قالﷺ لعبد الله بن عمرو: «يا عبدَ اللهِ لا تَكُنْ مِثلَ فُلانٍ، كان يَقُومُ الليلَ فتَركَ قِيامَ الليلِ».
عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرو بنِ العاصِ رَضْيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ لِي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «يا عبدَ اللهِ لا تَكُنْ مِثلَ فُلانٍ، كان يَقُومُ الليلَ فتَركَ قِيامَ الليلِ» (مُتَّفقٌ عليه).
وَعَنْ عَائِشةَ رَضْيَ اللهُ عَنْها قَالتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنَ الليلِ مِنْ وَجَعٍ أو غَيرِه صلَّى مِنَ النَّهارِ ثِنْتَي عَشَرَةَ رَكعَةً. (رَواهُ مُسلِمٌ).
قَالَ العلَّامةُ ابنُ عثيمينَ – رحمه الله -:
قال المؤلف – رحمه الله تعالى – فيما نقله عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا عبدَ اللهِ لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل»، ساق المؤلف هذا الحديث في باب الاستقامةِ على الطاعة ودوامِها، وأن الإنسانَ لا يقطعها.
وقد وصى النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عمرو ألا يكون مثل فلانٍ؛ ويحتملُ هذا الإبهام أن يكون من النبي عليه الصلاة والسلام وأن النبي صلى الله عليه وسلم أحبَّ ألا يذكر اسم الرجل، ويحتمل أنه من عبد الله بن عمرو أبهمه لئلا يطلع عليه الرواة، ويحتمل أنه من الراوي بعد عبد الله بن عمرو.
وآيًّا كان ففيه دليل على أن المهم من الأمور والقضايا القضيةُ نفسها دون ذكر الأشخاص، ولهذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد أن ينهَى عن شيءٍ فإنه لا يذكر الأشخاص، وإنما يقول: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» وما أشبه ذلك.
وتركُ ذكرِ اسمِ الشخص فيه فائدتان عظيمتان:
الفائدة الأولى: السترُ على هذا الشخص.
الفائدة الثانية: أن هذا الشخص ربما تتغير حاله؛ فلا يستحق الحكم الذي يحكم عليه في الوقت الحاضر؛ لأن القلوب بيد الله، فمثلًا: هب أنني رأيت رجلًا على فسق، فإذا ذكرت اسمه، فقلت لشخص: لا تكن مثل فلان؛ يسرق أو يزني أو يشرب الخمر، أو ما أشبه ذلك، فربما تتغير حال هذا الرجل، ويستقيم، ويعبد الله، فلا يستحق الحكم الذي ذكرته من قبل، فلهذا كان الإبهام في هذه الأمور أولى وأحسن، لما فيه من ستر، ولما فيه من الاحتياط إذا تغيرت حال الشخص.
وفي قوله عليه الصلاة والسلام: «كان يقوم من الليل فترك قيام الليل» التحذير من كون الإنسان يعمل العمل الصالح ثم يدعه، فإن هذا قد ينبئ عن رغبة عن الخير، وكراهة له، وهذا خطر عظيم، وإن كان الإنسان قد يترك الشيء لعذر، فإذا تركه لعذر، فإن كان مما يمكن قضاؤه قضاه وإن كان مما لا يمكن قضاؤه فإن الله -تعالى- يعفو عنه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من مرض أو سافر كُتب له ما كان يعملُ صحيحًا مقيمًا، وكذلك إذا تركه لعذر فإنه يقضه.
وفي حديث عائشة الذي ساقه المؤلف؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ترك قيام الليل من وجع أو غيره، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بإحدى عشر ركعة، فإذا قضي الليل ولم يوتر لنوم أو شبهه؛ فإنه يقضي هذه الصلاة، لكن لما فات وقت الوتر صار المشروع أن يجعله شفعًا، بناء على ذلك: فمن كان يوتر بثلاث ونام عن وتره فليصل في النهار أربعًا، وإذا كان يوتر بخمس فليصل ستًا، وإن كان يوتر بسبع فليصل ثماني، وإن كان يوتر بتسع فليصل عشرًا، وإن كان يوتر بإحدى عشرة ركعة فليصل اثنتي عشرة ركعة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.
وفي هذا دليل على فائدة مهمة وهي: أن العبادة المؤقتة إذا فاتت عن وقتها لعذر فإنها تقضى، أما العبادة المربوطة بسبب؛ فإنه إذا زال سببها لا تقضى، ومن ذلك سنة الوضوء مثلًا؛ إذا توضأ الإنسان فإن من السُّنَّةِ أن يصلي ركعتين، فإذا نسى ولم يذكر إلا بعد مدة طويلة سقطت عنه، وكذلك إذا دخل المسجد وجلس ناسيًا، ولم يذكر إلا بعد مدة طويلة فإن تحية المسجد تسقط عنه؛ لأن المقرون بسببٍ لابد أن يكون مواليًا للسبب، فإن فُصِل بينهما سقط، والله الموفق.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2 /245 – 247)
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد
بن سعود الإسلامية
Source link