ومن رحمة الله تعالى بعباده، أنه جعل لعباده المؤمنين الطائعين مواسمَ للعِتق من النار؛ ومن هذه المواسم: (موسم شهر رمضان)؛ ففي شهر رمضان تتهيأ هذه الفرصة، وهي فرصة الإبعاد عن النار، والزحزحة عنها، والعِتْق منها
أيها المسلمون عباد الله، إن أعظمَ هدفٍ ينشُده المكلَّف في هذه الدنيا: هو أن يغادرها يومَ أن يغادرها وقد كتب الله تعالى له رضوانه، وأدخله جنته، وأنجاه من النار؛ فهذا هو الهدف الأكبر الذي ينبغي أن يسعى إليه المؤمن، وربنا سبحانه وتعالى ينبِّه عباده إلى أن الفوز الحقيقي هو أن يبعَدوا عن النار، وأن يدخلوا الجنة، هذا هو الفوز العظيم، وهذا هو الذي يسعى إليه الأخْيَارُ من العباد الفُطناء، الذين عرَفوا حقيقة هذه الحياة.
• فقد قال ربنا جل جلاله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
• وتأمل قوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} [آل عمران: 185]؛ يعني: أُبْعِد عنها، وأُنْجِيَ منها، {وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ} [آل عمران: 185]؛ لأنه في الآخرة إما جنة، وإما نار، لا ثالث لهما.
• وتأمل أيضًا: هذا الوصف؛ وصف الإبعاد عن النار: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} [آل عمران: 185]، فهو أمر ليس باليسير؛ فدلالة هذه اللفظة تبيِّن أن الأمر يحتاج إلى معالجة، وإلى صبر ومصابرة، فكأنما هذا الإنسان حين يُبعَد عن النار ليس في لحظة واحدة، وإنما هي بالزحزحة التي تقتضي شيئًا فشيئًا، وهذا لعِظَمِ الأمر وثِقَلِه، وأنه ليس بالشيء اليسير.
والعِتْق من النار: هو النجاة من النار والفوز بالجنة، وهو أعلى درجات التحريم من النار؛ ومعنى العِتْق من النار: أي: أن الله تعالى يقضي ألَّا يدخل العبدُ النارَ أبدًا، كما أنه يأمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر؛ قال العلماء: والعِتْق أرقى من المغفرة؛ فإن المغفرة تعني أن الذنوب تُمحى، لكن الإنسان بعد المغفرة قد يأتي بذنوب أخرى ثم يدخل النار، أما العِتْق فإنه لا يدخل النار أبدًا، مهما ارتكب من الذنوب والخطايا بعدها فإنها تُغفر له؛ وذلك لأن الله يعلم ما كان من العبد، وما يكون، وما هو كائن؛ فالمغفرة: تؤمِّن الماضي، والعِتْق: يؤمِّن الماضي والمستقبل، ومن علامات العبد المعتوق: أنه يُوفَّق للتوبة، فتراه يسارع بالتوبة، والندم والاستغفار بعد كل ذنب يرتكبه، حتى يلقى الله تعالى وهو على هذا الحال.
فإن أغلى أمنية للمؤمنين الصالحين، وغاية ما يأمُله الصالحون، ويشتاق إليه المشتاقون: أن تُعتَق رقابهم من النار، فكل بلاء دون النار عافية؛ قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20].
ومن رحمة الله تعالى بعباده، أنه جعل لعباده المؤمنين الطائعين مواسمَ للعِتق من النار؛ ومن هذه المواسم: (موسم شهر رمضان)؛ ففي شهر رمضان تتهيأ هذه الفرصة، وهي فرصة الإبعاد عن النار، والزحزحة عنها، والعِتْق منها، ولذلك جاءت أحاديث كثيرة على تأكيد هذا الأمر، وهي ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أولُ ليلة من شهر رمضان: صُفِّدت الشياطين، ومَرَدَة الجن، وغُلِّقت أبواب النار، فلم يُفتَح منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنة، فلم يُغلَق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغِيَ الخير أقْبِلْ، ويا باغي الشر أقْصِرْ، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كلَّ ليلة»؛ (رواه الترمذي، وابن ماجه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع).
• وعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عند كل فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وذلك في كل ليلة»؛ (رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الشيخ الألباني).
• وجاء بلفظ: «إن لله في كل يوم وليلة عتقاءَ من النار في شهر رمضان، وإن لكل مسلم دعوةً يدعو بها فيُستجاب له».
• وجاء بلفظ آخر أيضًا: «لله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة»؛ (رواه الترمذي، وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم).
ففي هذه الأحاديث بيانٌ لهذه المنزلة العظيمة، والشرف الرفيع في هذا الشهر الكريم، وهو حصول العِتْق من النار، وذلك في كل ليلة من ليالي هذا الشهر الفضيل؛ حيث تُرفَع فيه قوائم من عباد الله ممن سيُعتَقون من النار، وهذا فضل كبير من الله الكريم القدير سبحانه، يتلطف على عباده، فيُعتق رقابهم، ويغفر ذنوبهم، ويرفع قدرهم، فيا لفرحهم، ويا لسعادتهم بما نالوا من هذا الفضل العظيم!
عتقاء من النار: يُنجِّيهم الله تعالى من عذابها، ويحفظهم من حرِّها وسمومها، ويَحُول بينهم وبين لهبِها وحريقها.
عتقاء من النار: يكتب الله تعالى لهم السلامة من نار لا يهدأ زفيرها، ولا يفكُّ أسيرها، ولا يُجبَر كسيرها، حرُّها شديد، وقعرها بعيد، وماؤها صديد، ومقامِعُها من حديد، طعام أهلها الزَّقُّوم، وشرابهم الصديد، ولِباسهم القَطران والحديد.
عتقاء من النار: ينجيهم من نار لا يسكن ألْمُها، ولا يتوقف عذابها؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: 56].
عتقاء من النار: ينجيهم من هذه الدار التي يصيح أهلها ويستغيثون، ويسألون التخفيف من عذابها: {فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 86]، وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: 49، 50].
عتقاء من النار: ينجِّيهم من النار التي يصيح أهلها ويستغيثون، يسألون الخروج منها فلا يسمعون إلا التَّوبيخَ والتَّقْرِيع، واللَّوم والعتاب: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48].
عتقاء من النار: يعني النجاة من النار التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يُؤتَى بجهنمَ يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَكٍ يجرُّونها»؛ (رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه).
فإن نارَ الآخرة لا تُقارَن بنار الدنيا؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم»، قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافيةً، قال: «فُضِّلَتْ عليهن بتسعة وستين جزءًا، كلهن مثل حرِّها».
نعم، فإن حرارة النار لا تُطاق، واسمع لخبرِ أخفِّ أهل النار عذابًا؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أهْوَنَ أهل النار عذابًا يوم القيامة لَرجلٌ يوضع في أَخْمَصِ قدميه جَمْرَتانِ، يَغْلِي منهما دماغه، ما يرى أن أحدًا أشدُّ منه عذابًا، وإنه لَأهْوَنُهم عذابًا».
فإن الصيام والإكثار من صيام التطوع لَهُوَ فرصة عظيمة للعِتق من النار؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جُنَّةٌ»، وفي رواية: «الصيام جُنَّةٌ، وحصن حصين من النار))؛ [رواه أحمد]، وفي رواية: ((الصيام جُنَّة، يَسْتَجِنُّ بها العبد من النار».
• وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله، إلا باعد الله –بذلك اليوم– وجْهَه عن النار سبعين خريفًا».
• وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام يومًا في سبيل الله، جَعَلَ الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض»؛ (رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
خطة السعي لفِكاك الرقبة:
أيها المسلمون عباد الله، كيف ننال العِتْق من النار في رمضان؟ لا شكَّ أنه سؤال لا بد أن يشغل بالَ كلِّ مَن آمن بالله واليوم الآخر، وآمن بالنار، وعرَف شدة عذابها وأهوالها؛ فيسعى لفِكاك رقبته وعتقها من النار، وإليك بعض الأعمال اليسيرة التي تستطيع أن تحافظ عليها في شهر رمضان (مشاريع رمضانية للعتق من النار):
أولًا: الإخلاص لله تعالى في الإيمان والعمل الصالح، من الصلاة والصيام وسائر الأعمال؛ ففي الصحيحين عن عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لن يُوافِيَ عبدٌ يوم القيامة، يقول: لا إله إلا الله، يبتغي به وجه الله، إلا حرَّم الله عليه النار»، فإخلاصك سببٌ للعتق من النار، كذا الإخلاص في الصيام والقيام يضمن لك المغفرة من الذنوب، وما نتيجة ذلك إلا دخول الجنة، والعِتْق من النيران.
ثانيًا: المحافظة على الصلوات الخمس جماعةً في المسجد.
ومنها: مشروع إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين يومًا:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلَّى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كُتِبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق»؛ (رواه الترمذي)؛ قال العلماء: “ولعل الحكمة في عدد الأربعين، أن الملازمة للطاعة إذا استمرت في هذه المدة المبيَّنة، فالغالب أنه يتلذذ بالعبادة، ويذهب عنه كُلْفَةُ المجتهدين، فتحصل له الاستقامة“.
فمن أراد أن تُكتب له البراءة من النار، ومن النفاق، فليجتهد في تحقيق هذا الحديث بشروطه؛ وهي: أن تكون صلاته خالصةً لله تعالى، وأن يصليها جماعةً أربعين يومًا متصلة دون انقطاع، ويدرك التكبيرة الأولى مع الإمام؛ وذلك بأن يشهد تكبيرة الإمام، ويشتغل عَقِبَها بصلاته.
ومنها: المحافظة على صلاتي الفجر والعصر؛ ففي صحيح مسلم عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها»؛ يعني: الفجر والعصر.
ومنها: المحافظة على أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وبعدها؛ فعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حافَظَ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها، حرَّمه الله على النار»؛ (رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع)، وفي رواية: «من صلَّى أربعًا قبل الظهر، وأربعًا بعدها، لم تمسَّه النار»، فهذا فضل عظيم لا يحصُل عليه إلا من حافَظَ وواظَبَ على هذه الركعات، التي كان السلف يحرصون عليها منذ سماعهم لهذا الحديث.
ووقت صلاة القبلية: ما بين الأذان للظهر وصلاة الفرض، وأما البعدية: فمن الفراغ من صلاة الظهر، إلى أذان صلاة العصر.
ومنها: القيام في العشر الأواخر من رمضان، وتحرِّي ليلة القدر؛ ففيها العِتْق أكثر بإذن الله تعالى، وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن دعاء تستقبل به ليالي العفو؛ كما قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: «اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني»، فاستعِنْ بالله، وتجهَّز للعشر الأواخر بطلب العفو، وتحري القيام.
ثالثًا: اجعل لنفسك رصيدًا من البكاء من خشية الله تعالى.
• عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَلِجُ النارَ رجلٌ بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضَّرْعِ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودُخَان جهنم»؛ (رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
• وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عينان لا تمسُّهما النار: عينٌ بَكَتْ من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله»؛ (رواه الترمذي).
كما أن الذي تدمَع عيناه من خشية ربِّه في السر أكثر من العلانية هو أحد هؤلاء السبعة الذين يظلهم في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظله؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعةٌ يُظِلُّهم الله في ظِلِّه، يومَ لا ظل إلا ظله:… وذكر منهم: ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه».
والبكاء من خشية الله تعالى فرصة عظيمة للعتق من النار، لا سيما في شهر رمضان، ومع سماع القرآن في صلاة التراويح والتهجد، فهنيئًا لمن صحَّت له دمعة واحدة من خشية الله؛ فإن القلوب تُغسَل من الذنوب بماء العيون.
فابكِ من خشية ربِّك خاليًا، وإن لم تستطع أن تبكي فتباكَ؛ فالبكاء دواء لأمراضنا، وعتق من النار لرقابنا؛ قال خالد بن معدان: “إن الدمعة لَتُطفئ البحورَ من النيران، فإن سالت على خدِّ باكيها، لم يَرَ ذلك الوجهُ النارَ، وما بكى عبدٌ من خشية الله، إلا خشعت لذلك جوارحه، وكان مكتوبًا في الملأ الأعلى باسمه، واسم أبيه، منورًا قلبه بذكر الله”.
رابعًا: الدعاء واللجوء إلى الله تعالى والإلحاح بطلب العِتْق من النار:
قال تعالى في وصف عباده المؤمنين: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16].
• وذكر الله تعالى في صفات عباده الأبرار، أنهم يدعونه فيقولون: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 65، 66].
• وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجِرْهُ من النار»؛ (رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع)، وهذا يعني أن من الأعمال التي بسببها يُعتَق المرء من النار كثرةَ الدعاء بطلب العِتْق، فقل: «اللهم أجرني من النار»، واسأل ولا تستكثر، ولْتَعْظُمْ رغبتك عند الله، فلا ينقص شيء من مُلْكِهِ سبحانه، ولو أعطى كل عباده؛ ففي الحديث: «يا عبادي، لو أنَّ أولَّكم وآخركم، وإنْسَكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحدٍ، فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسان مَسْأَلَتَه، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص الْمِخْيَط إذا أُدخِلَ البحر»؛ (رواه مسلم)، وعند كلِّ إفطار دعوة مستجابة، فلا تَنْسَ الدعاء واللجوء إلى الله تعالى بطلب العِتْق، وأن يمُنَّ عليك ببلوغ ليلة القَدْرِ.
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من النار في دُبُر كل صلاة؛ أي: بعد التشهد.
وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: «كيف تقول في الصلاة» ؟ قال: أتشهَّد، وأقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَك ولا دَنْدَنَةَ معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حولها نُدَنْدِنُ»؛ (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
• قال ابن رجب رحمه الله تعالى: “ومن أهم ما يسأل العبدُ ربَّه مغفرةَ ذنوبه، أو ما يستلزم ذلك كالنجاة من النار، ودخول الجنة؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حولها ندندن»؛ يعني: حول سؤال الجنة والنجاة من النار”؛ (جامع العلوم والحكم).
خامسًا: كثرة الخُطَى والمشي في سبيل الله تعالى، وقضاء الحوائج: فخطواتُ العبد في سبيل الله وقضاء حوائج الناس، وتفريج كُرُوب الْمَكْروبين سبيلٌ للعتق من النار؛ ففي صحيح البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اغبرَّت قدماه في سبيل الله، حرَّمه الله على النار»؛ ففي الحديث: بيان لفضيلة المشي على الأقدام في الطاعات، وأنها من الأعمال الصالحة التي ينجو بها العبد من النار، فاحتسب خطواتك عند الله تعالى؛ من إغاثة ملهوف، ونصرة مظلوم، ودعوة إلى دين الله، وغيرها من أبواب الخير.
سادسًا: الأخلاق الحسنة:
• عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألَا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرُم عليه النار؟ على كل قريب هيِّنٍ سهل»؛ (رواه الترمذي، والحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة)، وفي رواية: «من كان هيِّنًا ليِّنًا قريبًا، حرَّمه الله على النار».
وفي شهر رمضان فرصة لتتغير أخلاق الصائمين إلى الأحسن، وتتبدل السلوكيات، وتتحسن التصرفات؛ فالصيام مدرسة وجامعة لتقويم الأخلاق وتحسينها؛ امتثالًا للتوجيه النبوي للصائم حال صيامه: «وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفُث، ولا يصخَب، ولا يجهل، فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم»؛ فكن سمحًا في سائر معاملاتك مع الناس، مبتسمًا في وجوههم، حليمًا غير غضوب، ليِّنَ الجانب، طيِّب الكَلِمِ، رقيق الفؤاد، فإذا اشتد أخوك فعامله بالرفق لا الخشونة، ولا تنسَ: (إنه العِتْق من النار).
سابعًا: الصدقة ولو بالقليل:
• ففي الصحيحين عن عَدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما منكم أحدٌ إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه تَرْجُمَانٌ، فينظر أيْمَنَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم من عمله، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه؛ فاتقوا النار، ولو بشِقِّ تمرة»، وفي رواية: «من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة، فَلْيَفْعَلْ».
والصدقة في شهر رمضان شأنها أعظم وآكد، ولها مَزِيَّة على غيرها؛ وذلك لشرف الزمان ومضاعفة أجر العامل فيه، ولأن فيها إعانة للصائمين المحتاجين على طاعاتهم؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وأجود ما يكون في رمضان.
ومن صور الجُود في شهر رمضان: الصدقات، وإطعام الطعام، وتفطير الصائمين، والجود بالعلم وبذله، والجود بالنفع بالجاه كالشفاعة وغيرها.
ثامنًا: الدفاع عن عرض المسلم في غيبته:
• فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ذبَّ عن لحم أخيه بالغِيبة، كان حقًّا على الله أن يُعتقه من النار»؛ (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رَدَّ عن عِرْضِ أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة»؛ (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
فالحذرَ الحذرَ من مجالس الغِيبة، وليحذر كل واحد منا من أن يقع في أعراض الآخرين، فإذا جلست في مجلس، ونال الناس من عرض أخيك المسلم، فاحذر؛ فإن المستمع لا يخرج من إثم الغيبة إلا بأن ينكر بلسانه، فإن خاف فبقلبه، فإن قدر على القيام، أو قطع الكلام، لزمه ذلك.
تاسعًا: العفو عن الناس والتجاوز عنهم.
فاعفُ عن الناس؛ ليعفو الله عنك، وتجاوز عن العباد؛ ليتجاوز عنك رب العباد، ولعل قصة الرجل الذي كان يتجاوز عن الْمُعْسِرين تكشف لنا: كم هو عظيم عفو الله عن العافين، وتجاوزه عن المتجاوزين! كما في الصحيحين عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُوسِب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان مُوسِرًا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن الْمُعْسِر، قال: قال الله عز وجل: نحن أحقُّ بذلك منه، تجاوزوا عنه»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان رجلٌ يُداين الناس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فلَقِيَ الله فتجاوز عنه».
عاشرًا: المحافظة على الباقيات الصالحات وهُنَّ المنجيات:
• عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا جُنَّتَكم»، قالوا: يا رسول الله، أمِنْ عدوٍّ قد حضر؟ قال: «لا، ولكن جنتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مُجنِّبات ومُعقَّبات، وهن الباقيات الصالحات»؛ (رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
فيا من تريد العِتْق من النار، والنجاة منها، أقْبِلْ على الصيام والقيام إيمانًا واحتسابًا، وأقبل على الطاعات بعزيمة وثبات، واجتهد في رمضان، فإنه طريقك إلى العِتْق من النيران.
نسأل الله العظيم أن يعفو عنا جميعًا، وأن يكتبنا من عتقائه من النار.
____________________________________________________
الكاتب: رمضان صالح العجرمي
Source link