ولا تَنْسَوا قِيامَ الليلِ إني ** رأيتُ الخيرَ في جوفِ الليالي
ولا تَنْسَوا قِيامَ الليلِ إني ** رأيتُ الخيرَ في جوفِ الليالي
فإن أردت أن تدخل في زمرة عباد الرحمن فعليك بقيام الليل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64].
وإن شئت محوًا لسيئاتك، وإن طمحت في صحة بدنية، فعليك بقيام الليل، ففي الحديث الشريف «عليكمْ بقيامِ الليلِ؛ فإنَّه دأْبُ الصالحينَ قبلكمْ، وقربةٌ إلى اللهِ تعالى، ومنهاةٌ عنِ الإثمِ، و تكفيرٌ للسيئاتِ، و مطردةٌ للداءِ عنِ الجسدِ»؛ (رواه الترمذي وحسَّنه الألباني).
وإن حرصت على هجر المعاصي، فقم الليل، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ فلانًا يُصلِّي بالليل، فإذا أصبحَ سرق؟! قال: «سَيَنْهاه ما تقول»؛ (رواه أحمدُ).
وإن أحببت معرفة منزلتك وقدرك ومكانتك عند الله؛ فقم الليل إلا قليلًا، قال أحد الصالحين: إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك، فانظر فيما أقامك، قال صلى الله عليه وسلم: «واعلمْ أنْ شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ»؛ (الجامع الصغير، حديث صحيح).
وإن رُمْت أن يكسو وجهك من نور الله تعالى، فعليك بقيام الليل، سُئل الإمام الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: ما بال المتهجِّدين -الذين يصلُّون بالليل- وجوههم فيها النور، فيها الضياء؟ فقال: لأنَّهم خلوا بالرحمن فأعطاهم من نوره.
وإن رغبت في أن يضحك الله -تعالى- لك؛ فقم الليل، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم….، والذي له امرأة حسنة، وفراش لين حسن فيقوم من الليل، فيقول: يذر شهوته فيذكرني ولو شاء رقد»؛ (السلسلة الصحيحة).
وإن طمحت أن يباهي بك الله -تعالى- ملائكته، فقم الليل، قال صلى الله عليه وسلم: «عجِب ربُّنا مِن رجُلينِ: رجلٍ ثار عن وِطائِه ولحافِه مِن بينِ حِبِّه وأهلِه إلى صلاتِه فيقولُ اللهُ جلَّ وعلا لملائكتِه: انظُروا إلى عبدي ثار عن فراشِه ووِطائِه مِن بينِ حِبِّه وأهلِه إلى صلاتِه رغبةً فيما عندي وشفقةً ممَّا عندي»؛ (صحيح بن حبان).
وإن أحببت التريُّض والتلذُّذ فعليك بقيام الليل، قال ابنُ المنكدر-رحمه الله-: ما بقي من لذَّات الدُّنيا إلا ثلاثٌ: قيامُ الليل، ولقاءُ الإخوان، والصلاةُ في جماعة.
وإن ابتغيت طريقًا يأخذك إلى الجنة؛ فعليك بقيام الليل، قال صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ»؛ (رواه الترمذي، حديث صحيح).
وإن أردت الحصول على ما لم يخطر على قلبك؛ فقم الليل، قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16، 17]، ومن هذه الأشياء التي لا ترد على خاطرك؛ تلك الغرف التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ في الجنة غرفًا يُرى ظاهرُها من بطونها وبطونُها من ظهورها» ، فقام أعرابيٌّ فقال: لمن هي يا رسولَ الله؟ قال: «مَنْ أطاب الكلامَ، وأطعمَ الطَّعامَ، وأدامَ الصِّيامَ، وصلَّى باللَّيل والنَّاسُ نيامٌ»؛ (رواه الترمذي، حديث حسن).
وإن اشتقت لمناجاة ربك -جل جلاله- فستجده في جوف الليل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»؛ (صحيح البخاري).
أريدك أن تقف لحظات مفكرًا في هذا الحديث! ربنا -جل جلاله- بكل عظمته، ينزل في الثلث الأخير إلى سماء الدنيا ويقول: من يدعوني فأستجب له……!
أرأيت لو قيل لك إن أحد الأثرياء أو أصحاب المناصب العليا -ولله المثل الأعلى- سيأتيك في هذا الوقت، يقول لك: سل ما شئت، هل ستنام عن ذلك؟
فما بالك برب العالمين؟!
هذا والله الفوز العظيم، من أجل هذا حفزنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم على قيام الليل بقوله: «رَحم اللهُ رجلًا قام من الليل فصلَّى وأيقظَ امرأتَه، فإن أَبَتْ نضح في وجهها الماءَ، ورحم اللهُ امرأةً قامت من اللَّيل فصلَّت وأيقظت زوجَها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء»؛ (صحيح أبي داود).
وكان هذا ديدنه صلى الله عليه وسلم مع أهله، ونهج السلف الصالح بعده.
كانَ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي صَلاتَهُ بِاللَّيْلِ، وهِي مُعْتَرِضَةٌ بينَ يَدَيهِ، فَإذا بقِيَ الوِتْرُ، أَيقظها فَأَوْترتْ؛ (رواه مسلم).
وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يطرق فاطمة وعليًّا ليلًا فيقول لهما: «ألا تقومان فتصليان»؛ (انظر: صحيحي البخاري ومسلم).
وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].
ولكي تستطيع قيام الليل بجد ونشاط، فعليك بجملة من الأمور منها:
ترك المعاصي، قال الحسن البصري -رحمه الله-: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل، وصيام النهار.
والتقليل من الأكل، لكيلا يعتريك الكسل والخمول، قال سفيان الثوري -رحمه الله-: عليكم بقِلَّة الأكل، تملكوا قيام الليل.
نم لبعض الوقت في الظهيرة (القيلولة)، قال أحد الصالحين: استعينوا بالقيلولة على قيام الليل.
واعلم -يا أخانا- أن مجرد عزمك على القيام وأخذك بالأسباب، يكسبك الأجر إن حال بينك وبين القيام حائل، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ تكون له صلاة بالليل فغلبه عليها النومُ إلا كُتِب له أجرُ صلاته، وكان نومُه صدقة عليه»؛ (صحيح أبي داود).
يا رب.
لبستُ ثوبَ الرَّجا والنَّاسُ قد رقدُوا ** وبتُّ أشكو إلى مولايَ ما أجــدُ
وقلتُ: يا أملي في كلِّ نائبــــــــــــةٍ ** ومَنْ عليه لكشفِ الضُّرِّ أَعتمــدُ
أشكو إليكَ أمورًا أنتَ تعلمُهـــــــــــا ** ما لي على حمْلها صبرٌ ولا جلدُ
وقد مددتُ يدي بالذُّلِّ مبتهـــــــــلًا ** إليكَ يا خيرَ من مُدَّتْ إليه يــدُ
فلا تَرُدَّنَّها يا ربِّ خائبـــــــــــــــــــةً ** فبَحْرُ جودِكِ يروي كلَّ من يَـرِدُ
نسأل الله أن يجعلنا ممن وصفهم بقوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16].
_______________________________________________________
الكاتب: أ. د. زكريا محمد هيبة
Source link