منذ حوالي ساعة
ينبغي للمسلمين أن يتهيؤوا لصلاة الجمعة بالتبكير إليها؛ كما هي عادة الصحابة رضي الله عنهم، فقد كانوا يأكلون الغداء، ويستريحون قبل الزوال، إلا يوم الجمعة؛ لانشغالهم بالاستعداد للجمعة، والتبكير إليها
صلاة الجمعة من شعائر الله الزمانية التي عظَّمها الله تعالى، وأمر بتعظيمها؛ كما قال سبحانه معظمًا شأن الجمعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الجمعة: 9)، فإذا نُودِيَ بالأذان، حرُم اللهو، والبيع، والصناعات كلها، والنوم، وأن يأتي الرجل أهله، وأن يكتب كتابًا؛ وهو قول الجمهور.
إخوتي الكرام، ينبغي للمسلمين أن يتهيؤوا لصلاة الجمعة بالتبكير إليها؛ كما هي عادة الصحابة رضي الله عنهم، فقد كانوا يأكلون الغداء، ويستريحون قبل الزوال، إلا يوم الجمعة؛ لانشغالهم بالاستعداد للجمعة، والتبكير إليها، فلا يبقى لهم وقت للقيلولة قبل صلاة الجمعة؛ قال سهل رضي الله عنه: “ما كنا نَقِيل، ولا نتغدَّى إلا بعد الجمعة”؛ ( (رواه البخاري ومسلم) )، والقيلولة: هي الاستراحة وسط النهار، وإن لم يكن معها نومٌ.
ويتهيأ للجمعة بالغُسْلِ، واختُلف في حكمه بين الوجوب والاستحباب؛ فاستدل القائلون بالوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل مُحْتَلِمٍ»؛ (رواه البخاري)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل»؛ (رواه البخاري)؛ فالاغتسال خاصٌّ بمن يأتي إلى الجمعة، وليس للجميع.
واستدل القائلون بالاستحباب بقوله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونِعْمَتْ، ومن اغتسل فالغسلُ أفضل»؛ (رواه الترمذي والنسائي)، فينبغي الاغتسال؛ إدراكًا للفضل، وخروجًا من الخلاف.
ويتهيأ للجمعة باستعمال السواك والطِّيب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلمٍ، وأن يستنَّ –أي: يدلك أسنانه بالسواك– وأن يَمَسَّ طِيبًا إن وَجَدَ»؛ (رواه البخاري).
ويتهيأ للجمعة بلُبْسِ أحسن الثياب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما على أحدكم إن وجد سعةً أن يتخذ ثوبين لجمعته، سوى ثوبَي مهنته»؛ (صحيح، رواه ابن ماجه).
وشروط صلاة الجمعة نوعان: شروط وجوب، وشروط صحة؛ فأما شروط الوجوب: فالجمعة واجبة على المسلم، العاقل، البالغ، الحر، الذكر، المقيم، الذي ليس له عذر؛ ومن الأعذار: المرض، وأن يكون في طريقه مطر أو وحل؛ والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الجمعة حقٌّ واجب على كل مسلمٍ، في جماعةٍ، إلا أربعةً: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض»؛ (صحيح، رواه أبو داود)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «رَواح الجمعة واجبٌ على كل محتلمٍ»؛ (رواه النسائي)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( «ليس على مسافر جمعة»؛ (صحيح، رواه الطبراني في الأوسط).
وأما شروط صحة صلاة الجمعة: أن تتقدم الخطبة على الصلاة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تُقام في وقتها الشرعي الصحيح، والراجح أن الجمعة لها وقتان: وقت قبل الزوال وعند الزوال، ووقت بعد الزوال، وهذا يوضِّح الفرق بينها وبين الظهر.
وبالنسبة للعدد الذي تصح به صلاة الجمعة، فتصح باشتراط العدد الكثير من غير تقييد بعدد، واختار الشوكاني أنها تصح باثنين كسائر الصلوات، ورجَّح بعض العلماء أنها تصح بثلاثة؛ الإمام واثنين معه، وتجِب عليهم.
وصلاة الجمعة فرضُ عينٍ على الرجال، وهي أفضل من صلاة الظهر بلا نزاع، بل هي مستقلة بذاتها، ليست بدلًا من الظهر، وإنما الظهر بدل عنها إذا فاتت.
أيها الإخوة، وتُدرك الجمعة بإدراك ركعة واحدة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعةً من صلاة الجمعة أو غيرها، فقد أدرك الصلاة».
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعةً من الجمعة أو غيرها، فقد تمت صلاته»؛ (صحيح، رواه النسائي)؛ ومفهومه: إذا لم يدرك ركعةً، فإنه لم يدرك الجمعة، فيُتمها ظهرًا أربع ركعات.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة راتبة قبل الجمعة، ولكن إذا دخل المصلي المسجد، سُنَّ له أن يصليَ تحية المسجد ركعتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثم يصلِّي ما كُتب له»؛ (رواه البخاري)؛ قال ابن القيم رحمه الله: “الجمعة كالعيد، لا سُنَّة لها قبلها… فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته، فإذا رَقِيَ المنبر، أخذ بلال في أذان الجمعة، فإذا أكمله، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل، فمتى كانوا يصلون السُّنَّة؟! ومن ظنَّ أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الأذان، قاموا كلهم، فركعوا ركعتين، فهو أجهل الناس بالسُّنَّة”.
والذي يُبكِّر لصلاة الجمعة، فيمكنه أن يصلي ما كُتب له، أو يقرأ القرآن، أو يدعو، أو يشتغل بالذكر المطلق، أو الاستغفار ونحو ذلك.
وهناك سنة راتبة بعد صلاة الجمعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصلِّ بعدها أربعًا»؛ (رواه مسلم)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته))؛ (صحيح رواه أبو داود).
ويُجمع بين الحديثين؛ فيُقال: إن صلى في المسجد صلى أربعًا، وإن صلى في بيته صلى ركعتين؛ وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم.
عباد الله، ومن أهم مقاصد الخطبة موعظة الناس وتذكيرهم؛ عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ((كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان، يجلس بينهما؛ يقرأ القرآن، ويذكِّر الناس))؛ (رواه مسلم).
ويُستحَب قراءة سورة “ق” أحيانًا؛ عن أم هشام بنت حارثة رضي الله عنها قالت: ((ما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]، إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر، إذا خطب الناس))؛ (رواه مسلم).
وسبب اختيار النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة؛ لِما اشتملت عليه من ذكر البعث والموت، والمواعظ الشديدة، والزواجر الأكيدة.
عباد الله، هناك آداب ينبغي أن يتأدب بها المسلم عند مجيئه لصلاة الجمعة، فمن الآداب الواجبة: أن يصلي ركعتين تحيةً للمسجد للأمر العام؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوَّز فيهما»؛ (رواه مسلم).
ومن الآداب المستحبة: أن يدنوَ من الإمام، وهو أمرٌ قلَّ الحريصون عليه، وغفل الكثير عما ورد فيه من ترغيب؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «احضُروا الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخَّر في الجنة، وإن دخلها»؛ (حسن، رواه أبو داود).
ومن الآداب المستحبة: أن يجلس حيث وجد المكان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُقِيمَنَّ أحدكم أخاه يوم الجمعة، ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن يقول: افسحوا»؛ (رواه مسلم)؛ أي: يقول ذلك قبل الخطبة.
ومن الآداب الواجبة: أن يُنْصِتَ إذا بدأ الإمام يخطب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت والإمام يخطب، فقد لَغَوتَ»؛ (رواه البخاري ومسلم)؛ أي: بطلت جمعتك، وصارت ظهرًا، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن لغا، وتخطَّى رقاب الناس، كانت له ظهرًا»؛ (حسن، رواه أبو داود)، وحتى لو عطس لا يُشرَع تشميته؛ لوجوب الإنصات، فكما لا يُشمَّت العاطس في الصلاة، كذلك لا يُشمَّت حال الخطبة.
ومن الآداب المستحبة: أن يتحول من مكانه إذا نَعَسَ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نعس أحدكم يوم الجمعة، فليتحوَّلْ من مجلسه ذلك»؛ (صحيح، رواه الترمذي).
ومن الآداب الواجبة: ألَّا يتخطى رقاب الناس، ولا يفرِّق بينهم؛ قال عبدالله بن بسر رضي الله عنه: ((جاء رجل يتخطَّى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اجلس؛ فقد آذيت، وآنيت»؛ (رواه أحمد، وأبو داود)؛ آذيت: بتخطيك رقاب الناس، وآنيت: أخَّرت المجيء.
ويُستثنى من ذلك الإمام إذا لم يجد طريقًا، ومن رأى فُرْجَةً لا يصل إليها إلا بالتخطي على خلاف في ذلك، ومن جلس في مكان ثم خرج لحاجة، ثم عاد إلى مكانه، ويتأكد التخطي إذا ترك الناس الصفوف الأولى، وجلسوا في آخر المسجد؛ قال الحسن رحمه الله: “تخطوا رقاب الذين يجلسون على أبواب المساجد؛ فإنه لا حرمة لهم”.
ثم اعلموا – بارك الله فيكم – أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، واعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على النبي؛ فقال جل شأنه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشرًا».
فاللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الطاهرين، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
_______________________________________________________
الكاتب: الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
Source link