منذ حوالي ساعة
قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم البَاءَةَ فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ»
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم البَاءَةَ فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ»؛ (متفق عليه) .
المفردات:
النكاح: هو في اللغةِ الضمُّ والتداخل، ويستعمل في عقد الزواج، وفي الوطء، قال أبو علي الفارسي: إذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان؛ فالمراد: العقد، وإذا قالوا: نكح زوجته، فالمراد الوطء؛ اهـ.
وأكثر ما يُستعمل في الكتاب والسُّنة بمعنى العقد، وقد أفاد أبو الحسين بن فارس أن النكاح لم يَرِد في القرآن إلا للتزويج إلا في قوله تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6]، فإن المراد به الحُلُم، وأما قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، فإن معناه أيضًا العقد؛ أي: حتى تتزوَّج زوجًا غيره، لكن السُّنَّة قيَّدت هذا الإطلاق بأنه لا بد من ذوق العُسَيْلة، كما أنه لا بد من التطليق وتمام العدة بعد ذوق العُسَيلة أيضًا.
قال لنا؛ أي: للشباب.
يا معشر الشباب: المعشر هم الجماعة الذين يشملهم وصفٌ من الأوصاف؛ فالشباب معشر، والشيوخ معشر، والأنبياء معشر، والنساء معشر، والشباب جمع شابٍّ، ويجمع أيضًا على شَبَبة وشبَّان، وأصله الحرجة والنشاط، قيل: هو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل الثلاثين، وقال الحافظ في الفتح: قال القرطبي في المُفهِم: يقال له: حَدَثٌ إلى ست عشرة سنة، ثم شابٌّ إلى اثنين وثلاثين، ثم كهلٌ، وكذا ذكر الزمخشري في الشباب أنه من لَدُنِ البلوغ إلى اثنين وثلاثين، وقال ابن شاس المالكي في (الجواهر): إلى أربعين، وقال النووي: الأصح المختار أن الشاب مَن بلغ ولم يجاوز الثلاثين، ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين، ثم شيخ؛ اهـ.
البَاءَة: قال النووي: اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد:
أصحهما أن المراد معناها اللُّغوي، وهو الجماع، فتقديره: مَن استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤونته – وهي مؤن النكاح – فليتزوَّج، ومَن لم يستطع الجماع لعجزِه عن مؤنه، فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شرَّ مَنِيِّه كما يقطعه الوجاء، وعلى هذا القول وقع الخطابُ مع الشباب الذين هم مَظنَّة شهوة النساء، ولا ينفكون عنها غالبًا.
والقول الثاني: أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح، سُمِّيت باسم ما يلازمها، وتقديره: مَن استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته، والذي حمل القائلين بهذا على ما قالوه قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن لم يستطع، فعليه بالصوم»، قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة، فوجب تأويل الباءة على المؤن؛ اهـ.
هذا ويقال فيها: الباءة والباهة، والباه والباء.
فإنه أغض للبصر؛ أي: فإن الزواج أشدُّ حملًا للبصر على الانكسار وعدم حدادة النظر إلى النساء.
وأحصن للفرج؛ أي: وأشد منعًا للإنسان من الوقوع في الفاحشة؛ لأنه إذا وقعت عينُه فجأة على امرأة أعجبَتْه، انصرف إلى أهله فقضى شهوته، فيكون ذلك تحصينًا لفرجه؛ كما روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رفعه: «إذا أحدُكم أعجبَتْه المرأة فوقَعَت في قلبه، فليعمَدْ إلى امرأته فليواقِعْها؛ فإن ذلك يردُّ ما في نفسه».
فعليه بالصوم؛ أي: فعلى غير المستطيع مؤنَ الزواج الذي لا يقدر على النكاح، الصومُ، وليس هذا من باب إغراء الغائب، بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم بقوله: من استطاع منكم، فالهاء في قوله: (فعليه) ليست لغائب، وإنما هي للحاضر المبهم المنزل منزلة الغائب؛ إذ لا يتوجَّه خطابه بالكاف هنا، قال الحافظ في الفتح نقلًا عن عياض: ونظير هذا قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]، إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178]، ومثله لو قلتَ لاثنين: مَن قام منكما فله درهم؛ فالهاء للمُبهَم من المخاطبينِ، لا لغائب؛ اهـ.
هذا والأمر بالصوم دون الأمر بالجوع وقلة ما يثير الشهوة؛ ليجمع للشاب فضل عبادة الصوم مع الجوع وقلة ما يثير الشهوة، والصوم كذلك يورث التقوى التي تحمل الإنسان على البعد عمَّا حرَّم الله.
فإنه له وجاء؛ أي: فإن الصوم يعمل في كسر الشهوة كما يعمل الوجاء، وأصل الوِجاء – بكسر الواو -: الغمز والدفع، تقول: وجأه في عنقه إذا غمزه دافعًا له، ووجأه بالسيف إذا طعنه به، ووجأ أَنثيَيْه غمزهما حتى رضَّهما، والوجاء كالإخصاء في قطع عمل الأُنثَيين، غير أن الوجاء إبطال مفعولهما برضِّهما حتى ينتفخا، والإخصاء سلَّ البيضتينِ.
أورد البخاري هذا الحديث من طريق الأعمش قال: حدثني إبراهيم عن علقمة، قال: كنتُ مع عبدالله، فلقِيَه عثمان بمنًى، فقال: يا أبا عبدالرحمن، إن لي إليك حاجةً فخَلَيَا، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبدالرحمن في أن نُزوِّجك بكرًا، تُذكِّرك ماكنتَ تعهَدُ؟ فلما رأى عبدالله أن ليس له حاجةٌ إلى هذا، أشار إليَّ، فقال: يا علقمة، فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلتَ ذلك، لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاءٌ».
وفي لفظ من طريق الأعمش قال: حدثني عمارة، عن عبدالرحمن بن يزيد قال: دخلت مع علقمة والأسود على عبدالله، فقال عبدالله: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، مَن استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء».
أما مسلم رحمه الله، فقد أورد من طريق الأعمش عن عمارة بن عمير، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله باللفظ الذي ساقه المصنِّف وأورده من طريق أبي معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كنتُ أمشي مع عبدالله بمنًى، فلقيه عثمان، فقام معه يحدِّثه فقال له عثمان: يا أبا عبدالرحمن، ألا نزوِّجك جاريةً شابَّةً لعلها تذكِّرك بعض ما مضى من زمانك؟ قال عبدالله: لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء».
ثم ساقه من طريق جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: إني لأمشي مع عبدالله بن مسعود بمنًى إذ لقيه عثمان بن عفان، فقال: هَلُمَّ يا أبا عبدالرحمن، قال: فاستخلاه، فلما رأى عبدالله أن ليست له حاجة، قال: قال لي: تعال يا علقمة، قال: فجئت، فقال له عثمان: ألا نُزوِّجك يا أبا عبدالرحمن جاريةً بِكرًا؛ لعله يرجع إليك من نفسك ماكنت تعهد؟ فقال عبدالله: لئن قلت ذاك، فذكر بمثل حديث أبي معاوية؛ اهـ
هذا والترغيب في الجارية الشابَّة؛ لأنها تجمع مقاصد النكاح غالبًا، فهي – كما قال النووي – ألذُّ استمتاعًا، وأطيب نكهةً، وأرغب في الاستمتاع الذي هو مقصود النكاح، وأحسن عشرةً، وأفكه محادثةً، وأجمل منظرًا، وألين ملمسًا، وأقرب إلى أن يعودها زوجُها الخلاق التي يرتضيها؛ اهـ.
وفي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجابر رضي الله عنه: «هَلا تزوَّجت بكرًا تُلاعبها وتُلاعبك».
زاد مسلم: «وتُضاحكها وتُضاحكك».
ما يفيده الحديث:
1- الحض على الزواج والترغيب فيه للقادر عليه.
2- جواز تخفيف الشهوة الجامحة بواسطة الأدوية.
3- استحباب الصيام للشابِّ العاجز عن مُؤن النكاح.
4- جواز أداء عبادة معينة كالصوم مع إرادة مصلحة منها لدين الإنسان أو بدنه، مع ما يبتغي بها من وجه الله عز وجل، وهذا بخلاف الرياء.
5- الحث على تحصيل ما يُغَضُّ به البصرُ، ويُحصَّن به الفرْجُ.
Source link