{أولئك هم الراشدون} – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

الله تعالى حينما شرع الإيمان وخلق الإنسان، جعل الإيمان غذاء روحه، فالإيمان بتفاصيله قريب جدًّا من فطرة الإنسان، فطبيعي أن يحبَّه المؤمن صاحب الفطرة السليمة والقلب الطاهر

هناك فرق كبير بين من يعمل الطاعة وهو مُحِبٌّ لها، يتلذَّذ ويستمتع بها، ويُقبل عليها ويندفع إليها مهما كانت الصِّعاب دونها، وبين من يشعر أنها تكليف فيه مشقة، ومَغرم وقيد يريد أن يتخلَّص منه.

 

قول الله تعالى في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: 7، 8]، وهذه الآية يَمتنُّ الله فيها على الصحابة بثلاثة أمور:

الأول: أنه حَبَّب إليهم الإيمان:

وهذا فيه أن الإيمان يُحَبُّ، فالله تعالى حينما شرع الإيمان وخلق الإنسان، جعل الإيمان غذاء روحه، فالإيمان بتفاصيله قريب جدًّا من فطرة الإنسان، فطبيعي أن يحبَّه المؤمن صاحب الفطرة السليمة والقلب الطاهر، أمثال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

 

الإيمان كما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ»؛ (رواه مسلم).

 

الأعمال الصالحة وأعمال البرِّ والخير كلها من شُعَب الإيمان؛ كالصلاة والصيام والذكر والصدقة والبذل والتضحية في سبيل الله، وطلب العلم، كل ذلك يحبُّه المؤمن حتى لو عالج فيه بداية الأمر مشقة وعناء؛ لكن ذلك سُرعان ما يزول، فيجد المؤمن فيه لذة عظيمة لا يشعر بها غيره، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «وجُعِلت قرَّةُ عيني في الصلاة».

 

أهل الإيمان لا يشبعون من ذكر الله، ولا يجدون أنسهم وخشوعهم إلا في الوقوف بين يدي الله، وتمريغ الجبهة له بالأرض، وتلاوة القرآن، والإكثار من ذكره سبحانه، والصلاة والسلام على نبيِّه، ولا يجدون مأوًى وملاذًا وسكنًا لهم مثل بيوت الله، قلوبهم مُعلَّقة بها، لا يخرج أحدهم منها إلا وينظر متى يرجع إليها، فالمسجد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بيت كل تقي»، وبالمقابل يقول عليه الصلاة والسلام: «ما توطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجدَ للصَّلاةِ والذِّكرِ إلَّا تبشبشَ اللَّهُ لَهُ كما يتبشبشُ أَهلُ الغائبِ بغائبِهم إذا قدمَ عليهم»؛ (صحيح ابن ماجه).

 

أما المنافق، أو ضعيف الإيمان فإنه يستثقل كل شعب الإيمان، ويشقُّ عليه كلُّ عمل صالح، يتغافل عن السنن والمستحبَّات، وتشق عليه الفرائض والواجبات، وينفر من كل الطاعات والقربات {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54].

 

الأمر الثاني: أن الله زيَّن الإيمان في قلوبهم؛ أي: جمَّله، فيرى المؤمن تفاصيل الإيمان حسنة مبهجة، حتى لو كانت يسيرةً أو غير لائقة عند البعض، فتراه – مثلًا – متعلقًا بالسواك يراه سُنَّةً لطيفةً حلوةً لا يستطيع مفارقتها أو البُعْد عنها ما دامت مرضاةً للربِّ سبحانه، كذلك الأمر في كل شُعَب الإيمان من أدناها إلى أعلاها.

 

وهذا هو سِرُّ مفاخرة المؤمن بمظاهر الإيمان، واعتزازه بها، حتى لو كانت تخالف أعراف الناس وتقاليدهم البالية، كاعتزاز المسلم بلحيته الطويلة، واعتزاز المرأة المسلمة بجلبابها السابغ الشرعي وهو يجرُّ على الأرض، حتى لو كانت بين المتبرِّجات، فالله جمَّل الطاعة وزيَّنها في قلب المؤمن، فلا يلتفت إلى من يزدريها، ويسخر من صاحبها، مهما كان وأيًّا كان.

 

والأمر الثالث: أن الله كرَّهَ إليهم الكُفْر والفسوق والعصيان، فهم يكرهونه كما يكره أحدهم أن يُقذَف في النار، وهذا لمن يجد في قلبه حلاوة الإيمان، كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

الكفر والعصيان مُبغضٌ مكروهٌ للمؤمن حتى لو كان مُبهجًا في قلوب الذين يتنافسون عليه ويتسابقون إليه، فترى المؤمن يَنفرُ ويَفرُّ منه كما يفرُّ من الوحش المفترس، يشعر كأنه سُمٌّ قاتل لروحه التي جعل الله غذاءها التقوى والإيمان. ويبغض المؤمن أهل الكفر والمعاصي ويتقرب إلى الله بالبراء منهم مهما كانت الصلة أو القرابة منهم، تمامًا كما تبرَّأ إبراهيم عليه السلام من أبيه، ونوح عليه السلام من ابنه لما عرَفا أنهما أعداء الله عز وجل.

 

والدنيا مهما تزخرفت لا تملأ عينَ المؤمن من غير إيمان وعمل صالح وذكرٍ لله عز وجل، فهي مُظلِمةٌ موحِشة حتى لو استحلاها واستمتع بها كل الناس، وهذا تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدُّنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلَّا ذِكرُ اللَّهِ وما والاهُ».

 

أخيرًا، فإن أصحاب هذه الصفات الثلاث هم الراشدون حقًّا، فهم الذين عرفوا طريق الحق فسلكوه، واستقاموا عليه، وما كان هذا إلا بتوفيق الله لهم، وتَفضُّله عليهم، وليس بكسبهم واجتهادهم.

 

•  {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: 8] فهو أعلم بالقلوب التي تستأهل هذا الإيمان فيجعله فيها، كما يعلم حيث يجعل رسالته، والله عليم حكيم.

 

اللهم حبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْه في قلوبِنا، وكَرِّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلْنا من الراشدين.

_______________________________________________________
الكاتب: محمد بديع موسى


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *