادة، وتتمحور حول ضرب المقاومة في خاصرتها وحاضنتها الشعبية، بجعل القطاع أرض محروقة وقتل أكبر عدد من أهل غزة، وتقسيم غزة إلى قسمين: شمالي وجنوبي وتهجير المدنيين القاطنين في شمال غزة إلى جنوبها، ومن ثم تهجيرهم إلى خارج غزة تجاه مصر.
ولكن القيادة الثلاثية الصهيونية نتانياهو وغالانت وغانتس منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، أصروا على رفض أي صفقة لتبادل الأسرى وحرق الورقة الفلسطينية، ورفع عنوان وأهداف حربها على غزة، وهي تدور على هدفين: القضاء على حماس وتحرير الرهائن الصهاينة بالقوة.
ولكن بعد مرور شهر ونصف بدأت القيادة الصهيونية بالتراجع.
الكيان الصهيوني وافق على الصفقة لعدة أسباب أهمها: الضغوط الكبيرة عليه من جانب أهالي الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية، وضغط الرأي العام العالمي، وأخيرا ارتفاع الخسائر لدى الجيش الصهيوني نتيجة هجمات المقاومة الناجحة
فطبقا لصحيفة هآرتس الصهيونية، فإن هناك جدالا يدور في الجانب الصهيوني، خاصة داخل مجلس الحرب الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذ يرى وزراء من حزب الوحدة الوطنية بمن فيهم بيني غانتس ولكن بشكل رئيسي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي آيزنكوت، أنه يجب على إسرائيل اغتنام الفرصة وإنقاذ كل من تستطيع إنقاذه على الفور، وإلا فإن حياتهم ستكون في خطر.
وتضيف الصحيفة أنه على النقيض من موقف وزراء حزب الوحدة الوطنية، هناك معسكر آخر يرى خلاف ذلك، يتزعمه وزير الدفاع يوآف غالانت ويدعمه جزئيًا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي هرتسي هاليفي وكبار ضباط الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك).
ويجادل أنصار هذا المعسكر بأنه ينبغي عدم وقف الزخم وأنه ينبغي تكثيف الضغط العسكري على حماس، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها انتزاع مزيد من التنازلات من القيادي في الحركة يحيى السنوار.
وينتقد تقرير هآرتس نتنياهو، لأنه منشغل باعتبارات سياسية وقلق من احتمال أن يتفوق عليه الوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذان يتبنيان موقفًا أكثر تشددًا حيال هذه القضية.
ولكن لماذا عاد مجلس الحرب ليتوحد ويتراجع ويعلن موافقته على القبول بهدنة مؤقتة في أثناءها يتم عمليات لتبادل الأسرى؟
صراع الاستراتيجيات:
وفق شبكة إن بي سي نيوز الأمريكية، فإن صفقة الهدنة وتبادل الأسرى تتطور منذ بدأ بريت ماكغورك كبير مستشاري الرئيس بايدن جولة في المنطق، بدأها بزيارة دولة الكيان، والمملكة العربية السعودية، والأردن، وقطر، ونشرت وسائل الإعلام حينها أن الجولة تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف حاسمة؛ الأول هو تأمين إتمام صفقة إطلاق الرهائن، والثاني تمهيد هدنة إنسانية أطول في غزة، والثالث هو منع نشوب حرب إقليمية.
وبحسب الصحف الأمريكية فإن نتنياهو جرّ بريت ماكغورك من يده وقال له نحن بحاجة للصفقة.
فالكيان الصهيوني وافق على الصفقة لعدة أسباب أهمها: الضغوط الكبيرة عليه من جانب أهالي الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية، وضغط الرأي العام العالمي، وأخيرا ارتفاع الخسائر لدى الجيش الصهيوني نتيجة هجمات المقاومة الناجحة فتولدت رغبة لديه لمراجعة الخطط والبحث عن المعلومات التي تساعده في التقدم وتقليل خسائره.
أما المقاومة الفلسطينية، فبمرور الوقت تبلور مقياس النصر عندها في حده الأدنى، وهو وقف إطلاق النار بشكل دائم وإدخال الحاجات الانسانية للقطاع، وإذا تحقق وقف إطلاق نار محدود فهو نصر جزئي للمقاومة. لذلك حرصت على إخراج الأسرى وهم الورقة الأقوى لديها بالتدريج حتى تطيل فترة وقف إطلاق النار، وربما تتغير الظروف حيث تتطور الضغوط العالمية والتناقضات داخل الوسط السياسي الصهيوني، وتزداد الخسائر البشرية والمادية التي يتكبدها الجيش الصهيوني، وتجبر الكيان على وقف إطلاق النار حينما يرى أن كلفة الاستمرار في الحرب أكبر من كلفة التوقف.
وهناك عدة أهداف أخرى تسعى إليها المقاومة الفلسطينية من صفقات التبادل والهدنة منها، إضعاف الفكرة العالمية عن المقاومة بانها إرهابية، ومنها أيضًا كسر المعادلة التي تريدها دولة الكيان الصهيوني: أسرى مقابل تهدئة، وتثبيت معادلة تريدها المقاومة وهي أسرى مقابل أسرى.
كذلك بهذه الهدنة تكسب المقاومة ثقة شرائح من أهالي غزة ممن تساءلوا عن جدوى هذه التضحيات الضخمة، حيث ستكون الهدنة فرصة لأهالي غزة بأن يلتقطوا أنفاسهم وخاصة أنهم النقطة الأضعف عند المقاومة، والخسائر الضخمة في الأرواح والممتلكات هي في صفوفهم.
_______________________________________________________
الكاتب: . حسن الرشيدي
Source link