آداب صلة الرحم – طريق الإسلام

فينبغي للمرء أن يصل الرحم بغض النظر عما يجده من أقاربه من سوء معاملة، أو عدم مقابلة للصلة بمثلها؛ لأنه لو قابل التقصير بمثله لانقَطعت صلة الرحم بينهما بالكلية، فيكون الطرفان مستحقين للإثم.

وينبغي تعلُّم بعض الآداب المتعلقة بصلة الرحم، ومنها:

1- النية الصالحة والإخلاص:

فإن الله لا يقبل إلا العمل الخالص، فيجب على الإنسان أن يُخلص لله النية في صلة الرحم، ولا يصل الرحم رياءً أو سمعة، أو تظاهرًا أمام الناس؛ حتى يقال: فلان واصل للرحم، بل يفعل هذا احتسابًا، وهذا هو الأدب الثاني.

 

2- الاحتساب:

بحيث ينتظر المسلم الأجر ويطلبه من الله تعالى، كما وعد الله سبحانه وتعالى، ولا ينتظر الواصل للرحم المقابل والمكافأة من الناس، بل يرجو الأجر من الله وحده.

 

3- البدء بالأقرب:

فكلما كان ذو الرحم أقربَ كانت صلته أوجبَ، ووجب على الواصل أن يبدأ به، فلا يعقل أن يصل المرء أبناء عمومته ويقطع إخوته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله: «من أحق الناس بحسن الصحبة» ؟ قال:  «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك»؛ (متفق عليه)، فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الحق في الصلة، وإحسان الصحبة يكون على حسب درجة القرابة، وكلما ازداد وجوب الصلة وتأكَّد، وعظم الحق في إحسان الصحبة، وهذا مما ينبغي للواصل أن يراعيه في صلتة للرحم.

 

4- أن يقدم في صلته أتقاهم لله:

فكلما كان القريب أتقى لله عز وجل، وأصلح في دينه، كان أعظم حقًّا، وكلما زاد الأجر في صلته، هذا مع أن صلة الرحم تكون للقريب الكافر أيضًا، خصوصًا إذا كانت بغرض دعوته إلى الإسلام، وللقريب المسلم غير الصالح، ولا سيما إذا كانت بغرض نصحه وإرشاده، ودعوته إلى الخير وتحبيبه إليه.

 

5- تعلُّم النسب وتفقُّد الأقارب الذين يمتون للمرء بقرابة بعيدة:

فإن بعضًا من الناس يكتفون بصلة إخوته فقط، ثم يترك من عداهم، والبعض يصل من يعرفهم فقط، ولا يهتم بالبحث عن الأقارب من جهة بعيدة، وهم يستحقون الصلة أيضًا، بل إنه إذا أحسن النية في البحث عن هؤلاء الأقارب وصِلتِهم، كان ذلك من أفضل أعماله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «تَعَلَّموا من أنسابِكم ما تَصِلُونَ به أرحامَكم؛ فإن صلةَ الرحِمِ مَحَبَّةٌ في الأهلِ، مَثْرَاةٌ في المالِ، مَنْسَأَةٌ في الأَثَرِ»؛ (رواه الترمذي وهو في الصحيحة: 276)، ومعنى منسأة في الأثر: زيادة في العمر، فهذا مما ينبغي أن يحرص عليه المؤمن الراغب في الخير، الحريص على نيل الدرجات العلى عند الله تعالى.

 

6- ألا تكون الصلة على وجه المكافأة:

فهذه ليست صلة في الحقيقة، وإنما حقيقة الصلة أن يصل الإنسان رحمه ابتغاءَ مرضاة الله، وبكل شكل ممكن، ولا يقتصر في صلته على من يبادلونه الصلة، ويقطع من قطعه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»؛ (رواه البخاري).

 

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:10/437: وأقول: لا يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع، فهم ثلاث درجات: واصل، ومكافئ، وقاطع، فالواصل يتفضل ولا يتفضل عليه، والمكافئ الذي لا يزيد في الإعطاء على ما أخذ، والقاطع الذي يُتَفضَّلُ عليه ولا يَتَفضَّلُ، وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين، كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين، فمن بدأ حينئذ فهو الواصل، فإن جوزِي سَمى من جازاه مكافئًا، والله أعلم؛ اهـ.

 

فينبغي للمرء أن يصل الرحم بغض النظر عما يجده من أقاربه من سوء معاملة، أو عدم مقابلة للصلة بمثلها؛ لأنه لو قابل التقصير بمثله لانقَطعت صلة الرحم بينهما بالكلية، فيكون الطرفان مستحقين للإثم.

 

7- المداومة على وصل ذي الأرحام القاطع وتحمُّل أذاه:

وهذا لا علاقة له بما قبله، وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ لِي قَرابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِم وَيُسِيئُونَ إِليَّ، وأَحْلُمُ عنهُمْ وَيَجْهَلُونَ علَيَّ، فَقَالَ:  «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ وَلا يَزَالُ معكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلكَ»؛ (رواه مسلم).

 

ومعنى قوله: تسفهم المَلَّ؛ أي: تطعمهم التراب، أو الرماد الحار، لما يلحقهم من الإثم بسببه، وقوله: ظهير؛ أي: معين عليهم دافع لأذاهم، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما دمت على ذلك» : صريح في استحباب المداومة على صلة ذي الرحم الذي هذه صفته، وعدم معاملته بالمثل؛ لأنك لو عاملته بالمثل، لقطعت الرحم تمامًا ولا بد، وحلت العداوة والبغضاء قطعًا، لكن إذا قابلت إساءته بالإحسان من كل وجه، فقد يؤثر ذلك فيه ويستحيي، ويتحول إلى ما تحب، وقد قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، ومن أولى من ذي الرحم بذلك؟ والمسلم الذي يقابل إساءة ذوي الرحم بالإحسان والصلة، لا شك أنه أولى بالله عز وجل.

 

8- التواضع ولين الجانب:

فهذا مما يحبب القرابة بالشخص، ويدنيهم منه، وصدق من قال:

من كان يَحلُم أن يسود عشيـــــرةً   **  فعليه بالتقوى ولين الجانـــــــب 

ويَغُضُّ طرفًا عن مساوئ من أساء   **  منهم ويَحلُم عند جهل الصاحب 

 

9- التغاضي والتغافل:

فالتغاضي والتغافل من أخلاق الأكابر والعظماء، وهو مما يعين على استبقاء المودة واستجلابها، وعلى وأد العداوة وإخلاد المباغضة، ثم إنه دليلٌ على سمو النفس، وشفافيتها، وهو مما يرفع المنزلة ويعلي المكانة، وكما قيل:

لَيسَ الغَبيُّ بِسَيدٍ في قَومِهِ   **  لَكِن سَيِّدُ قَومِهِ المُتَغابي 

 

والتغاضي والتغافل حسن مع جميع الناس، وهو مع الأقارب أولى وأحرى وأجمل.

 

قال ابن حبان رحمه الله: من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه، وترك التوقع لما يأتون من المحبوب، كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء، أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء.

 

وقال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه:

أُغَمِّضُ عَيْنِي في أُمُورٍ كَثِيْـــــــرَة ٍ   **  وَإِنِّي عَلَى تَرْكِ الْغُمُوْضِ قَدِيْـــرُ 

وَمَا مِنْ عَمًى أُغضِي وَلَكِنْ لَرُبَّمَـــا   **  تَعَامَى وَأَغْضَى المَرْءُ وَهْوَ بَصِيْرُ 

وَأَسْكُتُ عَنْ أَشْيَاءَ لو شِئْتُ قُلْتُهـا   **  وليس علينا في المقال أميــــــر 

 

10- بذل المستطاع لهم من الخدمة:

سواء كانت خدمة بدنية أو بالوقت، أو الجاه، أو المال وبكل ما هو مستطاع وفيه نفع لهم.

 

11- تحمُّل الأذى منهم:

فعلى الإنسان أن يتحلى بالعفو والصفح والمسامحة لكل من أخطأ في حقه، وأن يقابل هذا بالإحسان إليه؛ قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، وهذا في حق آحاد الناس، فكيف بمن تربطك به قرابة، وثمرة مقابلة الإساءة بالإحسان تظهر في قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].

 

12- ترك المنة عليهم والبعد عن مطالبتهم بالمثل:

وقد مرَّ بنا أن الواصل ليس بالمكافئ، فما يعين على بقاء المودة أن يحرص الإنسان على أن يعطي أقاربه ولا يطالبهم بالمثل، وألا يَمُنُّ عليهم بعطائه، أو زياراته، أو غير ذلك.

 

13- توطين النفس على الرضا بالقليل من الأقارب:

فالعاقل الكريم لا يستوفي حقه كاملًا، بل يرضى بالقليل، وبالعفو الذي يأتي من أقاربه، حتى يستميل بذلك قلوبهم ويُبقي على مودته لهم كما قيل:

إذا أنت لم تستبقِ وُدَّ صحابة   **   على دَخَنٍ أكثرتَ بثَّ المعايبِ 

 

14- مراعاة أحوالهم وإنزالهم منازلهم:

فمن الأقارب من يرضى بالقليل، فتكفيه الزيارة السنوية، وتكفيه المكالمة الهاتفية، ومنهم من يرضى بطلاقة الوجه والصلة بالقول فحسب، ومنهم من يعفو عن حقه كاملًا، ومنهم من لا يرضى إلا بالزيارة المستمرة، وبالملاحظة الدائمة، فمعاملتهم بمقتضى أحوالهم يعين على الصلة واستبقاء المودة.

 

15- ترك التكلف مع الأقارب ورفع الحرج عنهم:

وهذا مما يغري بالصلة، فإذا علم الأقارب عن ذلك الشخص أنه قليل التكلف، وأنه يتسم بالسماحة، حرصوا على زيارته وصلته.

 

16- تجنب الشدة في العتاب:

حتى يألف الأقارب المجيء، ويفرحوا به، فالكريم هو الذي يعطي الناس حقوقهم، ويتغاضى عن حقه إذا قصر فيه أحدٌ، ثم إن كان هناك من خطأ يستوجب العتاب، فليكن عتابًا لطيفًا رقيقًا.

 

17- تحمُّل عتاب الأقارب وحمله على أحسن المحامل:

وهذا أدبُ الفضلاء، ودأب النبلاء، ممن تَمت مروءتهم، وكمُلت أخلاقهم، وتناهى سؤددهم، ممن وسعوا الناس بحلمهم وحُسن تربيتهم، وسَعة أُفقهم، فإذا ما عاتبهم أحد الأقارب، وأغلظ عليهم لتقصيرهم في حقه، حملوا ذلك أحسن المحامل، فيرون أن هذا المعاتب مُحبٌّ لهم، مشفق عليهم، حريص على مجيئهم، ويشعرونه بذلك، بل يعتذرون له من تقصيرهم، حتى تخفَّ حِدتُه وتَهدأ ثَورته، فبعض الناس يقدر ويُحب ويُشفق، ولكنه لا يستطيع التعبير عن ذلك إلا بكثرة اللوم والعتاب.

 

والكرام يحسنون التعامل مع هؤلاء، ويحملون كلامهم على أحسن المحامل، ولسان حالهم يقول: لو أخطأت في حسن أسلوبك لما أخطأت في حسن نيتك.

 

18- الاعتدال في المزاح مع الأقارب:

مع مراعاة أحوالهم وتجنُّب المزاح مع من لا يتحمله.

 

19- تجنب الخصام وكثرة الملاحاة والجدال العقيم مع الأقارب:

فإن كثرة الخصام والملاحاة والجدال تورث البغضاء، والانتصار للنفس، والتشفي من الطرف الآخر، بل يحسن بالمرء مداراة أقاربه، والبعد عن كل ما من شأنه أن يعكِّر صفو الوداد معهم.

 

20- المبادرة بالهدية إن حصل خلاف مع الأقارب:

فالهدية تجلب المودة، وتكذب سوء الظن، وتستل سخائم القلوب، كما قيل:

إن الهدية حلـــــــــــــوةٌ  **  كالسحر تَجتذب القلوبــا 

تُدني البعيد من الهـــوى  **  حتى تصيِّره قريبًـــــــــا 

وتُعيد مضطغن العـداوة  **  بعد بغضته حبيبًـــــــــــا 

تنفي السخيمة عن ذوي  **  الشحنا وتَمتحق الذنوبـا 

 

21- أن يستحضر الإنسان أن أقاربه لُحمة منه:

فلا بد له منهم، ولا فكاك له عنهم، فعزُّهم عزٌّ له، وذلُّهم ذلٌّ له.

 

22- أن يعلم أن معاداة الأقارب شرٌّ وبلاء:

فالرابح فيها خاسر، والمنتصر فيها مهزوم، كما قال البحتري في صلح بني تغلب:

وَفُرْسانِ هَيجاءٍ تَجِيشُ صُدُورُهَــــا  **  بِأحْقَادِها حَتَّى تَضِيقَ دُرُوعُهَــــا 

تُقَتِّلُ مِنْ وِتْرٍ أعَزَّ نُفُوسِهَا عَلَيْهـــــــا  **  بِأيْدٍ مَا تَكَادُ تُطِيعُهَــــــــــــــــــــا 

إذا احتَرَبتْ يَوْمًا، فَفَاضَتْ دِماؤهـا   **  تَذَكَّرَتِ القُرْبَى فَفَاضَتْ دُمُوعُهـا 

شَوَاجِرُ أرْمَاحٍ تُقَطِّعُ بَيْنَهُــــــــــــــمْ  **  شَوَاجِرَ أرْحَامٍ مَلُومٍ قُطُوعُهَــــــا 

 

23- الحرص التام على تذكر الأقارب في المناسبات والولائم:

ومن الطرق المجدية في ذلك أن يسجل الإنسان أسماء أقاربه، وأرقام هواتفهم في ورقة، ثم يحفظها عنده، وإذا أراد دعوتهم فتح الورقة حتى يستحضرهم جميعًا، ويتصل بهم إما بالذهاب إليهم، أو عبر الهاتف أو غير ذلك، ثم إن نسي واحدًا منهم فليذهب إليه، وليعتذر منه، وليسع في رضاه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.

 

24- الحرص على إصلاح ذات البين:

فمما ينبغي على الأقارب – وعلى الأخص من وهبهم الله محبة في النفوس – أن يبادروا إلى إصلاح ذات البين إذا فسدت، وألا يتوانوا في ذلك؛ لأنها إذا لم تصلح ويبادر في رأب صدعها، فإن شرها سيستطير، وبلاءها سيكتوي بناره الجميع.

 

25- تعجيل قسمة الميراث:

حتى يأخذ كل واحد نصيبه، ولئلا تكثُر الخصومات والمطالبات، ولأجل أن تكون العلاقة بين الأقارب خالصة صافية من المكدرات.

 

26- الحرص على الوئام والاتفاق حال الشراكة:

فإذا اشترك الأقارب في شراكة ما، فليحرصوا كل الحرص على الوئام التام، والاتفاق في كل الأمور، وأن تسود بينهم روح الإيثار والمودة، والشورى والرحمة، والصدق والأمانة، وأن يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه، وأن يعرف كل طرف ما له وما عليه، ويَحسُن بهم أن يناقشوا المشكلات بمنتهى الوضوح والصراحة، وأن يحرصوا على التفاني والإخلاص في العمل، وأن يتغاضى كلٌّ منهم عن صاحبه، ويَجمُل بهم أيضًا أن يكتبوا ما يتفقون عليه، فإذا ساروا على تلك الطريقة حلَّت فيهم الرحمة، وسادت بينهم المودة، ونزلت عليهم بركات الشركة.

 

27- البدء بهم في الصدقة والمعروف إن كانوا محتاجين:

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحةَ أكثرَ الأنصارِ بالمدينةِ مالًا، وكان أحبَ أموالِه إليه بَيرُحاءُ، وكانت مُستَقبِلَةَ المسجدِ، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدخُلُها، ويَشرَبُ من ماءٍ فيها طيبٍ، قال أنسٌ: فلما أُنزِلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، قام أبو طلحةَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إن اللهَ تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، وإن أحبََّ مالي إليَّ بَيرُحاءُ، وإنها صدَقَةٌ للهِ تعالى، أرجو بِرَّها وذُخرَها عِندَ اللهِ، فضَعْها يا رسولَ اللهِ حيث شئت، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَخٍ، ذلك مال رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ، قد سَمِعْتُ ما قُلْتَ فيها، وإني أرَى أن تجعَلَها في الأقرَبينَ» ، فقال: أفعَلُ يا رسولَ اللهِ، فقَسَمَها أبو طلحةَ في أقاربِه وبني عمِّه.

 

وقد قال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لرجل:  «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة على الأقارب المبغضين المضمرين للعداوة أفضل الصدقة؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم:  «أفضل الصدقة: الصدقة على ذي الرحم الكاشح»؛ (رواه الحاكم)، (وصححه الألباني في إرواء الغليل: 892).

 

ولا ريب أن الصدقة على مثل هؤلاء الأقارب تنزع العداوة من قلوبهم، وتُحببهم في ذي رحمهم، وتحيي فيهم مشاعر المودة للأقارب.

 

ومما يبين عِظمَ أجر الصدقة على ذوي الأرحام قوله صلى الله عليه وسلم:  «الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ، وهي على ذي الرَّحِمِ اثِنْتَانِ صدقةٌ وصِلَةٌ»؛ (رواه أحمد والنسائي)، (وصححه الألباني في المشكاة: 1939).

 

28- النصح لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر:

وهذا من أعظم صور صلة الأرحام، ومن الواجب على المسلم عمومًا لكل الناس، وأولى الناس بهذا الخير ذوو القرابة والرحم، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:  {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].

 

29- كف الأذى عنهم:

وهم أولى الناس بكف الأذى عنهم، وكف الأذى عن الناس عمومًا من الواجب على المسلم، فينبغي ألا يؤذي أقرباءه، سواء بقول أو فعل، وأن يراعى مشاعرهم بكل صورة ممكنة.

 

30- إدخال الفرحة عليهم:

بكل وجه ممكن، كالزيارة – ولاسيما في الأعياد والمناسبات – وعدم قطع الزيارة عنهم، مهما كانت الأسباب، وقد قيل للإمام أحمد: رجل له إخوة وأخوات بأرض غصب، ترى أن يزورهم؟ قال: نعم، يزورهم ويراودهم على الخروج منها، فإن أجابوا إلى ذلك، وإلا لم يُقِم معهم، ولا يدع زيارتهم؛ (الآداب الشرعية لابن مفلح: 1 / 452).

 

فينبغي للمرء أن يتعاهد أقاربه بالزيارة، فإن لم يستطع فبالاتصال عليهم بالهاتف، وإلا فبالكتابة إليهم من حين لآخر، فإن ذلك يقوي العلاقة، ويزرع المودة، ويذكر الأقارب بعضهم ببعض من حين لآخر، وخصوصًا في المناسبات، فإن ذلك يدخل السرور عليهم.

 

31- أن تستشعر دائمًا أن أقاربك وأرحامك أولى الناس بك:

وأحقهم بعطفك وخيرك؛ قال تعالى:  {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}  [الأنفال:75].

 

وقد مر بنا الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:  «الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ، وعلى ذي الرَّحِمِ اثنتانِ: صدقةٌ وصِلَةٌ»؛ (صحيح الجامع: 3858).

 

32- قبول أعذارهم إذا أخطؤوا واعتذروا:

ومن جميل ما يُذكر في ذلك ما جرى بين يوسف عليه السلام وإخوته، فلقد فعلوا به ما فعلوا، وعندما اعتذروا، قَبِلَ عذرهم، وصفح عنهم الصفح الجميل، فلم يُقرِّعهم، ولم يوبِّخهم، بل دعا لهم وسأل الله لهم المغفرة.

 

33- الصفح عنهم ونسيان معايبهم حتى ولو لم يعتذروا:

فهذا يدل على كرم النفس، وعلو الهمة، فالعاقل اللبيب، يعفو عن أقاربه وينسى عيبوهم، ولا يذكرهم بها، ومن جميل ما يذكر في ذلك قول محمد بن عبد الله الأزدي:

وحسبُك من ذل وسوء صنيعــــــــــة  **  مناواة[2] ذي القربى وإن كان قاطعَا 

ولكني أُواسيه وأنسى عيوبــــــــــــه  **  لترجعه يومًا إليَّ الرواجــــــــــــــــــعُ 

ولا يستوي في الحكم عبدان: واصل  **  وعبدٌ لأرحام القرابة قاطـــــــــــــــــعُ 

(أدب الدنيا والدين: صــ 153)

 

34- الحذر من إحراج الأقارب:

وذلك بالبعد عن كل سبب يوصل إلى ذلك، فيبتعد الإنسان عن الإثقال عليهم، وينأى عن تحميلهم ما لا يطيقون، ومما يدخل في هذا أن يراعي القرابة أحوال الوجهاء وذوي اليسار في الأسرة فلا يكلِّفوهم ما يوقعهم في الحرج، ولا يلومهم إذا قصَّروا في بعض الأمور مما لا طاقة لهم بها، فبعض الأسر تكلِّف وجهاءَها وأكابرها ما لا يطيقون، ولا تعذرهم عند أي تقصير.

 

35- الشورى بين الأقارب:

فيحسن بالأقارب أن يكون له مجلس شورى، أو أن يكون لهم رؤوس يرجعون إليهم في الملفات وما ينوب الأسرة من النوازل، حتى يخرجوا برأي موحَّد، أو مناسب يرضي الله، ويوافق الحكمة والصواب، ويُحسن بأولئك الرؤوس أن يكونوا من ذوي الرأي والسداد، والحلم والبصيرة وبعد النظر.

 

وأخيرًا:

يراعى في ذلك كله أن تكون الصلة قربة لله خالصة لوجهه، وأن تكون تعاونًا على البر والتقوى، لا يُقصَد بها حَميةُ الجاهلية ولا عَيبتها، كما مر بنا في الأدب الأول.

 


[1] للمزيد أنظر: موسوعة الآداب الإسلامية، والتحذير من قطيعة الرحم لإيهاب بن فتحي عاشور، وكتاب احذر أقوال وأفعال واعتقادات خاطئة لطلعت زهران.

[2] مناواة: أي معاداة.

________________________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *