رمز الإيجابية ابن الإسلام ( سلمان ) – محمد سيد حسين عبد الواحد

إن من أعظم الدعوات التي دعا إليها الإسلام بعد التوحيد ، دعوته لأن يكون المسلم عالى الهمة إيجابيًا ، ولا أن يكون المسلم أبدا ساقط الهمة سلبيًا

أيها الإخوة الكرام : إن من أعظم الدعوات التي دعا إليها الإسلام بعد التوحيد ، دعوته لأن يكون المسلم عالى الهمة إيجابيًا ، ولا أن يكون المسلم أبدا ساقط الهمة سلبيًا ..

قال الله تعالى {﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

الإسلام يدعوك لأن تكون بالموضع الذي أنت فيه ( إيجابيًا ) فاعلًا جادًا قويًا مصلحًا ، قوالا للحق لا تخش في الله أحدًا ، لك في كل معروف بصمة ، الإسلام يدعوك لأن تكون أسرع الناس فعلا للخيرات ، ويدعوك أيضا لأن تكون أسرع الناس بعدا عن المنكرات ،ودائما أقول : لا يضر المسلم أن يكون ذيلا في الحق ، فهذا خير له من أن يكون رأسا في الباطل  ..

ورد في صحيح الجامع من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : 
كنا عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في صَدْرِ النَّهَارِ، قالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ، مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ العَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِن مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِن مُضَرَ  ..
قال جرير : فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لِما رَأَى بهِمْ مِنَ الفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فأمَرَ بلَالًا فأذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقرأ :  
{﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ وقرأ ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾}  
ثم قال عليه الصلاة والسلام «( تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِن دِينَارِهِ، مِن دِرْهَمِهِ، مِن ثَوْبِهِ، مِن صَاعِ بُرِّهِ، مِن صَاعِ تَمْرِهِ، حتَّى قالَ: ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، )»

قالَ جرير : «فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ بصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قدْ عَجَزَتْ، قالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِن طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَن عَمِلَ بهَا بَعْدَهُ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِمْ شَيءٌ، وَمَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كانَ عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَن عَمِلَ بهَا مِن بَعْدِهِ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ» .

الإسلام يدعوك أيها المسلم لأن تكون بالموضع الذي أنت فيه ( إيجابيُا ) فاعلًا جادًا قويًا مصلحًا فعّالًا للخير أو على الأقل دالاُ على الخير فالدال على الخير مشكورٌ ومأجورٌ «جاء رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: إنِّي أُبْدِعَ بي ( ماتت دابتي ) فَاحْمِلْنِي، فَقالَ: ما عِندِي، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللهِ، أَنَا أَدُلُّهُ علَى مَن يَحْمِلُهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَن دَلَّ علَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» .

الإنسان الإيجابي صاحب حق، ثم هو لا يكل ولا يمل من السؤال عن حقه ولا من المطالبة بحقه ، ولا يكل ولا يمل من السعي وراء حقه حتى يدركه قال الله سبحانه وتعالى { ﴿ وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُوا۟ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾}

وإن ذهبنا نبتغي مثالا لرجل كانت حياته ملآنه بالإيمان والإيجابية والجد والمثابرة والبحث والسعي إلى مبتغاه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن نجد مثالا أجدر من الفارسي ( سلمان ) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

الباحث عن الحقيقة ( سلمان ) سابق الفرس إلى الإسلام ( سلمان )
ينسب كل إنسان إلى أبيه ف ( عمر ) ينسب إلى الخطاب ، و( علي ) ينسب إلى أبي طالب و( خالد ) ينسب إلى الوليد .. كل ينسب إلى إبيه إلا سلمان .. يقول أبي الإسلام لا أب لي سواه وإن تفاخروا بقيس أو تميم ..

رمز من رموز الإيجابية ( سلمان )، وعنوان من عناوينها ( سلمان )..
سلمان الفارسي ، عده النبي صلى الله عليه وسلم من آل بيته، ثمّ لقبه صلى الله عليه وسلم بابن الإسلام، ولد (سلمان) في بلاد فارس بين قوم يسجدون (للنار) من دون الله ، فلم يستسلم لما هو فيه ولم يرض بما ولد عليه من عبادة النار ، فترك بلاد فارس وترك عبادة النار ليبحث عن الدين الحق ..

فتنقل بين الصوامع والبيَع، وبين الكنائس والمعابد ،بحثاً عن الدين الحق، وفي طريقه إلى الدين الحق عَلِمَ ( سلمان) علم التوراة والإنجيل، فكان من علماء أهل الكتاب ..قال الذهبي عن سلمان في السِّيَر: ” كان لبيباً، من عقلاء الرجال وعُبَّادهم ونبلائهم “.

قال ابن عباس رضي الله عنهما :
 حدَّثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلاً من أهل فارس، وكان أبي رئيس قريته ، وكان يحبُّني حبًّا شديدًا، لم يحبَّه شيئًا من ماله ولا ولده، فما زال به حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تُحبَس الجارية ..

قال سلمان : واجتهدت في المجوسية، حتى كنت قاطنَ النارِ الذي يُوقِدها ولا يتركها تخبو ساعة، فكنت كذلك لا أعلم من أمر الناس شيئًا إلا ما أنا فيه، حتى بنى أبي بنيانًا له، وكان له بستان فيه بعض العمل، فدعاني أبي فقال: أي بُنَي، إنه قد شغلني ما ترى من بنياني عن بستاني ، فانطلق إليه، فمُرْهم بكذا وكذا، ولا تحتبس عني يا سلمان، فإنك إن احتبست عني شغلتني عن كل شيء ..

قال سلمان : فخرجت أريد بستان أبي فمررتُ بكنيسة من الكنائس، فسمعت أصواتهم فيها، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: هؤلاء قوم يصلُّون، فدخلت أنظر، فأعجبني ما رأيت من حالهم، فو الله ما زلتُ جالسًا عندهم حتى غربت الشمس، وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت، ولم أذهب إلى بستانه، فقال أبي: أين كنت؟ ألم أقل لك: لا تحتبس عني؟ فقلت: يا أبتاه! مررتُ بناس يصلون، فأعجبتني صلاتهم ودعاؤهم فجلست أنظر كيف يفعلون ؟!

فقال أبي : أي بني، إن دينك خير من دينِهم.!! فقلت: لا والله، ما هو بخير من دينهم، هؤلاء قوم يعبدون الله، ويدعونه ويصلُّون له، ونحن إنما نعبد نارًا نُوقِدها بأيدينا، إذا تركناها ماتت، قال : فخافني أبي ، فجعل في رِجْلي حديدًا، وحبسني في بيتٍ عنده ..

قال فبعثت إليّ أهل الكنيسة ، فقلت لهم: أين أصل إلى هذا الدين الذي رأيتكم عليه؟ 
فقالوا: بالشام، فقلت: فإذا قدِم عليكم من هناك ناسٌ فآذنوني، فقالوا: نفعل، فقدم عليهم ناس من تجَّار الشام ، فبعثوا إليَّ أنه قد قدِم علينا تجار من تجَّار الشام ، فبعثت إليهم فقلت إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فآذنوني، فقالوا: نفعل، فلما قضوا حوائجهم وأرادوا الرحيل، بعثوا إليَّ بذلك، فطرحت الحديد الذي في رجلي، ولحقت بهم.

قال فانطلقت معهم حتى قدِمت الشام، فلما قدِمتُها سألتُ: مَن أفضل أهل هذا الدين؟ 
فقالوا: فلانا، فجئتُه، فقلت له: إني أحببت أن أكون معك في كنيستك، وأعبد الله فيها معك، وأتعلَّم منك الخير، قال: فكن معي، قال: فكنت معه، وكان رجل سوءٍ كان يأمرهم بالصدقة، ويرغبهم فيها، فإذا جمعها إليه اكتَنَزها ولم يُعطِها المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وفضة ، فأبغضتُه بغضًا شديدًا لما رأيت من حاله، فلم ينشبْ أن مات ..

فلما جاؤوا ليدفنوه، قلتُ لهم: إن هذا رجل سوءٍ، وكان يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، حتى إذا جمعتموها إليه، اكتنزها ولم يُعطِها المساكين، فقالوا: وما علامة ذلك؟ 
فقلت: أنا أخرج لكم كنزها، فقالوا: فهاتِه، فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبًا وفضة، فلما رأَوا ذلك، قالوا: والله لا يدفن أبدًا، فصَلَبوه على خشبة ورَمَوه بالحجارة، وجاؤوا برَجُل آخر فجعَلوه مكانه.

قال سلمان : فلا والله – يا ابن عباس – ما رأيتُ رجلاً قط أفضل منه وأشد اجتهادًا ولا زهادة في الدنيا، ولا أدأب ليلاً ونهارًا منه، ما أعلمني أحببتُ شيئًا قط قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرتْه الوفاةُ، فقلت: يا فلان، قد حضرك ما ترى من أمر الله، وإني واللهِ ما أحببتُ شيئًا قط حبك، فماذا تأمرني؟ وإلى مَن توصيني؟ فقال لي: أي بُنَي، والله ما أعلمه إلا رجلاً بالموصل فأتِه،قال فأتيته .. فكنت عنده .. فلما حضرته الوفاة قلت إلى من توصيني قال : والله ما أعلمه أي بني، إلا رجلاً بنَصيبينَ، قال فكنت عنده حتى حضرته الوفاة فقلت إلى من توصيني ؟ فقال: أي بني، والله ما أعلم أحدًا على مثل ما نحن عليه إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم، فأتِه .. قال فأتيته .. فكنت عنده واكتسبت حتى كانت لي ( غُنيمة وبقرات) حتى حضره الموت فقلت  إلى من توصيني ؟ قال: أي بني، والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه، آمرُك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نَبِيٍّ يبعث من الحرم، يهاجر إلى أرض سَبِخة ذات نخيلٍ، وإن فيه علامات لا تخفى ..
( بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ) يقصد (النبي الخاتم محمدا صلي الله عليه وسلم ) قال : فإن استطعت أن تخلصَ إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه ..

قال : فلما دفناه، أقمت حتى مرَّ بي رجال من العرب ، فقلت لهم: تحملونني معكم إلى أرض العرب، وأعطيكم غُنيمتي هذه وبقراتي؟ قالوا: نعم، فأعطيتهم إيَّاها ..

فحملوني حتى إذا جاؤوا بي وادي القرى، ظلموني فباعوني عبدًا لرجلٍ من يهود بوادي القرى، فوالله، لقد رأيت النخل وطمعت أن يكون البلد الذي وصفه لي صاحبي، (ولكنه لم يكن هو ) قال حتى قدم رجل من بني قريظة من وادي القرى، فاشتراني من صاحبي الذي كنت عنده، فخرج بي حتى قدِم بي يثرب ، فوالله، ما هو إلا أن رأيتُها فعرفت صفتها، فأقمت في العبودية مع صاحبي ..

قال :وبعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بمكة، لا يُذكر لي شيء من أمره، مع ما أنا فيه من العبودية ، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قُباء، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له، فوالله إني لفيها إذ جاء ابن عمٍّ له فقال: يا فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لفي قُباء مجتمعون على رجل جاء من مكة، يزعمون أنه نبي ..

قال سلمان فوالله ما هو إلا أن سمعتُها، فأخذتني ( الرعدة)، حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، فنزلت أقول: ما هذا الخبر؟ ما هو؟ 

قال : فرفع مولاي يدَه، فلكمني لكمة شديدة، وقال: ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك !!
قال : فلمَّا أمسيتُ، وكان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقُباء، فقلت: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، وأن معك أصحابًا لك غرباء، وقد كان عندي شيء للصدقة، فرأيتُكم أحقَّ مَن بهذه البلاد به، فها هو ذا فكُلْ منه، قال :فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال لأصحابه: (كُلُوا) ولم يأكل، فقلت في نفسي: هذه خلة مما وصف لي صاحبي  ..

قال : ثم رجعت، وتحوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجمعت شيئًا كان عندي، ثم جئته به، فقلت: إني قد رأيتُك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة، قال :فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه، فقلت: هذه الخلة الثانية التي وصف لي صاحبي ..

قال سلمان : ثم جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبع جنازة ، وهو في أصحابه، فاستدرت به لأنظر إلى الخاتم في ظهره، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرَف أني أود أن أرى شيئًا قد وُصف لي، قال : فوضع رسول الله رداءه عن ظهرِه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفَيه كما وصف لي صاحبي فأكببتُ عليه أقبِّله وأبكي، فقال عليه الصلاة والسلام (تحول يا سلمان هكذا) قال فتحولت فجلست بين يديه، وأحب عليه الصلاة والسلام أن يُسمع أصحابَه حديثي عنه، فحدثتهم يا ابن عباس كما حدثتك، فلما فرغت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كاتِبْ يا سلمان) قال : فكاتبتُ مولاي على ثلاثمائة نخلة أغرسها وأرويها حتى تُثمر ، فإن أثمرت فأنا حرٌّ ..

قال : وقال رسول الله لأصحابه أعينوا أخيكم فأعانوني كل بما عنده هذا يأتيني بفسيلة وهذا يأتيني بفسيلتين وذاك يأتي بعشرة والآخر بعشرين حتى جمعوا الثلاثمائة ، قال: فقال لي رسول الله احفر لها ولا تغرسها سأغرسها لك أنا قال ففعلت وجاء رسول الله فغرس الفسائل كلها إلا واحدة كانت بيد عمر فغرسها عمر ..
قال فعاشت الفسائل لم يمت منها واحدة ، وحملت النخل جميعها من عامها ببركة النبي صلى الله عليه وسلم إلا نخلة واحدة ، وهى التي غرسها عمر ، قال :فبقيت عبدا مملوكا فجاء رسول الله فنزعها ثم غرسها هو فأثمرت ..

وكافأ الله سلمان على جهده وعلى سعيه فحرره من العبودية ، وهداه إلى الإسلام ،ورزقه صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشهد المشاهد مع رسول الله مجاهدا في سبيل الله وبقى بين الصحابة لا ينسب إلا إلى الإسلام ولما تحدث رسول الله عن آل بيته عد منهم (سلمان) فقال عليه الصلاة والسلام (سلمان منا أهل البيت )
ولم يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحياة الدنيا حتى بشر (سلمان) بالجنة فقال ” إن الجنة لتشتاق إلى أربعة : علي، وأبي ذر ، وعمار، وسلمان “.

قال أبو هريرة : كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ﴾ قال رجل: مَن هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثًا، قال أبو هريرة : وفينا ( سلمان ) قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على (سلمان) ثم قال: (لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء).

رضى الله عن ( سلمان ) وعن جميع الكرام من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى جميع من سار على هديهم وتشبه بهم إلى يوم القيامة إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير .

الخطبة الثانية 
بقى لنا في ختام الحديث عن ضرورة أن يكون المسلم مجتهدًا طموحًا إيجابيًا حتى يحقق أهدافه وغاياته في هذه الحياة الدنيا .. بقى لنا أن نقول : إن هذه الدنيا مدرسة فيها دروس وفيها عبر وفيها مواقف من لم يتعلم منها فاته أجمل ما فيها ..

ومن الدروس التي تعلمناها في هذه الحياة أنه لا يوجد شيء ب(المجان) ، فكل شيء له ثمنه ، فمن طلب العلى سهر الليالي ، وما نيل المطالب بالتمني ولكن ألق دلوك في الدلاء ..
حتى جنة الآخرة والتي عرضها كعرض السماء والأرض جعلها الله تعالى لمن يدفع الثمن {﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ ﴾}

حتى رحمة الله تعالى والتي وسعت كل شيء لا يبذلها الله سبحانه وتعالى مجانًا ، إنما يبذلها في أهلها قال الله تعالى { ﴿ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾  ﴿ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلْأُمِّىَّ … ﴾}

هذه هى سنة الله سبحانه وتعالى ( من زرع حصد ) و (من جد وجد ) و ( من سار على الدرب وصل ) 

النجاح يأتي بعد ( سهر )، والتوفيق يأتي بعد (مجاهدة ) ، والراحة تأتي بعد (تعب) ، والنصر يأتي بعد (بذل الأسباب) وعلى رأس أسباب النصر صلاح الدين ..

واقرأوا التاريخ لتعلموا أنه ما انتصر (صلاح الدين ) إلا بصلاح الدين ، ولن يعود فينا (صلاح الدين ) ألا بصلاح الدين ..
يوسف بن أيوب والملقب بالملك الناصر صلاح الدين ولد بالعراق ومات بدمشق وهو أحد أعظم قادة المسلمين وأكثرهم شهرة فتحت قيادته قهر المسلمون الصليبيين في معركة حطين، في يوم الخامس والعشرين من ربيع الآخر من عام ٥٨٣هجرية ، وتحت رايته استعاد المسلمون بيت المقدس ..
من بين ما أثر عن (صلاح الدين) أنه كان يمر على خيام المجاهدين في الليل فإذا مر على خيمة  ( قام أهلها ) قال من هنا يأتي النصر ، وإذا مر على خيمة ( نام أهلها ) قال أخشى أن تأتي الهزيمة من هنا …

قيل لرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في غزوة الأحزاب: يا رسول الله، إنَّ قريشًا جاءت ومعها ( فلول العرب ) فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – : (أوتَحزَّبوا؟) 
قيل: نعم، قال: (إذًا أبشِروا بِنَصر الله) وكأنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يبيِّن لنا القانون الإلهيَّ أنَّه إذا تحزَّب أعداء الله ضدَّ دين الله والمسلمين، واتَّخَذ المسلمون من أسباب النصر ما يُواجهون به هذا ( التحزُّبَ) أكرَمَ الله المسلمين بالنَّصر المبين..

وقد وردت مقومات النصر مجتمعة ومرتبة في سورة الأنفال : قال الله تعالى : {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ وقال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ وقال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ وقال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ  ﴾ وقال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا  ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾} وقال ( {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تر هبون به عدو الله وعدوكم .} . )

هذه هي مقوِّمات النَّصر وهذه أسبابه، وبهذه الأسباب تَخْرج الأمة من مرحلة الذُّلِّ والهوان ، وتسحب رأسها من تحت أقدام عدوها، حتَّى يعود للإسلام سيادته ومجده، وتتحول الأمة من مرحلة الهزيمة إلى مرحلة النصر والتمكين .

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعجل للمسلمين بنصر قريب إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير .


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *