إن على الأسرة وهي الْمَحْضَن الأول في بناء المجتمع أن تَعِيَ دورها في بناء شخصية أبنائهم وبناتهم، والحرص على التربية الصالحة، وبناء القيم والأخلاق الحميدة
هناك سؤال يتكرر كثيرًا عند الآباء والأمهات: لماذا نطالَب بالاهتمام بأولادنا وتعليمهم القيمَ والأخلاق الحميدة والفاضلة؟ لماذا يحرص أهل التربية على القيم والأخلاق الحميدة؟ هل صحيح أن أولادنا بحاجة لبناء القيم؟
يا عباد الله: إننا نعيش في هذه الدنيا المتغيرة والمتلوِّنة بكثير من القيم الصالحة والفاسدة، ونواجه فيها تحدياتٍ وأخطارًا تَعْصِف بكل ما غُرِس فينا، وما غرسناه في أولادنا – بنين وبناتٍ – من قيم ومبادئَ وأخلاق حميدة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راعٍ عليهم وهو مسؤول عنهم، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبدُ الرجل راعٍ على بيت سيده وهو مسؤول عنه، ألَا فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته»؛ (رواه البخاري).
يقول ماجد: ابني يبلغ من العمر 11 سنة، لقد كان محبوبًا من جميع أفراد الأسرة، كان محافظًا على الصلاة وقراءة القرآن، لكنه تغير كثيرًا عندما تعرف على صحبة فاسدة، بدأ يتعلم منهم ويتأثر بأخلاقهم، أصبح كسولًا، عنيدًا، كاذبًا، مهملًا لصلاته، لا يسمع الكلام، إني خائف عليه، ماذا أصنع؟
يا عباد الله: إننا في زمن المتغيرات، وزمن التقنيات والفضائيات، وكثرة الثقافات والشُّبُهات؛ حيث أصبح أولادنا يعيشون في مفترق طرقٍ، وتحت تأثير هذه المتغيرات، ولا شك أنها تسبب لهم كثيرًا من المشكلات التربوية والأخلاقية.
لقد جعلت وسائل الاتصال العالمَ ينساب بعضه على بعض، فلا حدود ولا قيود تقف في وجه انتقال هذه المعلومات إلى أولادنا؛ جميلها وقبيحها، صحيحها وخطئها، ما وافق الدين وما عارضه، ما كان يبني القيم وما كان يهدمها؛ لذا أصبح علينا لزامًا كآباء وأمهات، معلمين ومعلمات، مربين ومربيات، دعاة وداعيات، إعلاميين وإعلاميات – أن نتعاون لحماية عقول أولادنا من هذا السيل الجارف لتحطيم قيم وأخلاق أولادنا؛ قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110].
أيها المسلمون: إن على الأسرة وهي الْمَحْضَن الأول في بناء المجتمع أن تَعِيَ دورها في بناء شخصية أبنائهم وبناتهم، والحرص على التربية الصالحة، وبناء القيم والأخلاق الحميدة؛ كالحرص على تعليمهم أمور دينهم ودنياهم؛ من صلاة وصيام، وصدقة وبر وصلة، وعليهم مراقبة أولادهم وتوجيههم في التعامل مع التقنيات الحديثة مع الإنترنت، ومع التطبيقات الجديدة؛ كالسناب والتويتر وتيك توك، وغيرها من التطبيقات، وعليهم أن يكونوا قدوةً حسنةً في التحلي بالقيم والأخلاق الحميدة، وتنبيههم من المشاهير الفاسدين الذين يهدمون الأخلاق والقيم.
فإن على الأسرة أن تَعِيَ دورها في بناء القيم والأخلاق، فتعمل على الحوار الهادئ والجلوس مع الأولاد، ومناقشة أبرز الأفكار الهدَّامة التي تأتي من الفضائيات والإنترنت، سواء كان ما يتعارض مع الدين أو القيم الوطنية، أو ما يهدم المجتمع من إرهاب فكري أو مخدِّرات، أو سلوكيات خطرة، وأفكار منحرفة، وعلينا كذلك أن نعزز فيهم حب الناس والمجتمع، ومراعاة الأخلاق والصفات الحسنة عند التعامل معهم، وأن يكونوا أمناء صادقين بعيدين عن الحسد والضغينة، والكره وسوء الظن، والنفاق.
يا عباد الله: لا تنسَوا أخيرًا تربيتهم على مراقبة الله في السر والعلن؛ فهو سبحانه العليم الخبير السميع البصير؛ فهو سبحانه {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4].
هذا، وصلوا وسلموا – عباد الله – على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم.
________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
Source link