متى نصر الله؟ … ألا إن نصر الله قريب

منذ حوالي ساعة

إن الجهاد والصبر عليه يهب النفوس قوة، ويرفعها على ذواتها، ويطهرها في بوتقة الألم، فيصفو عنصرها ويضيء، ويهب العقيدة عمقًا وقوة وحيوية…

متى نصرُ اللهِ؟

هذا السؤال لا يسأله الكافر، {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ} [محمد: 11].

 

ولا يسأله المنافق، ولا ضعاف النفوس، ولا ضعاف الإيمان، {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 138، 139].

 

هذا السؤال يسأله فقط فئة من المؤمنين الذين وصفهم الله في الآية الكريمة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

 

هذه الفئة من المؤمنين، كانت على مر الأزمنة، منذ عهد رسول الله، وأصحابه الكرام، وحتى يومنا هذا هم أصحاب العقيدة الحقة، يدافع أصحابها عن عقيدتهم، ويلقون في سبيلها العنت والألم والشدة والضر، يتراوحون بين النصر والهزيمة حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم، لم تزعزعهم شدة، ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتنة.. استحقوا نصر الله، لأنهم يومئذ أمناء على دين الله، مأمونون على ما ائتمنوا عليه، صالحون لصيانته والذود عنه. واستحقوا الجنة لأن أرواحهم قد تحررت من الذل، وتحررت من الحرص على الحياة أو على الدعة والرخاء، فهي عندئذ أقرب ما تكون إلى عالم الجنة، وارفع ما تكون عن عالم الطين.

 

قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

 

هكذا خاطب الله الفئة المسلمة الأولى، محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وهكذا وجهها الله إلى كل فئة مؤمنة على مر الأزمان، وإلى سنته – سبحانه – في تربية عباده المختارين، الذين يكل إليهم رايته، وينوط بهم أمانته في الأرض ومنهجه وشريعته، وهو خطاب مطرد لكل من يختار لهذا الدور العظيم..

 

وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة.. إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه.. من الرسولِ الموصول بالله، والمؤمنين الذين آمنوا بالله، إن سؤالهم: متى نصر الله؟ ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة بالله. ولن تكون إلا محنة فوق الوصف، فتبعث منها ذلك السؤال: متى نصر الله؟

 

وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة.. عندئذ تتم كلمة الله، ويجيء النصر من الله: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} .

 

فأبشروا يا أهل غزة، وليستبشر كلُّ مسلمٍ لديه هذه العقيدة، ودعكم من المنافقين والمتخاذلين، الذين يبتغون العزة لدى اليهود والأمريكان المشركين.

 

{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 138، 139].

 

إن ما يحدث الآن في غزة هو بداية النصر بإذن الله، إنها بشريات النصر لمن يستحقونه، ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية، الذين يثبتون على البأساء والضراء، الذين يصمدون للزلزلة، الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة… الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله، وعندما يشاء الله، وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها، فهم يتطلعون فحسب إلى نصر الله، لا إلى أي شيءٍ آخر.

 

ووالله إنَّ هذا ما نراه من أهل غزة، رغم تخاذل ضعاف النفوس، فقد اجتمعت عليهم ملل الكفر بكل ما لديهم من أسحلة يحرقون الحجر والبشر، ولا يرحمون طفلًا ولا شيخًا، وإنها لإبادة للجميع، وأهلُ غزة لا نداء لهم إلا الله، ثابتون على عقيدتهم، واثقين بما عند الله.

 

إن الجهاد والصبر عليه يهب النفوس قوة، ويرفعها على ذواتها، ويطهرها في بوتقة الألم، فيصفو عنصرها ويضيء، ويهب العقيدة عمقًا وقوة وحيوية، فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها. وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجًا كما وقع، وكما يقع في كل قضية حقٍّ، يلقى أصحابها ما يلقون في أول الطريق، حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين..

 

على أنه – حتى إذا لم يقع هذا – يقع ما هو أعظم منه في حقيقته. يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى الأرض وشرورها وفتنتها، وأن تنطلق من إسار الحرص على الدعة والراحة، والحرص على الحياة نفسها في النهاية.. وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها، وكسب للأرواح التي تصل إليه عن طريق الاستعلاء.. كسب يرجح جميع الآلام وجميع البأساء والضراء التي يعانيها المؤمنون، والمؤتمنون على راية الله وأمانته ودينه وشريعته.

 

هنيئًا لكم أهل غزة بثباتكم ومسيرتكم على صراط ربكم، وانطلاقكم في مسيرتكم.

 

وهذا الانطلاق هو المؤهل الجنة في نهاية المطاف.. وهذا هو الطريق..

 

هذا هو الطريق كما يصفه الله للفئة المسلمة الأولى، ولكل فئة مسلمة في كل جيل.

 

هذا هو الطريق: إيمان وجهاد.. ومحنة وابتلاء. وصبر وثبات.. وتوجه إلى الله وحده. ثم يجيء النصر. ثم يجيء النعيم.. إن شاء الله.

 

بهذا يدخل المؤمنون الجنة، مستحقين لها، جديرين بها، بعد الجهاد والامتحان، والصبر والثبات، والتجرد لله وحده، والشعور به وحده، وإغفال كل ما سواه وكل من سواه.

______________________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *