منذ حوالي ساعة
مما يحرم على الصائم: الجماع، وهو إيلاج الذكر في الفرج، وهو أعظم المفطرات وأكبرها إثما، فمتى جامع الصائم بطل صومه فرضا كان أو نفلا.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت! قال: «ما لك»؟، قال؛ وقعت على امرأتي وأنا صائم! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هل تجد رقبة تعتقها»؟، قال: لا قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين»؟، قال: لا، فقال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا»، قال: لا قال فمكث النبي -صلى الله عليه وسلم- فبينا نحن على ذلك أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر- والعرق المكتل- قال: «أين السائل»؟، فقال: أنا قال: «خذ هذا فتصدق به»، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها- يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك» (متفق عليه) [1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: مما يحرم على الصائم: الجماع، وهو إيلاج الذكر في الفرج حتى يغيب رأسه (الحشفة)، وهو أعظم المفطرات وأكبرها إثما، فمتى جامع الصائم بطل صومه فرضا كان أو نفلا.
ثم إن كان في نهار رمضان والصوم واجب عليه لزمه التوبة إلى الله تعالى من هذا الإثم العظيم، والإمساك عن المفطرات في هذا اليوم الذي جامع فيه، مع قضاء يوم بدلا عنه، ووجب عليه أيضا الكفارة المغلظة، وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي كأيام العيدين والتشريق، أو لعذر حسي كالمرض والسفر لغير قصد الفطر، فإن أفطر لغير عذر ولو يوما واحدا لزمه استئناف الصيام من جديد ليحصل التتابع، فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين فإطعام ستين مسكينا، لكل مسكين كيلو وربع أو كيلو ونصف تقريبا من ألأرز أو غيره من طعام الآدميين.
الفائدة الثانية: إنزال المني نوعان:
الأول: الإنزال بفعله قصدا، مثل: إنزاله بالمباشرة أو اللمس أو التقبيل أو الاستمناء أو بتكرار النظر للنساء أو الصور أو الأفلام، وهذا لا يجوز للصائم، لأنه من الشهوة التي لا يكون الصوم إلا باجتنابها كما جاء في الحديث القدسي: «يترك طعامه وشرابه من وشهوته من أجلي». (متفق عليه) [2]، وقد فعله فقد أفطر، ويجب عليه التوبة إلى الله تعالى، والإمساك هذا اليوم عن الطعام والشراب، وقضاؤه فيما بعد، وليس عليه كفارة.
الثاني: نزول المني بغير فعله ولا اختياره، مثل: نزوله بالاحتلام أو التفكير المجرد عن العمل، أو بالنظرة الأولى، فهذا لا حرج على الإنسان فيه، ولا يفطر الصائم؛ لأن الاحتلام يقع بغير اختيار الصائم، وأما التفكير فمعفو عنه لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به، أو تكلم». متفق عليه[3].
وأما إنزال المني بتقبيل أو لمس ونحوهما فلا ينبغي للصائم أن يفعله، وقد اختلف العلماء في التفطير به، والصحيح أنه لا يفطر الصائم، ولكنه ينبغي له أن يتجنب ما يدعوه إلى ذلك.
الفائدة الثالثة: أما التقبيل واللمس بشهوة بدون إنزال للمني فالناس صنفان:
الصنف الأول: الذي يملك نفسه من الوقوع في الجماع أو إنزال المني بشهوة، فهذا لا بأس بفعله، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه. (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: «في رمضان» [4].
الصنف الثاني: الذي لا يملك نفسه ويحشى من الوقوع في الجماع أو إنزال المني بشهوة، فلا لمجوز له ذلك، سدا للذريعة، وصونا لصيامه عن الفساد، فليحذر الشباب من ذلك، وبحاصة من تزوج حديثا، فكثيرًا ما يقع منهم التفريط في هذا فيقعون في إفساد صيامهم الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب، مع تحمل الكفارة المغلظة، وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المباشرة للصائم: فرخص له وأتاه آخر فسأله (( فنهاه)) فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب، (رواه أبو داود والبيهقي وصححه الألباني) [5]
[1] رواه البخاري في كتاب الصوم، باب إدا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر 2/ 684 (1834)، ومسلم في كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه 2/ 781 (1111)، والعرق، الزبيل أو المكتل الذي يوضع فيه التمر أو غيره.
[2] رواه البخاري في كتاب الصوم، باب فضل الصوم 2/ 670 (1795)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيام 2/807 (1511).
[3] رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيا في الأيمان6/ 2454 (6287)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب1/ 116 (127).
[4] رواه البخاري في كتاب الصوم، باب المباشرة للصائم 2/ 680 (1826)، ومسلم في كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب 2/ 777(1106)، وهذا لفظه.
[5] رواه أبو داود في كتاب الصوم، باب كراهيته للشاب2/ 312 (2387)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى 4/231، قال ابن الهمام الحنفي سنده جيد ( فتح القدير2/ 332، وصححه الألباني ( صحيح أبي داود 7/ 148 ( 2065).
_________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري
Source link