منذ حوالي ساعة
في هذه الأيام المباركة أكرمنا ربنا سبحانه وتعالى بضيف عزيز يقال له رمضان شهر الحسنات والرحمات والبركات
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه وتعالى { ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾}
أيها الإخوة الكرام: في هذه الأيام المباركة أكرمنا ربنا سبحانه وتعالى بضيف عزيز يقال له رمضان شهر الحسنات والرحمات والبركات {﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ ﴾}
أول ما أمرنا الله سبحانه وتعالى به في رمضان هو (الصيام) والصيام هو الإمساك وهو الكف عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية مخصوصة..
قال الله تعالى { ﴿ وَكُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ ۚ ﴾ }
لم يكن الصيام في الإسلام يوماً مجرد إمساك عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فقط ..
وإنما الصيام أسمى من ذلك بكثير فالصيام إمساك عن المفطرات وهو في الوقت ذاته إمساك وكف للجوارح عن كل ما حرم الله عز وجل ..
كف الأبصار عن النظر إلى الحرام..
كف الأسماع عن سماع الحرام..
كف اللسان عن الغمز واللمز ..
كف العقل عن التفكر فيما لا يرضي الله عز وجل..
أحد أقوى الأسباب التي تعين المسلم على صيانة النفس (الصيام).
وكم من إنسان كان أول إقلاعه عن الذنب في رمضان ..
وكم من إنسان كان أول بداية صلاحه في رمضان..
وكم من إنسان كانت أول خطواته إلى الله تعالى في رمضان..
من أنفس مكاسب المسلم في رمضان أن الصيام يفتح بين يديه باباً من أبواب العبادة تسمى بعبادة (الكف والإمساك )عن كل ما حرم الله عز وجل..
قال النبي عليه الصلاة والسلام « إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فلا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ، أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ، إنِّي صَائِمٌ» ..
قد يبتلى الإنسان في رمضان وهو صائم بمن يتجاوز في حقه ..
هذا اختبار لنفسية المسلم الصائم .. اختبار لثباته ولصبره ولسعة صدره ..
إن رد السيئة بالسيئة كان هو وصاحبه في الإثم سواء ، وإن ملك المُعْتدَى عليه نفسه ، وكظم غيظه ، نجح في هذا الاختبار نجاحاً باهراً ، ونال ثوابا عظيما ،وعاقب المُعتدى عليه عقوبة رادعة …
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه )
قلت وأبلغ من هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام
«(مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وهوَ قادِرٌ على أنْ يُنْفِذَهُ ؛ دعاهُ اللهُ سبحانَهُ على رُؤوسِ الخَلائِقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيِّرَهُ مِن الحُورِ العِينِ ما شاءَ )» .
إن مجاراة الناس شراً بشرٍ ، وكلمة بكلمة ، وإساءة بإساءة وإن كانت لا تفسد الصيام ، ولا توجب القضاء، إلا أنها تفسد ثوابه الصيام ، وتذهب بركته ، وتقتل الهدف منه ..
وفي هذا المعنى قال النبي عليه الصلاة والسلام «(ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ)»
صيام رمضان يغرس في قلب المسلم بذور عبادة (الكف والإمساك) عن كل ما حرم الله عز وجل ، وإذا العبد تقرب إلى الله تعالى بالكف والإمساك عن المحارم ، كان أعبد الناس لله رب العالمين ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام « (من يأخذُ منِّي هذه الكلماتِ فيعملُ بهنَّ أو يُعلِّمُ من يعملُ بهنَّ فقال أبو هريرةَ قلتُ أنا يا رسولَ اللهِ فأخذ بيدي وعدَّ خمسًا قال اتَّقِ المحارمَ تكُنْ أعبدَ النّاسِ وارْضَ بما قسَم اللهُ لك تكُنْ أغنى النّاسِ وأحسِنْ إلى جارِك تكُنْ مؤمنًا وأحِبَّ للنّاسِ ما تُحِبُّ لنفسِك تكُنْ مسلمًا ولا تُكثِرِ الضَّحِكَ فإنَّ كثرةَ الضَّحِكِ تُميتُ القلبَ)»
يتعجب الناس أن كان أبو بكر هو أحب الناس إلى قلب النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن كان هو الرجل الثاني من البشر عند الله تعالى بعد الأنبياء والرسل ، وإن بحثتم عن السبب فأحسبه كان يتقي المحارم ،أحسبه عبد الله تعالى بعبادة الكف فكف نفسه عن الحرام ،وأمسك نفسه عن جميع ما لا يحل ..
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه ( كانَ لأبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ له الخَرَاجَ، وكانَ أبو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِن خَرَاجِ ذلك الغلام، فَجَاءَ الغلام يَوْمًا بشَيءٍ، فأكَلَ منه أبو بَكْرٍ، فَقالَ له الغُلَامُ: أتَدْرِي ما هذا؟ فَقالَ أبو بَكْرٍ: وما هُوَ؟ قالَ: إني كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ في الجَاهِلِيَّةِ، وما أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إلَّا أنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فأعْطَانِي بذلكَ؛ فَهذا الذي أكَلْتَ منه. قالت عائشة : فأدْخَلَ أبو بَكْرٍ يَدَهُ في حلقه، فَقَاءَ كُلَّ شيءٍ في بَطْنِهِ.
هذا الذي حصل .. حصل بحضور بعض أصحاب أبي بكر فقال بعضهم يا أبا بكر هوّن على نفسك فإنك إنما أكلت الطعام. مخطئاً.. فقال رضى الله عنه والله لو لم تخرج إلا مع روحي لأخرجتها اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق خالط الأمعاء …
أحد أخف العبادة أن تكف عن الحرام ، أن تمسك عن الناس أذاك ، أحد أعظم العبادة أجراً أن يسلم الناس من شر يديك ولسانك ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام على كل مسلم صدقة فقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يا رسول الله أرأيت إن لم يجد ؟
قال يعمل بيديه ويتصدق قال أرأيت إن لم يستطع ؟
قال يعين ذا الحاجة الملهوف ، قال أرأيت إن لم يستطع ؟
قال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ،قال أرأيت إن لم يفعل ؟
قال يمسك عن الشر فإنها صدقة)
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوال الجميع إنه ولى ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن عبادة (الكف والإمساك) كأنفس ما نكتسبه من صيام رمضان.. بقى لنا أن نقول : إن صيام رمضان يكشف الإنسان أمام نفسه .. الصيام يقول لك : أنت تستطيع .. ولكن من الناس من يريد ، ومنهم من لا تريد ..
تستطيع الكف عن القيل والقال فقد استطعت أن تكف عنه في رمضان ..
تستطيع أن تمسك عن معصية الله تعالى فقد استطعت أن تمسك عنها في رمضان..
يستطيع المدخن أن يقلع عن التدخين..
يستطيع مدمن المخدرات أن يقلع عنها ..
يستطيع من يأكل الحرام ألا يأكله ..
يستطيع من يشهد الزور ألا يشهده ..
يستطيع من يقطع الرحم أن يصلها ..
يستطيع سريع الغضب أن يملك نفسه ..
يستطيع سليط اللسان أن يلجم لسانه ..
يستطيع الأهوج المتهور أن يتريث …
الصيام يقول لك ..الأمر بيديك ، وأنت تقدر ، وأنت تستطيع ، المسألة مسألة إرادة ، وصيام رمضان يضع يدك على هذه الإرادة فأثبت أنت عليها ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم لحارثة بن سراقة رضى الله عنه يا حارثة عرفت فالزم ..
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يثبتنا على المحاسن من الأعمال والأخلاق إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.
Source link