حديثنا عن الرقية الشرعية، التي هي الدواء الشافي، والعلاج المعافي، والتي كان معلم البشرية عليه الصلاة والسلام يحث أصحابه عليها إذا جاؤوا يشكون إليه أمراضهم
معاشر المسلمين، لا يخفى علينا ما انتشر في هذا الزمان، وفي هذه الأيام من أمراض غريبة ومستعصية، حتى أصبحت كثيرٌ من بيوت المسلمين مليئةً بالأمراض بشتى أنواعها، وأصنافها، وأصبح كثير من الأمراض يبحثون عن أدوية يرفعون بها أمراضهم، واختلفت توجهاتهم باختلاف أمراضهم، فمنهم من يذهب إلى طبيب ماهر، ومنهم من يذهب إلى كاهن، أو ساحر، ومنهم من يدعو ويستغيث بأهل المقابر، نعم تنوعت توجهات الناس وأسبابهم باختلاف عقولهم، وعقائدهم، فمنها المباحة، ومنها المحرمة، لكنَّا سنتحدث اليوم عن طب مفقود عند كثير من الناس، إلا من رحم ربي – وقليل ما هم – أنزله الله، وجعل فيه الشفاء والرحمة، وجعل فيه البركة والعافية، لا من مرض، ولا من عشرة، ولكنه شفاءٌ لكل الأمراض الحسية، والمعنوية، شفاء للأمراض المزمنة، والمستعصية، شفاء للأمراض التي عجز الأطباء عن تطبيبها، شفاء للعلل التي عجز طب عن مداواتها، وسماها بالأدواء التي ليس لها دواء، شفاء للقلب والكبد، والسرطان وغير ذلك، شفاء للهم، والقلق، والحزن، والضيق، والاكتئاب، وما أشبه ذلك: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82].
إنه القرآن الذي به حياتنا، وسعادتنا، وشفاؤنا، إنه القرآن الذي يفعل ما لا يفعله طب أطباء الدنيا ولو اجتمعوا له، إنها الرقية الشرعية، التي أمرنا وحثنا عليها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
إنها الرقية الشرعية التي استغنى عنها، أو جهلها كثير من الناس، وأصبحوا يلجؤون، ويطرقون كل الأسباب، ونسوا كلام رب الأسباب، ومسبب الأسباب جل وعلا.
حديثنا اليوم عن الرقية الشرعية، التي هي الدواء الشافي، والعلاج المعافي، والتي كان معلم البشرية عليه الصلاة والسلام يحث أصحابه عليها إذا جاؤوا يشكون إليه أمراضهم، فقد روى الإمام مسلم رحمه الله عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال شكوت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وجعًا أجده في جسدي منذ أسلمت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانظروا كيف كان يربي أصحابه على الاعتماد على الله – قال: «ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: «بسم الله، بسم الله، بسم الله، ثم قل سبعًا: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأُحاذر»[1].
ما أعظم التربية الإيمانية! ما أعظم اليقين برب البرية سبحانه وتعالى! ما أعظم أن يعلق الإنسان قلبه بالله، الذي بيده الضر، والنفع، الذي بيده الشفاء، والعافية، فمن منا أيها الناس، من منا من الرجال أو النساء إذا أصيب بأي مرض من الأمراض، قبل أن يفكر بطبيب متخصص، قبل أن يفكر بمستشفى ما، قبل أن يتصل بمخلوق ضعيف، يتصل بالله ويعظم رجاؤه بالله، ويملأ قلبه ثقة بالله، ويستشعر قوله سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]، ثم يفعل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص، لماذا أيها الناس، لماذا قلَّ الاعتماد على الله؟! لماذا ضعفت الصلة بالله؟! لماذا أصبحنا لا نلجأ إلى ربنا إلا بعد أن ييأس منا الأطباء؟!
لماذا يُسأل بعض الأمراض الذين يأتون إلى الراقين عن مدة مرضه، فيجيب بأن له سنوات في هذا المرض، وقد طاف، وعرف جميع المستشفيات، وعرف الأطباء وجميع العلاجات، فما وجد في ذلك نفعا، ولا فائدة، ولا دواء، ثم يأتي بعد هذا الطواف الطويل ليجرب القرآن – كما يقول بعضهم!
لماذا أصبح القرآن، والرقية الشرعية لا يُلتفت إليها إلا بعد أن ييئَس المريض من حياته وشفائه، أين الثقة بالله؟ أين تعظيم الله؟ أين اليقين بموعود الله؟! ربما لو وعدك أيها المريض، مخلوقٌ ضعيف مثلُك، لركنت إلى وعده، ولفرح بموعوده والذي بيده ملكوت السماوات والأرض يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، ويقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، نسأل الله أن يردنا إليه ردًّا جميلًا!
والله لقد أصبح كثير من الأمراض يأتون إلى الأطباء ويتذللون بين أيديهم، ويحفظون أوامرهم، وتوجيهاتهم، وترى المريض يمتنع عن كل شيء يحبه، لا لشيء ولكن لأن الطبيب أمر، ونهى، ومنع من هذه الأكلة ومن هذه الشربة، وقال اشرب كذا، ولا تشرب كذا، وكل من هذا كذا، واحذر من كذا، ولا إله إلا الله! ورب الطب والأطباء يعرض أوامره ولا يأتمر بها إلا القليل، ولا ينتهي عما نهى إلا النزرُ اليسير!
ولا يعد هذا الكلام تنفيرًا أو تحريمًا للذهاب للتداوي عند الأطباء، لا ولكن نأسف ونتأسف على حالنا، وضعف اعتمادنا على خالقنا، ورازقنا.
وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مجموعة من الصحابة، ففني الطعام الذي كان معهم، فوقفوا على حي من أحياء العرب، فطلبوا منهم أن يضيفوهم، فمنعوهم، ثم لُدغ سيدُ القوم، فجاء واحد منهم إلى الصحابة، وقال: إن سيد القوم لدغ، فهل عندكم راق؟! – أي: هل عندكم من يعالج بالرقية الشرعية – فقال أبو سعيد: أنا راق، لكن لا أرقيه إلا بقطيع من الغنم! فوافقوا على ذلك، ثم أقبل، وقرأ عليه الفاتحة، فقفز المريض، أو سيد القوم، كأنما نشط من عقال، إلى آخر الحديث…..[2].
فسبحان الله! انظروا يا عباد الله، وانظر أيها المريض إلى يقين هذا الصحابي الجليل بكلام الله العلي العظيم، واعتقاده بأنه شفاء محقق، لا للتجربة، ولا للحظوظ، ولا للظنون، وإنما لأنه كلام الله المحفوظ.
هكذا ينبغي لمن يقرأ القرآن أن يستشعر عظمة القرآن، وأن يعلم علم يقين، أنه شفاء محقق، دون أي شك وقلق، ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله، كما قال ابن القيم رحمه الله[3].
وقال ابن القيم رحمه الله: أيضًا، «وهو يتحدث عن الفاتحة: ومكثت بمكة تعتريني أدواء لا أجد لها دواء، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، وأرى لها تأثيرا عجيبا، فكان بعضهم يشكون إليَّ أمراضهم، فأصفها لهم – أي: الفاتحة – فيبرأ كثير منهم سريعًا بإذن الله سبحانه وتعالى »[4].
هذه هي الفاتحة، هذه هي الفاتحة التي نحفظها كلنا، ونرددها كل يوم في صلاتنا، هذه هي الفاتحة التي لا تحتاج إلى قارئ متخصص، ولا إلى صاحب صوت جميل، وإلى صاحب ترتيل عظيم، وإنما على قدر يقين المريض يأتي الشفاء بإذن الرحيم الكريم.
يقول أحد الدعاة: ذهبت مرة لزيارة والد صديقي، فلما دخلت غرفة الإنعاش، وكان عليه عدد من الأجهزة، وبجانبه ممرضة بريطانية، ومعها كتاب تقرأ فيه، ثم وضعت يدي على رأسه وجعلت أقرأ سورة الفاتحة سبع مرات، وقرأت آية الكرسي والمعوذات، قال: سبحان الله! وأنا أقرأ، وأرقي هذا المريض، إذا بالجهاز يصفر، فقامت الممرضة وأغلقت الكتاب، وعدلت الجهاز ثم جلست، ثم عدلت شيئا آخر، ثم عدلت شيئا ثالثا، وصاحبي عبد الله يقول: هذا قرآن، هذا قرآن، قال: وأنا منشغل بالقراءة، ولم أدرِ بالذي يحصل، ثم لما انتهيت قلت: يا عبد الله ما الذي حصل؟ قال: أبي كان ضغطه منخفضا انخفاضا شديدا بعد العملية، حتى كاد يموت، فوضعوا له علاجًا ليرفع ضغطه بقدر معين، ولم يتحسن الوضع، فزادوه إلى مقياس أخطر، لأجل أن يرتفع الضغط، ولما بدأت تقرأ بدأ الضغط يرتفع من السبعين إلى الثمانين، إلى التسعين، إلى المائة، فاستغربت هذه الممرضة البريطانية من هذا الذي فعل ما عجزت عنه هذه الأجهزة.
فانظر يا عبد الله إلى بركة القرآن، وإلى شفاء القرآن، وإلى تأثير القرآن!
ويقول أحد الشباب: كان لي صديق ألماني، كنت أخرج معه كل يوم بسيارتي، فكنت أشغل في السيارة شريط قرآن، وذات يوم ركبت السيارة وما أشغلت الشريط، فقال لي صاحبي الألماني: افتح الموسيقى التي تفتحها كل يوم، قلت: هذا قرآن وليست موسيقى، قال: افتح افتح، قلت: كيف وأنت لا تفهم من ذلك شيئا، قال: لكني كلما ركبت معك شعرت براحة لا أحس بها في أي وقت، حتى أني أشتاق كل صباح لسماعه.
فسبحان الله! سبحان الله القائل: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، وسبحان الله! كما أن الجبال تتأثر بالقرآن، فإن الماء كذلك يتأثر ويتغير بالقرآن، فذرات الماء قبل القراءة، تختلف عن ذرات الماء بعد القراءة، والذي اكتشف هذا ليس رجلٌ مسلما، بل الذي اكتشفه عالم ياباني، وهو الذي ألف كتابا وسماه “رسالة من الماء” وذكر أنه فتح شريط قرآن بجانب ماء، فلما انتهى من فحص ذرات الماء، وجدها متغيرة في أشكالها، وكان قد جرب ذلك بأناشيد، وأغانٍ، ولكن لم يحصل من التغير ما حصل للقرآن.
القرآن، القرآن يا أمة القرآن، إلى كل مبتلى، إلى كل مريض، إلى كل كئيب، إلى كل حزين، شفاؤكم بالقرآن، تداووا به؛ ثقوا بالله، فهو عند ظن عبده به، علِّقوا قلوبكم بالقرآن، اقرأوا به على أنفسكم، اقرأ القرآن على نفسك أيها المريض، فأنت صاحب الوجع، وأنت صاحب الألم، وقراءة غيرك عليك، ليس كقراءتك على نفسك، وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة.
ولا يشترط فيمن يقرأ على نفسه أن يكون عالمًا، أو مجودًا، بل إن بركة القرآن تظهر بقدر يقين القارئ، وتوكله، وصدقه، وعظيم خضوعه وتذللـه.
أسأل الله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا وذهابًا لهمومنا، وشفاءً لأسقامنا، وأبداننا!
أيها المسلمون عباد الله، لقد سمعنا وتقدم معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه أذكارًا ورقًى يرقون بها أنفسهم، ويحفظون بها أبدانهم.
وهكذا ينبغي لكل مسلم، عاقل أن يحمي نفسه، ويحصنها، بالأذكار التي شرعها الله عز وجل.
ثم أوصيك أيها المريض إلى ما أرشد به النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار اليومية، والرقى الشرعية التي كان يعلم أصحابه عليه الصلاة والسلام فقد كان يعلمهم أذكارًا، ورقًى يرقون بها أنفسهم، ويحفظون بها أبدانهم، وهكذا ينبغي لكل مسلم، عاقل أن يحمي نفسه، ويحصنها، بالأذكار التي شرعها الله عز وجل فهي الحصن الحصين، والشفاء المبين، وإلا فإن الشياطين تعشعش في القلب الخرب والفارغ من ذكر الله عز وجل فكم هي البيوت التي امتلأت بالأمراض، والموسوسين، والسبب هو الابتعاد عن طاعة الله رب العالمين، والغفلة عن الأذكار اليومية، والرقى الشرعية.
ومن هذه الأذكار التي علمها النبي- صلى الله عليه وسلم أصحابه -: قول: «باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، فقد قال: من قالها ثلاث مرات حين يصبح، وحين يمسي لن يضره شيء»![5].
وقال أيضًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «اقرأ قل هو الله أحد، واقرأ المعوذتين ثلاث مرات تكفيك من كل شيء»[6].
ويقول: «من قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة، كفتاه»[7]، أي: حمتاه بإذن الله، ووقتاه، وحفظته من كل ما يضره، ويسوؤه، وغيرها كثير وكثير كما هو مدون في كتب السنة المطهرة.
وهنا رسالة نوجهها، وهي جواب عن سؤال كثير من الناس وهو: أنهم لا يجدون فائدة، ولا يجدون شفاء، ولا عافية؛ فقد يقرأ الواحد فترة من الزمن ثم يمل ويترك الرقية الشرعية، فنقول يا سبحان الله! قد يظل الواحد منا يتردد شهورًا، بل دهورًا على الأطباء، وعلى المخلوقين الضعفاء، ولا يكل، ولا يمل، ولا ييئَس، بل ربما قد باع بيته، وما فوقه وما تحته، كما يقول: بعضهم، وأما القرآن، والرقية الشرعية، التي هي بدون أجرة، وبدون أية خسارة مالية، فيقول ما وجدت فائدة، ولا أحسست بالعافية، والله المستعان.
فيا من تقرأ على نفسك القرآن، وما وجدت فائدة كما تقول، وتزعم: انظر في نفسك وحاسبها، ما هو السبب الذي جعلك لا تحس بالفائدة، ولا تشعر بالبركة والعافية؟ ربما أنك تقرأ القرآن، وليس في قلبك أي توكل على الله، أو ليس في قلبك يقين بموعود الله، كما نشاهده في هذا الزمان، فكثير من الناس لا يلجئون، ولا يعودون للقرآن إلا بعد الأطباء والمستشفيات، وبعد السفريات والعمليات، بل ربما – والعياذ بالله – بعد السحرة والمشعوذات! نسأل الله السلامة والعافية!
فانظر في نفسك – أيها المريض- ما الذي حجب عنك الفائدة؟ وما الذي أبعد منك العافية، صحيح أنه قد ربما تقرأ القرآن بيقين، بتوكل وخشوع، وبكاء وخضوع، لكن لابد لك من التأمل، وإعادة النظر في السبب الذي حجب عنك العافية، ربما دعوة أصابتك من مظلوم ظلمته، فحالت بينك وبين بركة القرآن، وشفاء القرآن، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
واختم لك بهذه القصة فلعل لك فيها عظة، وعبرة: يقول أحد من كان يعالج بالرقية الشرعية، وممن قد شفى الله على يديه جموع كثيرة، قال: دخل علي رجل يظهر عليه أثر الغنى والثراء، ثم قال لي: يا شيخ، عندي ألم في يدي اليسرى يكاد يقتلني، لا أنام في الليل، ولا أرتاح في النهار، ذهبت إلى أكثر من طبيب فما وجدت فائدة، ويشتد عليَّ الألم حتى انقلبت حياتي عذابا، مع أن عندي يا شيخ مؤسسات، وشركات، وأخشى أني أصبت بعين حاسدة، قال الشيخ: قرأت عليه الفاتحة، والمعوذات، فلم يظهر عليه أي أثر، فشكرني وخرج، ثم رجع لي بعد أيام، وما زال يشكو من الألم، فقرأت عليه وأكثرت عليه من القرآن، ولم يظهر عليه أي تحسن، فقلت له: لما اشتد عليه الألم، قد يكون ما أصابك هو عقوبة على شيء فعلته من ظلم أحد الضعفاء، أو أكل حقوقهم، أو غير ذلك، فانظر في نفسك وراجعها فيما فعلته فيما مضى من أيامك، فلم يرق له كلامي، وقال بكبر: أبدًا ما ظلمت أحدًا، وأشكرك على نصيحتك، ثم خرج وغاب عني أيامًا، فخشيت أن يكون وجد في نفسه بنصيحتي، ثم تفاجأت به يومًا في مكان ما، لقيني فأقبل إليَّ مسَلما ومسرورًا، سألته ما خبرك يا فلان؟ قال: الحمد لله؛ يدي بخير وعافية، بدون طبيب، ولا علاج! قلت: كيف؟ قال: لما خرجت من عندك في المرة الأخيرة، جعلت أفكر في نصيحتك، وأستعيد شريط ذكريات حياتي، وأفكر هل ظلمت أحدا؟! هل أكلت مال أحد من الناس؟! فتذكرت أني لما كنت أبني قصري، كان بجواره أرض لامرأة أرملة، فرغبت في ضمها إلى قصري؛ ليكون أوسع وأجمل، لكن الأرض كانت لهذه المرأة الأرملة الذي توفي زوجها عنها، وخلف لها أولادًا، فطلبت منها أن تبيعني هذه الأرض، لكنها أبت، وقالت: هي للأولاد حتى يكبروا، وأخشى أن يتشتت المال، فأرسلت لها بعد مرة وهي تأبى، فقلت له: وماذا فعلت؟ قال: أخذت أرضها بطُرقي الخاصة، فلديَّ علاقات واسعة، ومعرفة كبيرة، قلت له: وأم الأيتام؟ قال سمعت بما حصل لأرضها فكانت تأتي وتصرخ بالعمال وهم يضحكون، يظنونها مجنونة وفي الواقع أنني أنا المجنون الذي أخذت أرضها، كانت تبكي وترفع يديها إلى السماء، هذا الذي كنت أراه بعيني، ولعل دعاءها في ظلمة الليل كان أعظم! قلت له: أكمل ما الذي حصل؟ قال ذهبت أبحث عنها حتى وجدتها، فبكيت بين يديها، واعتذرت لها، وأعطيتها تعويضا عن أرضها، ولا زلت بها حتى قبلت وسامحتني، ورفعت يديها لتدعو لي، والله يا شيخ ما أنزلت يديها إلا ودبت العافية في جسدي.
فلا إله إلا الله!
الظلم ظلمات، الظلم قد يحجب عن الإنسان العافية، قد يحجب عنه إجابة الدعاء، وبركة القرآن… إلى غير ذلك، كيف لا؟ وقد حرمه الله على نفسه، فقال: «إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا»[8].
نسأل الله أن يطهر أيدينا، وألسنتنا من أعراض المسلمين، ومن دمائهم نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن، وأن يجعله ربيع قلوبنا، وشفاء لصدورنا، وجلاءً لأحزاننا، وذهابا لهمومنا، وغمومنا…………
________________________________________________________
الكاتب: يحيى بن حسن حترش
Source link