واجب علينا نصرة هذه الطائفة بالدعاء والدعم المعنوي والمادي، والاعتقاد بأن فلسطين أولى القضايا الإسلامية، فاليهود يراهنون على وعي الشعوب الإسلامية، “فمهمتنا الأولى أن تظل ذاكرة الأمة على وعيها الكامل…
الواجب على كلِّ مسلمٍ اتباعُ الحق، والسَّيرُ في رِكاب أهله، يحبهم في الله أينما كانوا في بلده، أو في غير بلده، ويتعاون معهم على البر والتقوى، ولا يخذلهم، وينصر معهم دين الله تعالى؛ وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بطائفة ثابتة على الحق: «لا تزال طائفةٌ من أُمَّتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»[1]((ظاهرين على الحق)) لا يزالون على الحق، ((لا يضرهم من خذلهم)) لا يضرهم من تَرَكَ نصرتهم ومعاونتهم.
هذه الطائفة في جهادٍ مستمرٍّ، لعدوِّهم قاهرون، حتى يقاتلوا المسيح الدجال ويجتمعوا بعيسى عليه السلام ببيت المقدس، ثم لا يزالون على ذلك ((حتى يأتي أمر الله))؛ أي إلى أن يقبضهم الله بالريح الطيبة التي لا تُبقي مؤمنًا إلا قبضته، فيبقى شرار الخلق بعدهم عليهم تقوم الساعة.
والدليل على ذلك عن مُطَرِّف بنِ الشِّخِّير، عن عمران بن حصين، عن الرسول صلى الله عليه وسلمقال: «لا تزال طائفة من أُمَّتي، يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتِلَ آخرهم المسيحَ الدجال»[2]، (من ناوأهم)؛ أي: عاداهم.
• وعن مكان وزمان هذه الطائفة يقول الإمام النووي: “ويُحتمل أن هذه الطائفة مفرَّقة بين أنواع المؤمنين؛ منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدِّثون، ومنهم زهَّاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض، وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة، فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن، ولا يزال حتى يأتي أمر الله”[3]، وأورد ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري: “قال مطرف وكانوا يَرَون أنهم أهل الشام“[4]، وقال معاذ بن جبل: وهم بالشام؛ فعن عمير بن هانئ أنه سمع معاوية يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال من أُمَّتِي أُمَّة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله، وهم على ذلك» ، قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم بالشأم، فقال معاوية: هذا مالك يزعُم أنه سمع معاذًا يقول: وهم بالشأم))[5]، فمعاوية هنا استحسن قولَ معاذ بن جبل بأنهم أهل الشام[6]؛ يقول ابن حجر في شرحه: “ويمكن الجمع بين الأخبار بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس وهي شامية، وتكون لهم قوة في جهاد العدو وحدة وجدٌّ”[7]، وفي رواية سلمة بن نفيل: “وعقر دار المؤمنين الشام”[8]؛ أي: ستكون الشام زمن الفتن محلَّ أمنٍ لأهل الإسلام، وموضعًا لدور المؤمنين؛ وعن سعد بن أبي وقاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة»[9]، وقد رجح الإمام أبو العباس القرطبي أنهم أهل الشام[10]، فأوَّل الغرب بالنسبة إلى المدينة المنورة هو الشام؛ وقال مجد الدين ابن الأثير: “أراد بهم أهل الشام؛ لأنهم غرب الحجاز”[11]، وفي مسند الإمام أحمدعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أُمَّتي على الدين ظاهرين، لعدوِّهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لَأْوَاء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس»[12]، لأواء: ضيق المعيشة، وقيل: الشدة والجهد، وخلاصة القول: أن هذه الطائفة تكون متفرقة بين طوائف الأمة، فمن الممكن أن يكونوا من العلماء والمجاهدين، والفقهاء والدعاة، وقد يكونون مجتمعين في مكان أو متفرقين في البلدان، في الشام وفي غيرها، وهي موجودة منذ بداية التشريع لم تنقطع في زمان حتى يأتي أمر الله، وقول معاذ في الشام ذلك إشارة إلى محل هذه الطائفة في آخر الزمان عند خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام.
وعن أهم صفات هذه الطائفة أنها (قائمة بأمر الله)؛ قال السندي: “بأمره؛ أي: بشريعته ودينه وترويج سنة نبيه، أو بالجهاد مع الكفار”[13]، كما أن القائم في الأمة بالتجديد لدينها قد يكون في الطائفة؛ قال ابن حجر في الفتح: “ونظير ما نبَّه عليه ما حمل عليه بعض الأئمة حديث: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة، وهو متجه؛ فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد[14].
(أنهم ظاهرون على الحق) غالبون مُستعلون ثابتون على الحق والدين؛ قال السندي: “قوله: ((لا تزال طائفة))؛ الطائفة: الجماعة من الناس، والتنكير للتقليل أو التعظيم؛ لعِظَمِ قدرهم، ووفور فضلهم، ويحتمل التكثير أيضًا، فإنهم وإن قلُّوا فهم الكثيرون، فإن الواحد لا يساويه الألف، بل هم الناس كلهم”[15].
(صفة الاستمرارية)، فالحق لا ينقطع في أمة الإسلام؛ فهناك من يتوارثه جيلًا بعد جيل؛ يقول د/ حسام الدين عفانة أستاذ بجامعة القدس: “اعلم أن أول صفة تتميز بها الطائفة المنصورة هي صفة الاستمرارية؛ أي مستمرة بوجودها ومقوماتها، ودعوتها ومنهجها ورجالها، من لَدُنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة؛ ودليل هذا قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]؛ ففي قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] إشارة إلى تاريخ بدء هذه الجماعة، وفي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ} [التوبة: 100] إشارة إلى استمرارية هذا الوجود وعدم انقطاعه، وأن قِوامَ هذا الاستمرار هو الاتباع )اتبعوهم)؛ ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون»، ففي قوله: ((لا تزال(( دلالة واضحة على صفة الاستمرارية للطائفة المنصورة[16].
وسبب استمرارها أنها تُربِّي على منهج الله الممثَّل في القرآن والسُّنَّة، وتسعى لتنمية المواهب والْمَلَكَات إلى ما يحقِّق صلاحها وصلاح المجتمع، مع الأخذ بأسباب القوة لجهاد أعدائهم.
الواجب علينا تجاه هذه الطائفة:
الصراع بين الحق والباطل قائم إلى يوم القيامة، وما يجري على أرض فلسطين اليوم بل منذ عام 1929م[17]من جهاد طائفة من المسلمين لليهود الغاصبين هو دفاع مشروع عن بيت المقدس، وعن الأرض والعِرض، وهو صراع عقيدة مستمر حتى يأتي اليوم الذي ينادي فيه الحجر ويقول: «يا مسلمُ، يا عبدَالله، تعالَ خلفي يهودي فاقتله»[18].
فواجب علينا نصرة هذه الطائفة بالدعاء والدعم المعنوي والمادي، والاعتقاد بأن فلسطين أولى القضايا الإسلامية، فاليهود يراهنون على وعي الشعوب الإسلامية، “فمهمتنا الأولى أن تظل ذاكرة الأمة على وعيها الكامل بمكانة القدس الشريف في هذا الصراع التاريخي، حتى يطلع الفجر الجديد بالناصر صلاح الدين الجديد[19]؛ {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 4، 5].
[1] الراوي: ثوبان، صحيح مسلم.
[2] صحيح أبي داود.
[3] شرح النووي على مسلم، ج13، ص65.
[4] شرح صحيح البخاري لابن بطال، ج1، ص156، مُطَرِّفُ بنِ الشِّخِّيْرِ من كبار علماء التابعين،مَاتَ سَنَةَ 95هـ.
[5] الراوي: معاوية بن أبي سفيان، صحيح البخاري.
[6] العسل المُصَفَّى في سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، د. مروان شاهين، ص 287.
[7] فتح الباري 13/ 295.
[8] صحيح النسائي.
[9] رواه مسلم.
[10] المفهم لِما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ج3، ص764.
[11] النهاية في غريب الحديث، ج3، ص351.
[12] وأخرجه أيضًا الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات، مجمع الزوائد، ج: 7، ص: 288، وقام د. مروان شاهين أستاذ الحديث وعلومه بدراسة الإسناد، وقال: إنه يسلم لنا هذا الإسناد، وأقل درجاته: أنه حسن؛ [كتاب العسل المُصَفَّى في سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ص: 285].
[13] حاشية السندي على سنن ابن ماجه، (1/ 7)، محمد السندي.
[14] فتح الباري في شرح صحيح البخاري (13/ 295).
[15] حاشية السندي على سنن ابن ماجه، (1/ 7)، محمد السندي.
[16] كتاب أحاديث الطائفة الظاهرة، ص24.
[17] الجهاد المسلح والثورة الفلسطينية ضد الاحتلال الإنجليزي، واليهود المسلحين، الطريق إلى بيت المقدس، ج: 2، ص: 78، د. جمال عبدالهادي.
[18] قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا اليَهُودَ، حتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وراءَهُ اليَهُودِيُّ: يا مُسْلِمُ، هذا يَهُودِيٌّ وَرائي فاقْتُلْهُ))؛ [صحيح البخاري].
[19] القدس أمانة عمر، د. محمد عمارة.
____________________________________________________________
الكاتب: علاء الدين صلاح الدين عبدالقادر الديب
Source link